الرباط – «القدس العربي»: السينما هي صورة تختزل الجمال تنطق في مشاهد لتبعث لنا برسائل إنسانية كونية حول تطور العقل البشري، والذي استطاع أن يتجانس مع هذا التطور المستمر لينتج كلمات ناطقة بصورة، فليس كل ما يصور سينما، ولكن السينما هي نتاج عقل بشري أخرجه من مخياله ليحدد عبر الصورة زويا وأبعاد تحتوي على رسائل معينة.
أما حكاية المغرب والسينما فهي فلسفة صورة تحضر عبر مهرجانها العالمي في مراكش وغيره، لكن يبقى هذا الأخير أيقونة الفعل السينمائي في المغرب ويتجلى ذلك من خلال الميزانية الضخمة التي يحصل عليها من المالية العمومية. هذا وغيره يطرح العديد من التساؤلات في كل سنة مباشرة بعد انتهاء فعاليات مهرجان مراكش الدولي للسينما، ليبدأ المركز السينمائي المغربي في جرد أحداث السنة وميزانيتها، وطبعا يأخذ مهرجان مراكش نصيبا كبيرا كالمعتاد، لكن هذا لا يمر مرور الكرام، بل يجر خلفه الكثير من الانتقادات حول مبلغ مئة مليون درهم (11 مليون دولار) حسب التصريح الرسمي لوزارة الثقافة والاتصال الوصية على قطاع السينما في المغرب، رقم مهم، في وقت تعتبر فيه ميزانية قطاع الثقافة والاتصال من أضعف ميزانيات الوزارات المسؤولة في المغرب.
حصيلة لا تعكس واقع السينما
الحصيلة السنوية لقطاع السينما في المغرب، رغم أهمية الأرقام الصادرة من المؤسسات العمومية الوصية، لكنها تبقى لا تنعكس على أرض الواقع. فقد صدرت إحصائيات رسمية حول السينما، أكدت قيمة دعم الإنتاج السينمائي المغربي في 75 مليون درهما برسم سنة 2018، منها 15 مليون درهما لإنجاز الأعمال الوثائقية حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي، ودعم المهرجانات السينمائية الوطنية وصل 23 مليون درهما برسم نفس السنة، ثم مليونا درهما خصصت لدعم القاعات السينمائية، ليبلغ بذلك المبلغ الإجمالي المخصص لدعم القطاع السينمائي 100 مليون درهما.
واعتبر محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، في تصريح للصحافة أن حصيلة إنجاز القطاع السينمائي للسنة الماضية إيجابية تعكس الجهود المبذولة من طرف القطاع الحكومي والمهنيين للإرتقاء بالمشهد السينمائي.
وقد تم رفع القيمة المخصصة لدعم المهرجانات السينمائية الوطنية، حيث تضاعف المبلغ المخصص لذلك من 11 مليون درهم خلال سنة 2017، إلى 23 مليون درهما برسم سنة 2018.أرقام كبيرة لدعم المهرجانات في ظل الانتقادات الكثيرة حولها، إذ أصبحت ظاهرة المهرجانات مثل الفطر، في كل مدينة مهرجانان أو أكثر. وغالبيتها يحظى بالدعم، غير أن التساؤل المطروح، ماهية قيمتها المضافة وماذا تشكل في الواقع لتنمية القطاع؟ وهل تساهم فعلا في التنمية المحلية سينمائيا أو جهويا؟ في حين يراها المنتقدون أنشطة لتبذير المال العام، وعدم انعكاس أية تنمية حقيقية في القطاع السينمائي.
في السنة الماضية عاد المهرجان الدولي للفيلم في مراكش بعد انقطاعه لدورة واحدة، موعد سنوي للجمهور المغربي والأجنبي حيث سجلت إدارة المهرجان معدلات سنوية بحضور حوالي 20 ألف شخص لفقرات المهرجان، و50 ألف متفرجا حاضرا في ساحة «جامع ألفنا».
مهرجان دولي حاول تقديم ثقافة بلد منفتح يحرص على تعزيز التلاحق الثقافي والفني العالمي.
ويستقبل المئات من الضيوف الأجانب، باعتبارهم رهانا رسميا لتسويق صورة المغرب. غير انه لم يسلم أيضا من انتقادات التبذير، وحسب بعض المعطيات تصل ميزانية المهرجان الدولي للفيلم في مراكش إلى ثمانين مليون درهم في الدورات السابقة، ومديرة المهرجان الفرنسية «ميليتا توسكون دي بلونيتي»التي أصبحت في الدورة الأخيرة مستشارة رئيس مؤسسة المهرجان، كانت تتقاضى مبلغ 23 مليون درهم في الشهر. ميزانية ضخمة ظلت لسنوات غير معروفة وزادت من حدة الانتقادات. كما تجلت كثرة الإنتقادات أيضا في الهيمنة الفرنسية في المهرجان.
ضعف الآليات
هذا الدعم واحتكار التلفزيون من طرف شركات معروفة وضعف آليات التدبير لمؤسسات القطاع، بعض من إشكاليات تزيد من احتقان المبدع بصفة عامة في المغرب، أرقام كبيرة تثير كل سنة الكثير من الانتقادات، إما بطريقة صرفها أو لمن يتم صرفها. ناهيك عن الأفلام والانتاجات التي يتم إنتاجها بفضل هذا الدعم وتقدم أفكارا وصورا سلبية عن المجتمع المغربي.
رغم أن صارم الفهري مدير المركز السينمائي، صرح للصحافة وأكد أن المركز لا يتدخل في لجان الدعم، ولا في توجيه الأعمال التي تقدم من أجل الحصول عليه، إذ أن الدعم يقدم لمستحقيه إذا توفرت الشروط المطلوبة حسب المدير. علما أن صارم الفاسي الفهري، تم انتقاده السنة الماضية، بخلق لجنة تدعى «لجنة دعم الإنتاج السينمائي الأجنبي»، وتنصيب نفسه مديرا لها، فأصدرت الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام بيانا تشجب فيه هذا «الابتكار الجديد».
من دون شك فالزيادة في دعم السينما المغربية ستشكل دفعة جديدة لإنتاج أفضل سواء كميا أو نوعيا، غير انه من الواجب دعم الذين يستحقون، وليس كما يقول أهل القطاع باستفادة الأسماء السينمائية نفسها سنويا.
وذكرت وزارة الثقافة والاتصال عزمها الاشتغال على تعزيز الورش القانوني المرتبط أساسا بتجديد وتحيين الإطار القانوني المتعلق بالمركز السينمائي المغربي، ومشروع القانون الجديد المتعلق بإعادة تنظيم الصناعة السينمائية، وتثمين الإطار التنظيمي المحدد لشروط ومساطر دعم إنتاج الأعمال السينمائية، خاصة فيما يتعلق بتشجيع الاستثمار الأجنبي في القطاع، حيث تروم اعتماد آليات قانونية وإجرائية تمكن من بروز صناعة سينمائية وطنية قادرة على مواجهة التحديات الدولية وتعزيز الهوية الثقافية للمغرب. إستراتيجية ما فتئت ترددها الإدارات المتواصلة على القطاع في زمن تتدهور فيه السينما سنة بعد أخرى، فعدد القاعات السينمائية في تراجع مهول، فقط العشرات منها بقي بعدما كانت بالمئات.هناك جهات كبرى في المغرب بدون قاعة سينما واحدة، فكيف ستنهض صناعة السينما من دون قاعات للفرجة ولتشجيع الجمهور على تذوق الفن السابع؟
وكان وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج قدم في السنة الماضية، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال في البرلمان، مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي. إصلاح يتوخى تسيير وتقنين وتقوية القطاعين السينمائي والسمعي البصري، في إطار من الحاكمة و تخويل المركز آليات قادرة على إعطاء السينما المغربية قوة وإنتاج أعمال سينمائية وسمعية بصرية في المستوى المطلوب. إجراءات للرفع من مرودية القطاع السينمائي و التنظيم والاحترافية حسب الوزارة المعنية، لمواكبة التطور التكنولوجي السريع الذي يعرفه المجال. قرارات واستراتيجيات قليلا ما تطبق أو يتم التأخير فيها، أمام قطاع غير مهيكل أساسا، حيث تتفاوت بين السينمائيين الكثير من الاعتبارات من ناحية الاستفادة من الدعم ومن التسهيلات وغير ذلك.
غرفة السينمائيين واستمرار الانتقادات
لم تمر سنة 2018 على قطاع السينما دون أن يحتج مهنيوها، ويصدروا الكثير من بيانات الشجب. آخر ذلك ما استنكرته الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام على واقع السينما في المغرب، وأصدرت بيانا آلت فيه تردي الوضع لمدير المركز السينمائي المغربي الذي يشغل المنصب منذ أربع سنوات. قائلة إن مسؤولية «الأزمة» التي يعيشها قطاع السينما في المغرب تعود لمدير المركز السينمائي، باعتباره المدبر الوحيد والآمر بالصرف في المركز السينمائي ومجموع الصناديق والميزانيات التابعة له، بينما تنحصر مهام الوزير الوصي في الإشراف على توجهات السياسة العمومية في مجال السينما ومراقبة تنفيذها، عبر المجلس الإداري الذي يجتمع مرتين خلال السنة.
آفاق صناعة السينما المغربية
إضافة إلى الدعم، وعزم الوزارة على تطويــر الهيــاكل التنظيميــة للمهرجانـات السينمائية عبر تجويد آليات الدعم الموجه لها وجعلها ناجعة، بهدف تطوير جاذبيتها وإشعاعها على الصعيدين الوطني والدولي، يبقى الانتقاد سيد الموقف نظرا لسوء التسيير على حد ما يذكره المنتقدون لكن ولضمـان اسـتمرار العمل والرفـع مـن مسـتوى أدائه، بالنظر لدور السينما الاستراتيجي في تعزيز وإغناء الرصيـد الحضــاري والثقافــي والتراثي والتاريخــي للمغــرب، كونها تساهم في استقطاب الآلاف من الزائرين الأجانب والمغاربة سنويا.
يذكر أن المغرب يحتضن عدة استوديوهات عالمية تستقطب سنوياعشرات المخرجين العالميين لتصوير أعمالهم السينمائية والتلفزية كما في ورزازات الملقبة بهوليود إفريقيا.