في خطاب غير عادي نشرت مضمونه منظومة الإعلام الإسرائيلي في ديوان رئيس الوزراء، هدد رئيس الموساد بأن إسرائيل ستجبي ثمناً من الإيرانيين “في عمق إيران، في قلب طهران”، مقابل المس بأي إسرائيلي أو يهودي أو إدخال أسلحة إيرانية إلى أراضي إسرائيل. لقد أوضح برنياع بأن الثمن سيجبى من كل المستويات التي تشارك في أعمال كهذه، سواء نفذتها أجهزة إيران أم بواسطة فروعها ووكلائها على أنواعهم.
في تناوله لخطر النووي العسكري، كرر برنياع تصريحه في الماضي: “لن نسمح بأن تحوز إيران سلاحاً نووياً أبداً”. وأضاف: “لن نجلس مكتوفي الأيدي”.
رغم التآكل الذي طرأ في مطارحنا على قيمة الصمت، فلا ينبغي الاشتباه به، بصفته رئيساً للموساد، بأنه تعجل في أقواله. فقد تليت كلماته عن نص مكتوب، ونشر خطابه بتوسع.
أقوال أقل.. أفعال أكثر
بكلماته، وإن كان قد فصل أوتار الكرامة والعزة الوطنية، التي تحتاج إلى تعزيز في هذا الوقت، لكن لا يمكن الافتراض بأن برنياع وجه أقواله إلى الآذان الإسرائيلية. فالمشاعر الإسرائيلية تفضل أقوالاً أقل وأفعالاً أكثر، وتتحفظ من أسلوب التهديدات المضخمة السائدة بقدر أكبر لدى أعدائنا في طهران وبيروت وغزة.
حتى لو كان في الأقوال جواب ضمني على نقده لسياسة الاحتواء إزاء أعمال “حزب الله” وخصوم آخرين، فإن الجمهور يفضل أن نتحدث بالأفعال وليس بالأقوال.
إن تهديدات برنياع ليست واجبة تجاه إيران أيضاً؛ فهي واعية جيداً لأفعالها وللمخاطر التي فيها، ستعرف كي تربط بينها وبين الرد الإسرائيلي حين يأتي.
إذا كان شك بهذا الشأن، فثمة طرق عديدة سيكون ممكناً من خلالها إطلاق التلميحات بعد الفعل، لتوضح العلاقة بين العمل الإسرائيلي والفعل الإيراني.
من ناحية إسرائيل، واشنطن هي التي يجب أن تكون الهدف الأساس لأقوال رئيس الموساد.
إدارة بايدن، التي سعت إلى إبقاء المشكلة الإيرانية في الظل وإبعاد خطر المواجهة العسكرية معها، ترى اليوم بشكل ملموس نتائج سياستها: ثقة ذاتية متزايدة من جانب إيران، وفي أعقابها أعمال استفزازية في مجال النووي، ومساعدة لروسيا بالمسيرات في قتالها ضد أوكرانيا، وزيادة كبيرة لمساعي الإرهاب في أرجاء العالم، انطلاقاً من الإحساس بأنها لن تدفع ثمناً حقيقياً لقاء ذلك.
أصبع اتهام
التخوف الأمريكي من تورط عسكري في الشرق الأوسط، يشكل أساساً مهماً في سياسة اللجم لدى إدارة بايدن تجاه إيران، ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة المعاكسة: اشتعال إقليمي نتيجة آلية عمل ورد فعل لا يمكن للولايات المتحدة أن تقف جانباً إزاءه.
إن خطاب رئيس الموساد، قبل بضعة أيام من وصول رئيس الوزراء إلى لقاء مع بايدن وإلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، يشكل إعداداً جيداً لهذين الحدثين. لاعتبارات مفهومة، لم يوجه برنياع إصبع اتهام تجاه الصديقة في واشنطن، لكن حسب المثل الشعبي – فإنه “صرخ إلى الشجرة ليسمع الجمل”.
أقوال إسرائيلية ثاقبة في مسألة إيران وإن كانت ستحز في آذان رجال الإدارة إياهم الذين يعملون اليوم على التطبيع بين إسرائيل والسعودية، فإنها ستعكس الواقع الذي نشأ برعايتها بأمانة، وستوضح سلم أولويات إسرائيل: تحييد التهديد الوجودي المحدق من جانب إيران يسبق حتى التطبيع مع السعودية.
مئير بن شباط
إسرائيل اليوم 13/9/2023