بغداد ـ «القدس العربي»: تحدث رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، عن جمّلة ملفات تتعلق بالشأن السياسي الداخلي والأوضاع في إقليم كردستان العراق، فضلاً عن الملف الخارجي، خلال مشاركته في جلسة حوارية عنوانها «العوائق الرئيسية في الشرق الأوسط ومستقبل إقليم كردستان» ضمن فعاليات منتدى أربيل السنوي الثاني، مساء أول أمس.
بارزاني سلّط الضوء على الخلاف الكردي ـ الكردي بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني» بزعامة بافل طالباني، وفيما حثّ على أهمية عودة أعضاء «الاتحاد» إلى اجتماعات مجلس وزراء الإقليم، استبعد تصاعد حدّة الخلاف بين الطرفين وبلوغه مرحلة «الصِدام المسلّح».
وفي الوقت الذي أكد فيه بارزاني دعم مقتدى الصدر و«التيار الصدري» لحكومة رئيس الوزراء الاتحادي، محمد شياع السوداني، ذكر أنه ورئيس تحالف «السيادة» خميس الخنجر، ورئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، حاولوا إقناع الصدر بالعدول عن قرار انسحابه من العملية السياسية، لكن من دون جدوى.
كيانان في دولة واحدة
وفي تفاصيل حديثه المطوّل، أشار إلى أن «قوة اقليم كردستان ليست خطراً على العراق، وإن قوة العراق ليست خطراً على إقليم كردستان، فهذان مكملان لبعضهما البعض. لدينا كيانان لكننا ضمن إطار دولة واحدة هي دولة العراق، وإقليم كردستان في هذا الإطار وحسب الدستور ورؤاه السياسية، حاول في كل النواحي أن يحاور الدول الخارجية».
فرصة ذهبية
وأوضح أن العراق، ومن ضمنه إقليم كردستان، يمكن أن يمارس دوراً أساسياً في حل مشاكل الغرب، من حيث الطاقة، حيث كان يعتمد على روسيا في هذا المجال، ويمكن أن يتغير ذلك. العراق بلد يمكن، إن كانت له رؤية واقعية وجادة في بغداد وأربيل، أن تعمل الجهتان معاً جنباً إلى جنب».
وزاد: «هناك فرصة ذهبية في رأيي أمام العراق وإقليم كردستان لممارسة دور جاد في مسألة الطاقة في العالم».
ورأى أن «العراق عمل حتى الآن بصورة جيدة، وسياسة العراق تتمثل بأن يصبح جسراً للتواصل، ووزير الخارجية (فؤاد حسين) بذل جهوداً جادة لأن يلعب العراق بهذا الدور».
وحسب قوله «ودول المنطقة والدول الخارجية والمجتمع الدولي، ينظرون بعين التقدير إلى دور العراق في أن يكون جسر وصل، وأنا أرى أن العراق لا يستطيع أن يكون جزءاً من أي قطب، لكنه يستطيع أن يكون جسر التواصل بين هذه الأطراف، وحتى الآن مارس العراق هذا الدور وتمكن إلى حد جيد من تنفيذ هذا، وأرجو أن يتمكن من فعل هذا بصورة أفضل في المستقبل».
قال إن الصدر يدعم حكومة السوداني وأبدى تفاؤلاً بحل الخلافات مع بغداد
وبشأن الخلافات داخل الإقليم، تساءل : «هل الخلافات في إقليم كردستان ستؤدي لا سمح الله إلى تصادم عسكري؟ هذا بالتأكيد لن يحدث. كل الأطراف السياسية في كردستان، وخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، غادروا هذه المرحلة منذ أمد بعيد، ولا أتوقع أن يواجه إقليم كردستان مرة أخرى حالة تصادم عسكري لا سمح الله».
ولفت إلى أن «الخلافات الداخلية في إقليم كردستان، سياسية» وقد «أنهكت الجميع، كل الأطراف وحتى الشعب، آن الأوان على ما أعتقد لحل هذه الخلافات. مع الاتحاد الوطني الكردستاني يجب حلها».
العودة للحكومة
ودعا ما سماهم «الأخوة» في «الاتحاد الوطني» ورئيس الحزب قوباد طالباني لـ«العودة إلى مجلس الوزراء».
وأستطرد: «من الممكن أن يكون هنالك إنزعاج ومشاكل وقلق، على كل المستويات. نتعامل بجدية بالغة لتحل هذه المشاكل».
ورأى أن الحل لتجاوز الأزمات الداخلية في الإقليم، هو أن «نجلس معاً، وأن يأتي نائب رئيس حكومة إقليم كردستان (من حزب الاتحاد) ويشارك في اجتماعات مجلس الوزراء ونعمل جميعنا معاً».
واعتبر أن «هذه هي الفرصة الذهبية المتاحة لإقليم كردستان والعراق. علينا أن لا نضيعها بأمور صغيرة».
وواصل: «هنالك مشاكل وخلافات بين الجانبين، لكن هذه الخلافات يجب حلها ضمن إطار الحكومة، فإذا لم نتحاور مع بعضنا البعض ولم نجلس مع بعضنا البعض وتحدثنا عن المشاكل خارج مجلس الوزراء، فلن تحل المشاكل. أرجو أن يسمع الإخوة رسالتي هذه ويقرروا سريعا العودة إلى مجلس الوزراء».
والمشاكل، حسب بارزاني «ليست غير قابلة للحل، ولا يمكن أن تحل بخروج فريق الاتحاد الوطني الكردستاني من الحكومة، ومقاطعة وزرائهم اجتماعات مجلس الوزراء، هذا الأمر يجب أن ينتهي.
وواصل: «إن لم يتفق الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ماذا عساهما أن يفعلا؟ قالوا تظهر إدارتان، قلت لن تظهر إدارتان، سيكون هنالك صفر من الإدارات. ليس هنالك حل آخر. المشاكل بين الجانبين إن لم تحل ما هو البديل؟ جلسنا مع بعض وتجاوزنا مراحل أصعب من ذلك بكثير».
لا جدية في تنفيذ الدستور
وأضاف: «مستقبل كردستان هو مستقبل مشرق. الإقليم ككيان دستوري مثبت في الدستور العراقي، وبالتأكيد لن تعود الأوضاع إلى ما قبل صدور الدستور، لكن حقيقة الموضوع هي إلى أي مدى تم تنفيذ هذا الدستور؟»
وتابع: «منذ 2003 وإلى الآن لا نلمس جدية في تنفيذ الدستور حتى هذه اللحظة للأسف. السؤال هو هل العراق حقاً ماض بإتجاه الفيدرالية أو باتجاه مركزية قوية؟. في حال مضى العراق في اتجاه الفيدرالية وترسخت أسس الفيدرالية فإن المستقبل سيكون أفضل بكثير، ليس فقط لإقليم كردستان بل للعراق أيضاً، هذا هو الحل الصائب الذي يجب العمل عليه.
اتفاق مكتوب
وطبقاً لبارزاني فإن الحكومة الاتحادية برئاسة السوداني «تشكّلت بناء على اتفاق سياسي مكتوب بين الأطراف التي شكلت الحكومة، وكذلك جرى الحديث هناك عن كيفية اتخاذ الخطوات نحو حل المشاكل وفي نفس الوقت تم تحديد سقف زمني لحل كل مشكلة، وهناك اجتماعات مستمرة بين الأطراف المشكلة للحكومة في بغداد، وهنالك اجتماعات مستمرة تجري حول من أين يبدأون وما هي المشكلة التي يجب أن تحل أولاً وكيف يمكن أن يستمر الأمر، وما نحن نراه وحسب ما استنبطناه من لقائاتنا مع رئيس الوزراء، هنالك مجال لحل المشاكل».
أجواء إيجابية
وتطرق إلى تصريحه في مؤتمر ميونخ الأخير بشأن احتمالية انسحاب الأكراد من الحكومة الاتحادية، قائلاً: «ما قلته في ميونخ هو إن لم تحل المشاكل، فلا معنى لبقاء الكرد داخل الحكومة، ولم أقصد رئيس الوزراء، بل قصدت الأطراف التي شكلت الحكومة، عليها أن تساعد رئيس الوزراء من أجل تنفيذ منهاجه».
وزاد: «منذ نحو أشهر تولى رئاسة الوزراء، وحتى الآن هنالك أجواء إيجابية سائدة بين أربيل وبغداد، وعلى كل المستويات».
وتابع: «هنالك تنسيق أمني وعسكري بين أربيل وبغداد، أفضل مما سبق».
وأشار إلى «محاولات لتمرير قانون الموازنة العامة».
ودعا إلى النظر بإيجابية لهذه الأمور «فسياستنا في كردستان هي دعم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحتى الآن ليس هناك أي تغيير طرأ على هذا. نحن في الإقليم يهمنا كثيراً أن تحل المشاكل مع بغداد، وبالتأكيد سيؤدي ذلك، إلى استقرار سياسي واقتصادي في العراق وفي الإقليم».
وعن خطوات سير المفاوضات بين بغداد وأربيل بشأن حسم الملفات العالقة، قال: «وزير الخارجية (فؤاد حسين) يشرف بنفسه على الفريق الكردي المفاوض في كل تلك الاجتماعات. كان لدينا اجتماع وعرض علينا تقريراً حول الخطوات، وبيّن أن الخطوات لا تبعث على اليأس بل تبعث على الأمل، وأنا في كثير من المرات أردد أنني أتمنى أن تعتبرا بغداد وأربيل من الأخطاء، فلم تكن كل الأخطاء من جهة بغداد، ولم تكن كل الأخطاء من جهة إقليم كردستان، لكن بالنتيجة نحن في إطار بلد اسمه العراق، وواضح أن لدينا دستوراً هو عقد سياسي يجمع بيننا جميعاً من أجل مستقبل أفضل للعراق بصورة عامة ولإقليم كردستان».
ودعا لبذل «جهود جادة لتنفيذ هذا الدستور» مشيرا إلى « خطوات تمضي بهذا الاتجاه».
وزاد: لا نريد تضييع أي فرصة لحل المشاكل مع بغداد، نحن نكمل بعضنا البعض. قوة بغداد هي قوة لإقليم كردستان والعكس صحيح أيضا».
وتابع: «قانون النفط والغاز سيحل المشاكل، والعراق في حاجة إلى قانونين مهمين لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، هما قانون الموازنة وقانون النفط والغاز وتوزيع العائدات. هناك أمور أخرى مهمة أيضاً منها حل مشكلة المادة 140 من الدستور وحل مشكلة سنجار، لكن لنكن واقعيين ولنبدأ من واحدة من هذه الأمور ولا نحاول أن نحلها جميعا، وهذه إرادة من الضروري وجودها».
العلاقة مع الصدر
وتحدث عن علاقته بالصدر وتداعيات انسحاب تياره من العملية السياسية قائلاً: «نحن في إقليم كردستان نكن تقديراً كبيراً للسيد مقتدى الصدر وعائلته ولنضالهم ولشخصه الكريم. في زياراتنا لسماحته كان معي السيد الحلبوسي والسيد الخنجر (جرى اللقاء في مقر إقامة الصدر في النجف في 31 كانون الثاني/ يناير 2022). كانت محاولاتنا كلها باتجاه اقناع سماحته أن نكون جميعا ضمن العملية السياسية في العراق، والآن أيضاً ليست هناك قوى سياسية أو طرف يمكن أن يقلل من دور وحجم التيار الصدري في العملية السياسية العراقية، وهذا ثابت، لكن هذا كان قراره».
وواصل: «بعد النصر الكبير الذي حققوه (حصلت الكتلة الصدرية على 73 مقعداً برلمانياً) قرروا الانسحاب من العملية السياسية، لكن هذا لا يعني أن التيار الصدري خرج وإن مقتدى الصدر لم يعد له دور، الأخير لديه مكانة جماهيرية ودينية قوية في العراق، وهو موضع تقدير كبير من قبل إقليم كردستان».
وزاد: «قد يكون اليوم خارج العملية السياسية، وربما يعود إليها غداً» داعياً الصدر إلى أن «يساند هذه الحكومة لتقدم الخدمات للعراقيين، وما رأيناه حتى الآن هو أن سماحته مساند لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ونأمل أن يستمر هذا، لأنه الطريق الوحيد للوصول إلى الأهداف، وإلى حياة أفضل ومستقبل أفضل لكل العراقيين».