تونس- “القدس العربي”: قال الدكتور زاهر سحلول، رئيس منظمة ميدغلوبال الأمريكية، إن قطاع غزة يعيش “نكبة جديدة” على الصعيد الإنساني والصحي، مع تواصل استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لجميع مرافق الحياة فيه، مشيراً إلى أن وفد من المنظمة التقى أخيراً بالرئيس جو بايدن، وطلب منه ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار الفوري والمستدام في القطاع، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، فيما أكد بايدن أنه دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -خلال لقائه قبل أشهر في تل أبيب- إلى عدم تكرار الأخطاء الأمريكية في العراق وأفغانستان، وأنه يعمل على تغيير سلوكه في غزة، ومنع استهداف المدنيين وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية.
وتضم المنظمة عشرات العاملين في القطاع الصحي والإنساني، ولديها مراكز صحية في عدد من الدول التي تعاني الكوارث والحروب، وهي موجودة في قطاع غزة منذ عام 2019، وترسل بعثات طبية بشكل متواصل إليها، بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية والمشافي المختلفة.
بايدن أكد أنه يتألم لما يحدث لسكان غزة وطلب من الإسرائيليين عدم استهداف المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية، وعدم مهاجمة رفح
وقال سحلول، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “لدينا عدد كبير من الأطباء والممرضين الفلسطينيين الذين يديرون عياداتنا ومشاريعنا الصحية في غزة. نقدم الرعاية الصحية الأولية لحوالي أربعة آلاف مريض يومياً، وندعم مركزين لمعالجة سوء التغذية في رفح وفي بيت لاهيا في الشمال، بالإضافة لدعمنا لعدة مشافٍ بالمستهلكات الطبية والجراحية، كما نرسل بشكل شهري بعثات ومخيمات طبية مكونة من أطباء أمريكيين ومن جنسيات أخرى إلى القطاع، وقد كنت في غزة في كانون الثاني/ يناير الماضي، وعملنا يشمل الجانب الطبي (إجراء عمليات جراحية والتبرع بالمعدات الطبية وتدريب الكوادر الطبية والدعم النفسي)، فضلاً عن الجانب الإنساني المرتبط به، على غرار تأمين الغذاء والماء النظيف للمرضى”.
وحول الصعوبات التي واجهت المنظمة خلال عملها في غزة، قال سحلول: “وجودنا في مدينة تعيش حالة حرب هو بحد ذاته من الصعوبات، لأن الدخول إلى غزة يحتاج إلى عملية معقدة، فرغم أننا ندخل بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، إلا أننا نتعرض لصعوبات كبيرة، فالطريق من القاهرة إلى رفح يستغرق عادةً 6 ساعات، لكننا الآن نحتاج إلى 14 ساعة كي نصل رفح، وذلك بسبب نقاط التفتيش المنتشرة بكثرة على الطريق، أضف إليها 3 ساعات انتظار على الحدود، كما أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحلق فوق رأسك 24 ساعة في اليوم، وأنت مهدد دوماً بالقصف من قبل جيش الاحتلال”.
وأضاف: “في مطلع العام الجاري كنت مع بعض زملائي في عيادة بمدينة رفح وتنقلنا إلى مستشفى ناصر في خان يونس، فضلاً عن فرق أخرى من المنظمة كانت في مستشفى شهداء الأقصى والمستشفى الأوروبي، وكنا نرى القنابل والدخان والمرضى الوافدين على المستشفى، وتمت محاصرة مستشفى ناصر من قبل قوات الاحتلال، واضطر فريقنا للخروج خوفاً من تكرار ما حدث في مجمع الشفاء“.
وعلى مدى أسبوعين قضاهما أخيراً في قطاع غزة، شاهد سحلول أوضاعاً مأساوية وكارثية لم يسبق أن رآها في جميع البلدان التي زارها طيلة فترة عمله في المجال الصحي والإنساني على مدى 13 عاماً.
ويصف هذا الأمر بقوله: “الخيام هي أكثر شيء تشاهده في مدينة رفح، هي موجودة في كل مكان، وتضم كل خيمة بين 10 و15 شخصاً، أغلبهم من النساء الحوامل والشيوخ والأطفال، وهم يعانون أوضاعاً مأساوية تعيدنا إلى زمن النكبة (وكأننا نعيش نكبة جديدة)، حيث المطر والبرد القارس وندرة المياه الصالحة للشرب وغياب الخدمات الصحية (دورة مياه لكل 200 شخص)، وحيث تنتشر الأمراض المتعلقة باستهلاك المياه الملوثة، كالتهاب الكبد والإسهال وغيرها، فضلاً عن الأمراض التنفسية (شخصياً، أصبت بالمرض واستغرق الأمر شهراً كي أتماثل للشفاء)، مع غياب المضادات الحيوية وأدوية الضغط والصرع والأنسولين، ونقص المعدات الطبية التي دمرت قوات الاحتلال جزءاً كبير منها”.
كما أشار الدكتور سحلول إلى أن “75 في المئة من المستشفيات في قطاع غزة تم إغلاقها، ولم يبق سوى 12 مستشفى صغيراً، وهي تعمل بشكل جزئي ولا تستطيع تقديم خدمات مماثلة للمستشفيات الكبرى على غرار “الشفاء” و”ناصر”، والتي تم استهدافها وإغلاقها من قبل سلطات الاحتلال بذريعة احتوائها على عناصر من حركة “حماس”، وهذا غير صحيح، فطيلة فترة عملي وزملائي في مستشفى “ناصر” ومجمع “الشفاء” لم نلحظ أي شيء غير طبيعي، ولم يكن هناك أشخاص يرتدون ملابس عسكرية، كما لم يتم منعنا من دخول أي مكان في المستشفى، وهذا ما يفند المزاعم الإسرائيلية”.
وأكد أن “استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطباء مخالفٌ لكل القوانين الدولية والإنسانية، وحتى لو كان هناك ذرائع مثل ادعاء إسرائيل باستخدام هذه المراكز من قبل “حماس” (وهذا غير صحيح كما أسلفت)، فهذا لا يعطيها الحق لقصف المشافي وقطع الأوكسجين والتسبب بوفاة مئات المرضى، ويجب أن تتم محاسبة إسرائيل على هذا الأمر، وهذا ينطبق أيضاً على القوافل الإنسانية التي تم استهدافها من قبل قوات الاحتلال”.
بايدن يخشى من خسارة الانتخابات في حال صوتت الجالية العربية والإسلامية ضده بسبب موقف من الحرب في غزة
وفي ما يتعلق باللقاء الأخير الذي جمع وفداً من المنظمة مع الرئيس جو بايدن، قال سحلول: “كان اجتماع عمل ضم ثلاثة أطباء من ميدغلوبال، هم أنا والدكتور ثائر أحمد والدكتورة نهرين أحمد، وممثلون عن الجالية الإسلامية، فضلاً عن الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس ومسؤولين آخرين في الإدارة الأمريكية على غرار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان والسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، والسفير الأمريكي للحرية الدينية الدولية رشاد حسين، وغيرهم”.
وأضاف: “خلال الاجتماع، ألقى الدكتور ثائر أحمد كلمة عن مشاهداته في غزة، كما عرض على الرئيس بايدن بعض الصور حول الوضع هناك وتحدث عن تجربته في مستشفى “ناصر”، وأعطاه رسالة من طفلة نازحة فقدت أهلها وتطلب من بايدن التدخل لإيقاف القصف لأنها تخشى أن تواجه مصير ذويها في حال استهداف الخيمة التي تأويها، وقلت أنا لبايدن إن التاريخ سيذكره بسبب مواقفه حول الحرب في غزة، ودعوته للاقتداء بالرؤساء السابقين على غرار إيزنهاور وريغان عبر ممارسة الضغط لإيقاف القصف الإسرائيلي على غزة، وعرضت عليه بعض الشهادات والصور حول ما يحدث في القطاع، حيث استشهد 13 ألف طفل حتى الآن جراء القصف”.
وأشار إلى أن بايدن “أكد أنه يشاهد دوماً صوراً مماثلة لما يحدث في غزة، وأنه سافر إلى إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وطالب نتنياهو عدم المبالغة في الرد (على عملية طوفان الأقصى) وتجنب الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة خلال ردها على هجوم 11 أيلول/ سبتمبر، وتدخلها في أفغانستان والعراق، كما أكد بايدن أنه يتألم لما يحدث للمدنيين في قطاع غزة وطلب من الإسرائيليين في مناسبات عدة عدم استهداف المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية، وأنه يسعى لمنع الهجوم على رفح، وسيتحدث مع دول عربية مجاورة لغزة، على غرار الأردن ومصر -بالإضافة إلى السعودية- من أجل التركيز على إعادة بناء غزة بعد انتهاء الحرب”.
وفي ما يتعلق بدور الجالية العربية والمسلمة في الضغط على الإدارة الأمريكية بشأن غزة، قال سحلول: “في الولايات المتحدة هناك قسم كبير من الناس -وخاصة الشباب- متعاطف جداً مع سكان غزة، ويشاركون في المظاهرات والاجتماعات والحملات الإلكترونية التي تطالب بوقف الحرب، كما يمارسون الضغط على وزارة الخارجية ونواب الكونغرس، وأؤكد أن الرئيس بايدن ومجلس الأمن القومي يصغون جيداً إلى حراك الشارع”.
واستدرك بالقول “ثمة أمر آخر يتعلق بخشية بايدن من عدم قيام أفراد الجالية العربية والإسلامية بالتصويت لصالحه في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وخاصة بعد قيامهم بمقاطعة ممثلي الحزبين الجمهوري والديمقراطي وانتخاب شخصيات من أحزاب أخرى في الانتخابات التمهيدية، وهو ما قد يؤدي لخسارته، وخاصة أنه لم يحظ في الانتخابات السابقة سوى ببضعة آلاف من الأصوات في ولايات ميتشغان ومينيسوتا وجورجيا وأريزونا، والتي تضم جالية كبيرة للعرب والمسلمين”.
الخيام هي أكثر شيء تشاهده في مدينة رفح، تضم نساء حوامل وشيوخاً وأطفال يعانون أوضاعاً مأساوية تعيدنا إلى زمن النكبة
وتوجه سحلول برسائل إلى كل من حركة “حماس” وسلطات الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي، قال فيها: “كطبيب، يهمني إيقاف الحرب بأي طريقة، وعودة الهدوء والمساعدات والعمل إلى غزة. فغزة -رغم الحصار المطبق- كانت نموذجاً لمجتمع متماسك وكريم، فيه مشافٍ متقدمة وحركة اقتصادية جيدة. وجميع الأطفال الذين التقيتهم في قطاع غزة وسألتهم عن أحلامهم في المستقبل، كانت لديهم إجابة واحدة: أريد أن أصبح طبيباً”.
وأضاف: “لا بد من التركيز على المستقبل، وإعادة البناء، ويجب أن يكون هناك مدارس واقتصاد وبنى تحتية جيدة، بحيث ننتقل من مرحلة الآلام والموت والدمار إلى مرحلة الحياة والبناء والأمل، والولايات المتحدة، والدولة المحيطة بغزة، لديهم مسؤولية كبيرة لإعادة بناء غزة التي تحتاج إلى مشروع مارشال على غرار ما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يجب الاكتفاء بإرسال مساعدات لن تغير كثيراً في الواقع”.
واستدرك بالقول: “طبعاً سلطات الاحتلال تتحمل مسؤولية كبيرة جداً لإيقاف الحرب، ويجب أن تتم محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي حدثت، ولكن هذا لن يحدث إذا لم يكن هناك ضغوط من الولايات المتحدة والدول المحيطة، وإجماع على هذا الموضوع (محاسبة المتورطين)، بحيث يكون الهدف هو بناء الإنسان الفلسطيني، والاهتمام بشكل خاص بالأطفال والنساء الأبرياء و70 ألف جريح، والتركيز على حل سياسي بحيث يكون لدى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية أحلام وكرامة مثل بقية الأشخاص في العالم”.