الرباط – «القدس العربي» : في وقت ما زالت تغطي فيه قضية البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، والمتعلقة بظهورها المفترض في باريس بلا حجاب وبملابس عصرية، النقاش الدائر على وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المغربية. وألقت القضية بظلها كذلك على أشغال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المنعقد، السبت، في ضواحي الرباط، فخرج الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بن كيران ليكشف عن موقفه من قضية أمينة ماء العينين في تصريحات على هامش المجلس الوطني معاتباً من ساندوا ماء العينين منذ الوهلة الأولى ومعتبراً أن الإبقاء على الحجاب هو قرار شخصي لا علاقة للحزب به ولا للقانون وقائلا أنه خلال فترة رئاسته للحزب كان يبحث عن فتيات غير محجبات للترشح و أوعز بمضمر القول إلى ماء العينين بأن تتحمل مسؤولية قرارها وأنه من الخطأ الخوض في كلام هل الصور «مفبركة» أو «غير مفبركة».
وأضاف بن كيران أن قضية ماء العينين من الإشكاليات التي وقعت للحزب وسيتجاوزها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه ليس من عادة الحزب مساندة أي عضو وقع في مخالفات، مذكراً بالعضو الذي تسلم مبلغ 1000 بميدلت درهم وفصله الحزب، وقال: «هناك منطق في قضية آمنة ماء العينين يقول هل ما فعلته مخالفة أم لا، سواء في دين المغرب أو قانونه وقوانين الحزب، وعندما نبحث في النهابة نجد أن هذا الموضوع أمر شخصي، ونحن المغاربة عندنا المغربيات اليوم وفيهن من ترتدي الحجاب، وفيهن من لا ترتديه، والحزب منفتح على الجميع لأنه حزب جميع المغاربة وليس لطائفة معينة، فصحيح أنه جاء من الحركة الإسلامية وكانت فيه نساء محتجبات، ولكنه لا يبني علاقاته السياسية على الحجاب» .
وأكد بن يكران أنه من خلال المحامين الذين أطلقوا هذه الحملة يتضح كل شيء وأنه كيد سياسي مقصود واوضح ما مضمونه الفصحى «هذه ليست حرية فردية، هذا قرار شخصي ويجب أن تعود الأمور لنصابها، هل الحجاب مسألة بين الإنسان وربه أم يدخل فيه القانون؟ إذن فالأمر بينها وبين الله، فإذا خالفت الله فأمرها لله.. وليس لنا كحزب سياسي دخل في هذا الأمر»، وعاتب بنكيران من ساندوا ماء العينين: «أستغرب لمن خرجوا يساندوها منذ الوهلة الأولى، هم مخطئون، لماذا يساندوها ؟ هي قادرة على تحمل مسؤوليتها، اتركوها تدافع عن نفسها «، مضيفاً أنه خلال زيارة ماء العينين له: «لقد قلت لها هذا الكلام، بالطبع لم تنشره بكامله، وقلت لها أن تنشره إذا أرادت، حريتها أن تلبس الحجاب وحريتها أن تنزعه.. الحجاب ليس زي عمل ومن ترتديه من الأخوات ترتديه عن إيمان واعتقاد.. وإذا تغيرت قناعة إحداهن أو رغبتها بأن تزيله فلتزله، فتلك حريتها»، مؤكداً في إشارة منه لمن انتقدوا سلوك البرلمانية معتبرين أن ارتداءها الحجاب بالمغرب ونزعه بالخارج كأنه «زي عمل» «نحن ليس لدينا زي عمل، لسنا كلنا مستقيمين مئة بالمئة وصالحين مئة بالمئة .. و حينما كنت أميناً عاماً كنت أبحث عن فتيات غير محتجبات للترشح، لأظهر للمغاربة أنه ليس حزب للمحتجبات، هو حزب المحتجبات وغير المحتجبات والملتحين وغير الملتحين.. والأخت أمينة لم تعرف مواجهة الأمر، امرأة لها قناعات شخصية ومارستها كان يجب ألا تدخل في هذا النقاش وهل الصور مفبركة أو مفربكة».
تأكيد بن كيران على أن سلوك ماء العينين هو قرار شخصي هناك من اعتبره من المتفاعلين على شبكات التواصل الاجتماعي أنه إقرار ضمني في حديث بن كيران على أن الصور غير مفبركة، وهو ما يستشف كذلك، حسب معلقين، من تدوينة ماء العينين عقب انتهاء المجلس الوطني تفاعلاً مع بنكيران واستجابة لـ «مطلب التوضيح»، رأوا في كلامها عدم إنكار وتشبت بالحرية في الملبس وبأن الهدف هو استهدافها سياسياً، وجاء في تدوينتها: «لم يكن في الأمر نفاق ولا خداع ولا أذية لأحد، جوهر الحكاية حرب شاملة ضد «امرأة»، وها أنا أعترف لمن قرر وخطط وترصد وتسلل وسرب وشهر وافترى وفعل كل ما فعل، أنك بكل إمكانياتك الضخمة قد نلت من هذه المرأة السياسية الشابة التي لم تواجهك إلا بالكلمة والموقف وإرادة الإصلاح، وقد آمنت بالنضال من داخل المؤسسات، وفي احترام لقواعد اللعبة وضوابطها»، مضيفة: «إن التنظيمات التي تجد نفسها مضطرة للتذكير بمرجعيتها الإسلامية وأسسها المذهبية في سياق نقاش أثير قسرياً وفرض في سياق حرب لا أخلاقية، حول غطاء رأس إحدى العضوات، هل احتفظت به حقاً أم أو نزعته فعلاً.. هي تنظيمات تحتاج إلى مناعة أكبر لتحصين مناخ النقاشات الكبرى بداخلها بعيداً عن الضغط وحملات الاستهداف والتشنيع، فقد يكون هناك ما يقال حول الأزياء والسلوكات والاختيارات» . وأكدت البرلمانية أن ما تتعرض له هو «حرب ضروس وظفت فيها جهات ما كل الإمكانيات الإعلامية واللوجيستيكية، وتكلف بإعلانها وإذكائها أشخاص معروفون من الرجال والنساء بنفس الأدوات والأساليب»، قائلة إنها «حرب سياسية شاملة هدفها التحطيم والنسف دون قواعد وأخلاق. لم تكن حرباً متكافئة من حيث قواعد اللعبة، وكان تدبيرها سياسياً، وقد تكون شابته أخطاء، أعترف بذلك لأني وعيت منذ البداية أنها حرب غير متكافئة في مواجهة آلة لا تعرف إلا لغة التدمير، فقررت بملء إرادتي في إحدى اللحظات –ولعلها لحظة ضعف إنساني-امتصاص الضربة الموجعة والاعتراف للخصم «القوي» الذي وضعني منذ سنوات في فوهة المدفع بالانتصار، وفي الحرب ضحايا من العائلات والأطفال لم أقو على تحمل آلامهم، بعدما نذرت نفسي لتحمل كل الطعنات ما دمت قد اخترت النضال بالكلمة والموقف دون مساومة أو حساب للربح أو الخسارة». وقال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني والأمين العام لحزب العدالة والتنمية إن «الذمم والأعراض والشؤون الخاصة للمواطنين حرمات يحرم استباحتها والمس بها بالمنطق الديني والدستوري والحقوقي والقانوني والأخلاقي، واستعمالها وقوداً للصراع السياسي خط أحمر، خاصة حين استهداف خصوصيات الأسر»، مؤكداً رفضه «الأساليب الدنيئة التي توظف ضد مناضلي الحزب مناضلاته، والتي تعتبر دليل عجز عن مواجهتنا في ميدان التنافس السياسي الشريف»، مضيفاً أن هذه الحملات «لن تنال من قوة الحزب وتماسكه الداخلي وعافيته التنظيمية ومواصلة أدوارنا الإصلاحية و إسهامنا في تعزيز قيم الاستقامة والنزاهة والشفافية» .
وقال معلقاً على قضية ماء العينين: «إن الحزب له مرجعيته الواضحة في النظام الأساسي، والمفترض في أعضاء الحزب أن يمثلوا المرجعية الإسلامية أحسن تمثيل، وأن الحزب دائماً يصوّب أعضاءه لذلك».
سنة 2001 السيد بنكيران ثار في وجه مصورة تلفزيون بالبرلمان المغربي لأنها كانت ترتدي لباسا عصريا اعتبره غير محتشم وكاد أن ينقض عليها ويطردها. أما في حالة البرلمانية التي تنتمي لحزبه والمحسوبة على تياره السياسي فقد أفتى بأن المسألة قناعة شخصية وحرية فردية، علما أن البرلمانية ظهرت بلباس عصري دون حجاب أمام ملهى المولان روج الشهير في مدينة باريس. ما يعيبه المنتقدون هو الازدواجية على مستويين: مستوى التعامل مع أعضاء الحزب والتعامل مع باقي المواطنين وبعبارة أخرى الكيل بمنطق أنصر أخاك ظالما أو مظلوما وفي هذه الحالة انصر أختك ظالمة أو مظلومة؛ ومستوى النفاق والتدليس على الشعب الذي يتجلى في ارتداء الحجاب في المغرب بمنطق حجابي عفتي وارتداء اللباس العصري في الخارج. هذا هو ما لا يقبله المواطن البسيط.
موقف إبن كيران ضربة لازم .. إنما عتاب و شماتة و أضمات “الخصوم” لن تنتهي و لن تتوقف.