«غزال عكا» سرح على الرحب والسعة في مسارح فنزويلا واستقبل بالبكاء والهتاف
بيروت ـ «القدس العربي»: من المهرجان المسرحي الدولي في قرطاج فُتحت لمسرحية «غزال عكا» أبواب فنزويلا الصديقة لفلسطين شعباً وحكومة. في مهرجان قرطاج حيث شاركت عشرات العروض المسرحية من كافة أنحاء العالم، اختارت وزارة الثقافة الفنزولية العرض التونسي المشارك بالمسابقة، و«غزال عكا» من فلسطين، لعرضهما على مسارح الشعب الذي لا يكلّ من الهتاف «فيفا بالاستينا». غمرت الفرحة كاتبة ومخرجة وممثلة «غزال عكا» رائدة طه. خاصة وأن كتب غسان كنفاني المترجمة للإسبانية جعلته كاتباً فلسطينياً معروفاً. قبل أيام عادت رائدة طه من رحلة لا تُنسى عرضت خلالها في خمس مدنٍ في فنزويلا، وفي جعبتها تقدير كبير لشعب يعاني المرارة من الحصار الأمريكي المجرم، ولا يكلُّ عن نصرة فلسطين.
ساهم في نجاح عروض مسرحية «غزال عكا» أن وزارة الثقافة في فنزويلا عملت على ترجمة النص إلى الإسبانية منذ قررت عرضها للشعب الفنزويلي. أصدء العروض وصلت إلى الرئيس نيكولاس مادورو فاستقبل رائدة طه، وتحدّث معها عن مكان ولادتها ونشأتها، وعرِف أنها ابنة شهيد كان يعتزم بخطفه لطائرة «إلعال» المدني تحرير السجناء في وطنه المحتل. إبنة الشهيد علي طه طوقت عنق الرئيس مادورو بالكوفية الفلسطينية على سبيل الذكرى.
مع رائدة طه فتحنا باب ذكرياتها عن الأيام التي أمضتها في فنزويلا، مع الإشارة إلى أنها كانت في غاية الغبطة والسعادة خلال إقامتها في البلد الصديق، والذي لا نبالغ إن قلنا الشقيق. فالأشقاء في عصر الطوفان اختاروا النأي بالنفس، وأحياناً مساعدة العدو، فهم يعرفون تماماً مفاعيل الآتي بعد السابع من أكتوبر.
تقول رائدة طه عن رحلتها إلى فنزويلا: تلقيت دعوة للمشاركة في المهرجان التقدمي العالمي للمسرح. وهو أكبر مهرجانات أمريكا اللاتينية. وهي دعوة لعرض مسرحية «غزال عكا». قبل السفر إلى فنزويلا شاركت كممثلة لفلسطين في عرض «غزال عكا» في مهرجان قرطاج المسرحي الدولي. وفي قرطاج كانت أصداء العرض أكثر من رائعة، وفي خلال المهرجان تلقيت دعوات عديدة لعروض في شتى أنحاء العالم ومنها المهرجان الذي تقيمه فنزويلا. وإلى هذا المهرجان وقع الاختيار على «غزال عكا» إلى جانب فرقة مسرح تونسية. جرت ترجمة النص إلى الإسبانية، وسافرت إلى كاراكاس. في فنزويلا حيث عُرضت المسرحية في خمس مدن من ضمنها العاصمة، يمكنني القول بأني وجدت استقبالا رائعاً.
وتحكي طه عن مسارح المدن التي عرضت فيها «غزال عكا» ووصفتها بالممتازة. وتقول: بعض المدن البعيدة كنا ننتقل إليها بالطائرة، وبعضها الآخر قريب من كاراكاس وكنا نصلها بالسيارة. وهنا لا بدّ من التنويه بمدى التنظيم والمرافقة الراقية التي حظينا بها».
وعن مدى أهمية ترجمة المسرحية إلى الإسبانية وتأثيرها على إقبال الجمهور قالت طه: وفقاً للبرمجة المرسومة للمهرجان العالمي التقدمي للمسرح جرت بعض عروض «غزال عكا» في النهار. ولأن الصحافة كتبت عن المسرحية، كنّا نصل المسرح ونجد حشداً من الناس ينتظرون من هو قادم من فلسطين. والجميع يهتف بحماس وصدق «فيفا بلاستينا». وتخلل بعض العروض مشاهد مؤثرة. حيث كان بعضهم يقف وسط الصالة مقاطعاً العرض المسرحي ليهتف «فيفا بلاستينا. ليبرا بلاستينا».
وعن مشاعرها حيال هذا الاستقبال في فنزويلا تقول طه: وجدتهم كشعب يعرفون تفاصيل عن قضية وطني فلسطين أكثر بكثير من بعض العرب الذين أعرفهم حول العالم. أينما تجولت في كاراكاس كنت أجد رسومات على الجدران فيها شجر الزيتون من بلادي، وفيها الفلاح الملتحف بالكوفية، إلى لوحات تجمع بين أبو عمّار وتشي غيفارا، إلى صور للرئيس الراحل تشافيز، المظاهر الوطنية التضامنية تغطي كاراكاس وغيرها من المدن.
ورداً على سؤال عن التواصل مع الناس في الشارع تقول طه: لأننا وفد فلسطيني كانت الكوفية رفيقتنا. وخلال سيرنا في الشوارع كان كثيرون يوقفوننا للتحدّث معنا، وفي الوقت نفسه كان طالبوا إلتقاط الصور برفقتنا كثر، ودائماً ينتهي التواصل مع ترداد «فيفا بالستينا». هل حضر العروض المسرحية مسؤولون رسميون؟ تقول طه: العرض الثالث لـ«غزال عكا» كان في كاراكاس بحضور وزير الثقافة الفنزويلي أرنستو بيياجاس. عمل وزير الثقافة صحافياً فيما مضى، ويتميز بثقافة غنية وبإطلاع واسع على قضايا الشرق الأوسط، وخاصة في فلسطين بعد السابع من اكتوبر. لم أكن أعرف من يلتقط مشاهد من المسرحية في الصف الأمامي إلاّ لاحقاً. وكان وزير الثقافة يُرسل صوراً من العرض للرئيس مادورو، الذي أبدى بدوره فخره بشعبه الذي ملأ القاعة.
وماذا بعد انتهاء العرض في مسرح كاراكاس؟ صافحت الوزير بيياجاس، وشكرت حضوره، وفي الوقت نفسه رحبت بدعوته لي إلى مائدة الغذاء في منزله. جمعني خلال الغذاء مع ثلاثة من مستشاريه، تحدثنا في الثقافة والسياسة، وأهداني بعضاً من كتبه. كانت القضية الفلسطينية، والحصار الأمريكي الجائر على فنزويلا، ومنعهم من تصدير ما لديهم من ثروة نفطية، محوراً أساسياً. وهذا ما أدى لوضع اقتصادي سيء للمواطنين في فنزويلا. وبخلاف أشقائنا العرب سألني الوزير بيياجاس: ماذا بإمكاننا أن نفعل لفلسطين؟
وماذا كان جوابك؟ قالت طه: بالطبع قلت له الأهم هو الثبات على موقف التأييد المشرّف جداً في فنزويلا. وشرحت له عن إيمان الشعب الفلسطيني بالتعليم كسلاح، وإن كان لفنزويلا أن تستقبل طلاباً يتابعون دراستهم فيها. وخلال الحوار على مائدة الغذاء طلب مني وزير الثقافة تسجيل رسالة صوتية للرئيس مادورو. ففعلت. وإذ به يدعوني لمقابلته في اليوم التالي حيث تمّ تمديد الإقامة في فنزويلا يوماً إضافياً.
وكيف تصفين اللقاء مع الرئيس مادورو؟ تقول رائدة طه: كان اللقاء من ضمن برنامج تلفزيوني يظهر به الرئيس مادورو. عبّرت له عن شرف اللقاء به، وعن ميزة فنزويلا الفريدة حيث نحن كشعب فلسطيني يعاني من الاحتلال الصهيوني لم يكن لنا أن نجد عوناً ودعماً، في أي مكان في العالم من الحكومة والشعب سوى في فنزويلا. وحين سألني عن مكان ولادتي وعلِم أنه في القدس، ردّ بهدوء وثقة: القدس ستعود لأهلها، كما كامل حقوق شعب فلسطين، وأبلغني بأن فنزويلا ترحب بأي عرض مسرحي لي في أي تاريخ أحدده. مع العلم أن اللقاء بالرئيس الفنزويلي جرى بحضور ممثلة كوبية اسمها فيفيان بكت عندما أخبرته عن عمق العرض المسرحي «غزال عكا».
هل تلقيت هدايا رسمية؟ بالطبع تقول طه. أنها هدايا تذكارية من الرئيس مادورو ووزير الثقافة بيياجاس. كذلك تلقيت تكريماً مؤثراً على المسرح في كاراكاس من قبل الجالية العربية التي قلدتني وسام الشرف.
وتقول رائدة طه بأن فلسطينياً من مخيم عين الحلوة كان ضمن فريق عمل المسرحية في فنزويلا عبّر لها بالقول «كم يشعر أحدنا بكرامته كفلسطيني على أرض فنزويلا».
نسأل طه: هل كانت لك نشاطات موازية مع العرض مسرحية «غزال عكا»؟ تمت دعوتي لندوة في المتحف الوطني في كاراكاس محورها المرأة الفلسطينية، ولماذا تتمتع بالقوة؟ كانت ندوة ناجحة جداً، تفاعل خلالها الحضور بشكل كبير.
وتخلص طه للقول: دعم الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة في أمريكا الجنوبية ليس فقط عاطفياً، بل هو دعم مبدأي متجذّر. مثلاً خلال العرض الذي حضره وزير الثقافة في كاراكاس وقف رجل من بين الحضور وراح يقرأ شعراً من فلسطين يحكي جروح غزة، ومترجم للإسبانية استقبله الجمهور بالبكاء تأثراً. علينا توثيق صلاتنا بهؤلاء الناس فالحق ليس وحيداً.