لندن – “القدس العربي”: رأت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مارست عمليات نزوح قسري واسعة النطاق ومتعمدة للمدنيين الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي مسؤولة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ونشرت المنظمة، تقريرا أعدته بعنوان “يائسون، جائعون، ومحاصرون: التهجير القسري للفلسطينيين في غزة من قبل إسرائيل”، وعرضته في ندوة صحافية مغلقة قبل النشر، حضرتها “القدس العربي”.
وعرض باحثو المنظمة خلال الندوة شروحات وخرائط بيّنت استهداف إسرائيل بالتدمير لقطاع غزة، والأوامر المغلوطة أو المنقوصة بالإجلاء التي كان جيش الاحتلال يصدرها، فضلا عن استهدافه للمناطق الإنسانية بالقصف، وهو ما بيّنته شروحات غابي أيفينز رئيسة قسم الأبحاث مفتوحة المصدر في مختبر التحقيقات الرقمية في المنظمة، التي عرضت استنتاجات البحث المبني على صور الأقمار الصناعية.
وبيّنت أيفينز كيف أن أوامر الإجلاء الإسرائيلية المغلوطة أو الناقصة يمكن أن تؤثر على حياة عشرات آلاف الفلسطينيين في حالات عدة.
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، المنظمة التي وثّقت خلال عملها تقارير عديدة عن انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، إن الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على شمال غزة “قد تسببت على الأرجح في موجة جديدة من النزوح القسري لمئات آلاف المدنيين”.
ويتناول التقرير الصادر في 154 صفحة “سلوك السلطات الإسرائيلية الذي أدى إلى نزوح أكثر من 90% من سكان غزة – 1.9 مليون فلسطيني – وإلى تدمير واسع النطاق لأجزاء كبيرة من غزة على مدار الأشهر الـ13 الماضية”.
وقالت المنظمة إن القوات الإسرائيلية نفّذت “عمليات هدم متعمدة ومنظمة للمنازل والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك في المناطق حيث يُفترض أنها تهدف إلى إنشاء “مناطق عازلة” و”ممرات” أمنية، والتي من المرجح أن يتم تهجير الفلسطينيين منها بشكل دائم خلافا لادعاءات المسؤولين الإسرائيليين، لا تمتثل أفعالهم لقوانين الحرب”.
وقالت نادية هاردمان، الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة، وكاتبة التقرير: “لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تدعي أنها تحافظ على أمن الفلسطينيين عندما تقتلهم على طول طرق الهروب، وتقصف ما تسميه بـ’مناطق آمنة’، وتقطع عنهم الطعام والمياه والصرف الصحي. انتهكت إسرائيل بشكل صارخ التزامها بضمان عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، حيث هدمت كل شيء تقريبا في مناطق واسعة”.
وقابلت هيومن رايتس ووتش 39 نازحا فلسطينيا في غزة وحللت نظام الإخلاء الإسرائيلي، بما في ذلك 184 أمر إخلاء وصور الأقمار الصناعية التي تؤكد الدمار واسع النطاق، وتحققت من فيديوهات وصور لهجمات على المناطق المحددة على أنها آمنة وطرق الإجلاء.
وقالت المنظمة إنه “لا تُجيز قوانين النزاع المسلح التي تنطبق على الأراضي المحتلة تهجير المدنيين إلا بشكل استثنائي، لأسباب عسكرية قاهرة أو لأمن السكان، وتتطلب ضمانات وأماكن إقامة مناسبة لاستقبال المدنيين النازحين. يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنه نظرا لأن الجماعات الفلسطينية المسلحة تقاتل من بين السكان المدنيين، فإن الجيش الإسرائيلي قد قام بإجلاء المدنيين بشكل قانوني لمهاجمة هذه الجماعات مع الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
وأكدت أن أبحاثها تظهر أن هذا الادعاء خاطئ.
إسرائيل تقصف المناطق الآمنة، وتعطي أوامر إجلاء مغلوطة أو منقوصة”
كما أشارت إلى أنه “ليس هناك سبب عسكري قهري معقول لتبرير التهجير الجماعي الذي قامت به إسرائيل لجميع سكان غزة تقريبا، وغالبا ما تم ذلك عدة مرات”.”.
وتقول “هيومن رايتس ووتش”، إن نظام الإجلاء الإسرائيلي ألحق “ضررا بالغا بالسكان، وغالبا ما كان هدفه بث الخوف والقلق فقط، وبدلا من ضمان الأمن للمدنيين النازحين، ضربت القوات الإسرائيلية مرارا وتكرارا طرق الإجلاء والمناطق الآمنة المحددة”.
فلقد “كانت أوامر الإخلاء غير متسقة وغير دقيقة وفي كثير من الأحيان لم يتم إبلاغ المدنيين بها قبل وقت كافٍ للسماح بعمليات الإخلاء أو لم يتم إبلاغهم بها على الإطلاق. لم تراعِ الأوامر احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم ممن لا يستطيعون المغادرة دون مساعدة”.
وشددت “هيومن رايتس ووتش” على أن إسرائيل بصفتها سلطة الاحتلال، تعتبر “ملزمة بضمان توفير التسهيلات الكافية لإيواء المدنيين النازحين، لكن السلطات منعت وصول جميع المساعدات الإنسانية الضرورية والمياه والكهرباء والوقود إلى المدنيين المحتاجين في غزة، باستثناء جزء يسير منها”.
وقالت إن الهجمات الإسرائيلية ألحق “أضرارا، ودمرت الموارد التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للمياه والطاقة والمخابز والأراضي الزراعية”.
وشدد التقرير أيضا على أن “إسرائيل ملزمة أيضا بضمان عودة النازحين إلى منازلهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في المنطقة. لكنها بدلا من ذلك جعلت مساحات شاسعة من غزة غير صالحة للسكن”.
فلقد “هدم الجيش الإسرائيلي عمدا البنية التحتية المدنية أو ألحق بها أضرارا جسيمة، بما في ذلك عمليات هدم المنازل بشكل ممنهج، بهدف مفترض هو إنشاء “منطقة عازلة” ممتدة على طول حدود غزة مع إسرائيل وممر يقسم غزة. هذا التدمير الهائل يشير إلى نية تهجير العديد من السكان بشكل دائم”.
حق العودة
وأكدت أن “على إسرائيل أن تحترم حق المدنيين الفلسطينيين في العودة إلى المناطق التي هجرتهم منها في غزة. منذ ما يقرب من ثمانية عقود، تنكرت السلطات الإسرائيلية لحق العودة لـ80% من سكان غزة من اللاجئين وأحفادهم الذين طُردوا أو هربوا عام 1948 مما يُعرف الآن بإسرائيل، فيما يسميه الفلسطينيون “النكبة””.
وتابعت “تتشابك الانتهاكات الجارية مع تاريخ الفلسطينيين في غزة، حيث يقول العديد ممّن قابلناهم إنهم يعيشون نكبة ثانية”.
وذكّرت أنه “منذ الأيام الأولى للعدوان، أعلن كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ومجلس شؤون الحرب عن نيتهم تهجير السكان الفلسطينيين في غزة، حيث صرح وزراء الحكومة بأن أراضي القطاع ستتقلص وأن نسف غزة وتدميرها بالكامل “أمر رائع”، وأن الأراضي ستُمنح للمستوطنين. في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قال وزير الزراعة آفي ديختر: “نحن الآن بصدد تنفيذ نكبة غزة”.
و”جدت هيومن رايتس ووتش” أن التهجير القسري كان واسع النطاق”.
وقالت إن الأدلة التي جمعتها تُظهر أنه “كان منهجيا وجزءا من سياسة الدولة”. وقالت إن هذه الأعمال أيضا تعدّ جريمة ضد الإنسانية.
ورجّحت “أن يكون التهجير المنظم والعنيف الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، وهم مجموعة عرقية مختلفة، مخططا له بأن يكون دائما في المناطق العازلة والممرات الأمنية. ترقى هذه الأعمال التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية إلى التطهير العرقي”.
وتقول أيضا “واجه ضحايا الانتهاكات الجسيمة في إسرائيل وفلسطين جدارا من الإفلات من العقاب لعقود من الزمن. يعيش الفلسطينيون في غزة في ظل حصار غير قانوني منذ 17 عاما، وهو ما يشكل جزءا من الجرائم ضد الإنسانية المستمرة، المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد، التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين”.
وأضافت أنه “على حكومات العالم أن تُدين علنا التهجير القسري الذي تُمارسه إسرائيل بحق المدنيين في غزة باعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وعليها الضغط على إسرائيل لوقف هذه الجرائم فورا والامتثال للأوامر الملزمة المتعددة الصادرة عن “محكمة العدل الدولية” والالتزامات المنصوص عليها في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو/تموز”.
كما “على المدعي العام للـ”المحكمة الجنائية الدولية” أن يُحقق في تهجير إسرائيل للفلسطينيين ومنعهم من ممارسة حقهم في العودة، باعتباره جريمة ضد الإنسانية. ينبغي للحكومات أيضا أن تدين علنا الجهود الرامية إلى ترهيب مسؤولي المحكمة والمتعاونين معها والتدخل في عملها”.
وطالبت حكومات العالم “أن تتبنى عقوبات محددة الأهداف وغيرها من التدابير، بما في ذلك مراجعة اتفاقياتها الثنائية مع إسرائيل، للضغط على الحكومة الإسرائيلية للامتثال لالتزاماتها الدولية بحماية المدنيين”.
كما قالت إنه “على الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى أن تُعلّق على الفور عمليات نقل الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى إسرائيل. الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة يعرضها لخطر التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.
وقالت هاردمان: “لا يمكن لأحد أن يُنكر الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة. نقل المزيد من الأسلحة والمساعدات إلى إسرائيل من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما هو بمثابة تفويض مطلق بارتكاب المزيد من الفظائع، ويعرضهم بشكل متزايد لخطر التواطؤ في ارتكابها”.
الإبادة
أما ميلينا الأنصاري، الباحثة المساعدة في شؤون إسرائيل وفلسطين في المنظمة، فقالت ردا على سؤال “القدس العربي” بشأن عدم إيراد المنظمة شبهة الإبادة الجماعية في إطار تحقيقاتها حول النزوح القسري، وهو ما لديه سوابق تاريخية في حالة يوغوسلافيا، فضلا عن إثارته من قبل جهات، ومنظمات، وشخصيات ودول.
وقالت الأنصاري إن “شدة وخطورة الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة في غزة تستدعي التدقيق من جانب أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، بما يعني ذلك أن توفر القضية المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا فرصة مهمة لمحكمة العدل الدولية لتقديم إجابات واضحة ومحددة حول مسؤولية السلطات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين تحت معاهدة الإبادة والإبادة الجماعية”
وأضافت الأنصاري أن تقرير المنظمة كان محصوراً حول جريمة الجرائم تحت قوانين الحرب المندرجة في إطار المادة 49 من اتفاقيات جنيف الأربعة”.
وقالت إن هذا لا يعني أن المنظمة لم تنظر في ذلك بناء على احتمال مخالفته لاتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية، لكن التحقيق “مستمر، والنشر مستمر، ونحن نرى ونتابع بشكل جدي ماذا يحدث في شمال غزة من منذ بداية شهر أكتوبر، ونحلل”، وعندما يتم ذلك فإن المنظمة لن تتأخر في نشر تقرير.
وكان أحمد بن شمسي، الناطق الرسمي، ومدير التواصل للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في “هيومن رايتس ووتش”، قال خلال الندوة الصحافية المغلقة، إن إجراءات محكمة العدل الدولية، هي إجراءات من دولة لدولة، و”في هذه الحالة، جنوب إفريقيا تقاضي إسرائيل في هذا الإجراء، المتمحور حول الإبادة الجماعية، ونحن لا يمكننا أن نكون طرفاً في هذا الإجراء، لكننا طبعا نوفر استنتاجات أبحاثنا وتقاريرنا لكل من يحتاجها. وعندما قالت محكمة العدل الدولية بأوامرها المؤقتة قبل أن تبت في الموضوع بالعمق فيما يخص الإبادة الجماعية، وأمرت إسرائيل بتنفيذ خطوات عاجلة لتفادي الإبادة الجماعية، استندت إلى عدد من التقارير ومنها تقاريرنا لا سيما ما يخص استخدام التجويع كوسيلة حرب”.