ربيع الرعب: سورية نموذجا

حجم الخط
0

مرت سنتان عندما أشعل محمد البوعزيزي النار في هشيم تونس وقفل زين العابدين بن علي هاربا، فتسربت جذوة الحريق إلى مصر وليبيا، وأزيح حسني مبارك وقتل معمر القذافي، وانتقلت عدوى الثورة إلى بلدان الشرق وتنحى علي عبدالله صالح وانفضّت حكومات وتغيرت أنظمة وأخرست أصوات. أما في سورية.. ماذا يقع في سورية؟
في سورية، الناس يقامرون بأرواحهم على مستقبل لن يعيشوه وعلى ديمقراطية لن يعرفوها. في سورية، شعب يحلم بغد أفضل من دون جدوى، وتفاؤل الأطفال مدثر ببقايا وعود سرابية. في سورية، أرواح تموت بدون قبور. في سورية كل شيء أصبح يقاس بالرصاص، وغنى الناس رهين بما لديهم من طلقات. في سورية ثمة تشريد وتقتيل، ثمة زيف وقتامة.
لقد أصبح العرب نموذجا حيا في الغياب المطلق للضمير الإنساني. طغت الفردية على الحكام وأصبحوا يراهنون على قتل أكبر عدد ممكن من الأرواح قبل إتيان الشعب على أعناقهم. هذا ما يفعله بشار الأسد أمام الملأ، والعالم من حوله يتفرج على أجود أفلام الرعب إثارة وتقززا. إذا شئنا المقارنة الآن بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح وبين القذافي وبشار الأسد، لوجدناهم جميعا أكثر إنسانية من بشار.
قبل عقود، كتب جون بول سارتر ‘عارنا في الجزائر’ بعد أن رأى حجم الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها الدولة الفرنسية في حق الجزائريين، وكان الرجل يأتي إلى الجزائر ليحاضر فيها، ويستنكر تلك القذارة الإنسانية. أما المثقفون السوريون فلا خبر عنهم، لا نعرف في أي خندق يختبئون.. ماذا نستطيع القول في زمن الرعب والشراسة، هكذا هم معظم المثقفين، يكثرون من الكلام ويكونون في صدارة النكوصيين حينما يشتد الوطيس.
إن هذه المآسي الإنسانية سيتذكرها التاريخ وسيخلدها بوصفها من أبشع ما أنتجه الحكام العرب من صنائع جليلة في حق شعوبهم، سينسى جرائم الصهيونية وسيضرب صفحا عن ‘الهولوكوست’ وكل الجرائم التاريخية، ذلك أن ما فعله بشار بسورية، والبقية ستأتي، يضاهي ما فعلته إسرائيل في فلسطين. ورغم أننا نعتقد أن جرائم إسرائيل مبررة تاريخيا ومنحطة إنسانيا، فوضع سورية يبعث على التقزز.
إن تعريف الثورة يجب أن يتغير، فالشعب الذي يريد الإطاحة بالنظام، ليس عليه أن يتظاهر، عليه أن يتدبر أسلوبا للإمساك برأس الشجرة دون فروعها، دون أغصانها، ذلك أن حرس النظام، أي أغصانه وفروعه، هو في آخر المطاف كيان جائح يبحث عن لقمة عيش. أتذكر أن رجل شرطة قال لأخيه الذي سيدخل إلى الجامعة بأسلوب ساخر: ‘عليك أن تحصل على الإجازة لأنني أريد أن ألتقيك في العاصمة’؛ إن هذا الشخص يعرف أن مصير أخيه هو أن يتظاهر في العاصمة، لكن المعنى الخفي في هذه الواقعة هو أن المتظاهرين لا يحتجون ضد النظام، بل ضد إخوانهم في المجاعة.
مبارك أباعزي
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية