(1) عند ما هبت نسمات الربيع العربي على منطقة أوشك الكثيرون على التسليم بأن حظها من حكم القهر والطغيان أصبح قدراً مقدوراً، كان الذعر على أشده في عاصمة الاحتلال الإسرائيلي التي جزعت من تلك الهبات أكثر من جزع الحكام العرب وأنصارهم. وقد رأينا كيف أن زعماء إسرائيل لم يتمالكوا أنفسهم وهم يقدمون الدعم العلني لنظام مبارك قبل أن يتداركوا أنفسهم ويدركوا أن هذا الاصطفاف يضر الحليف أكثر مما ينفعه.
(2)
وعندما وقع الحق وانهارت أنظمة البطش والفساد (في الظاهر على الأقل) تسابق المنظرون ومهندسو الاستراتيجيات الإسرائيليون على تقدير حجم الضرر الذي لحق بمصالح إسرائيل من هبة الشعوب العربية وعودة زمام الأمور إلى يدها. ومن الطريف أن المحللين في اليمين الإسرائيلي تضامنوا مع إخوانهم في الأنظمة القمعية العربية (خاصة النظام السوري وأنصاره) في رفض تسمية الربيع العربي، وأصروا على تعابير مثل ‘الاضطرابات’، أو ‘الشتاء الإسلامي’، أو حتى ‘الطاعون المصري’.
(3)
في إحدى الدراسات التي نشرت في مطلع هذا العام، ذكر محلل إسرائيلي بأن بنيامين نتنياهو حذر في كتاب نشره عام 1993 بأن السلام مع العرب لن يتأتى لأن العرب يفتقرون إلى الديمقراطية. ولام حينها الولايات المتحدة لأنها تضغط على إسرائيل لتحقيق سلام مع العرب دون أن تضغط على العرب لتحقيق الديمقراطية. ولكن عندما تحققت أمنيته ووصلت الديمقراطية إلى المنطقة، أخذ نتنياهو يتحدث عن أننا نعيش في منطقة غير مستقرة.
(4)
في دراسة أخرى نشرت في صيف العام الماضي، حذر الكاتبان من أن انتشار الديمقراطية في العالم العربي سيحرم إسرائيل من مصدر فخرها بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وبالتالي من التعاطف الغربي الكاسح معها، مما سيشكل خطراً على أمنها. وأضافت الدراسة تقول أن العقود السابقة خلقت نقطة لقاء وحيدة بين إسرائيل وجيرانها العرب، وهي التوافق على الحفاظ على استقرار الأوضاع القائمة، مما شكل حجر الزاوية في التخطيط الأمني في إسرائيل. أما الآن فإن كل هذا مهدد بأن يذهب أدراج الرياح.
(5)
ركزت تلك الدراسة على مصر تحديداً، حيث ذكرت بأن النخب السياسية والعسكرية في مصر انتفعت من سيل المساعدات السخية التي جاءت بسبب اتفاقيات كامب دايفيد، مما جعل هؤلاء حلفاء موضوعيين لإسرائيل. وقد جاء في التحليل أن نظام مبارك سقط لأن الجيش قرر أن يضحي به حفاظاً على مكاسبه ومصالح النظام، إلا أن تعاطف الشعب المصري مع الفلسطينيين عجل بفتح معبر رفح، مما يعني بأن حماس ستقوى. ولأن أهم ركائز أمن إسرائيل هي انقسام العرب، فإن التقارب الذي انتجه الربيع العربي أصبح مهددا لأمن إسرئيل التي قد تواجه التنسيق بين حزب الله وحماس. وعموماً فإن الربيع العربي يشكل أخطر تهديد لأمن إسرائيل منذ أكثر من جيل.
(6ً)
يبدو اليوم أن قلق إسرائيل لم يكن مبررا، لأن رياح السياسية العربية تهب اليوم بما تشتهي سفن نتنياهو. فها هي حماس محاصرة من جديد، بل هناك ما هو أسوأ من ذلك، لأن النظام المصري المخابراتي القائم (والذي كان لعقود حليف إسرائيل وخادمها) وأنصاره لا يرون في إسرائيل عدواً، بل يرون الخطر الأكبر عليهم هو من الفلسطينيين العزل المشردين. أما الجيش الإسرائيلي، فهو الحبيب. وليس هناك استغراب في هذا الأمر، لأن نظاماً ظل جيشه يتلقى التمويل عملياً من إسرائيل (لأن إسرائيل لو نطقت بكلمة لتوقف التمويل فوراً) لقرابة أربعة عقود لا يمكن إلا أن يكون خط دفاع إسرائيل الأول، وأي أوهام يسوقها البعض بخلاف ذلك هي محض هراء.
(7)
إذا كانت حماس محاصرة فإن ما وقع لحزب الله يسعد إسرائيل أكثر، حيث أن تدخل الحزب الانتحاري في المستنقع السوري أخرجه تماماً من معادلة المقاومة. فلن يجرؤ الحزب بعد اليوم على أن يقذف إسرائيل بكلمة جارحة، ناهيك عن تهديده أمنها. فالحزب سيصبح مثل سادته في دمشق، حصناً من حصون الدفاع عن أمن إسرائيل، لأن أي مواجهة مع إسرائيل ستعني القضاء عليه بعد أن أصبح ميليشيا لحدية في حالة حرب مع معظم اللبنانيين وحالة تورط تشبه ورطة عبد الناصر في اليمن في 1967. هذا مع الفارق، لأن عبدالناصر كان يدعم الثورة ضد الاستبداد، بينما حزب الله يدعم الاستبداد ضد الثورة. مهما يكن فإن الحزب فقد رصيده الأخلاقي والسياسي، وبعثر قدراته العسكرية. ولن تحتاج إسرائيل اليوم لكثير جهد للإجهاز عليه متى شاءت.
(8)
لو أن نتنياهو كان يتولى اليوم الحكم مباشرة في القاهرة ودمشق وبغداد لما تحقق له هذا الإنجاز العظيم. فسوريا دمرت بالكامل، والعراق اليوم أسوأ حالاً مما كان عليه أيام الاحتلال. أما مصر فحدث ولا حرج. يكفي أنه لا الفلسطيني ولا السوري أصبح قادراً على أن يمشي مطمئناً على تراب المحروسة و ‘قلعة العروبة’، بينما يحذر العالم من كارثة إنسانية في غزة بسبب حصار لم تشهد مثله حتى أيام قصف نتنياهو. أما قادة أحزاب مصر، خاصة تلك التي تسمي نفسها ‘ناصرية’ (وكفى بها مصيبة أن تجسد أحزاب ‘ديمقراطية’ عبادة الفرد في عنوانها) فهي صامتة صمت القبور عن انتحار مصر العربية وهيمنة مصر المؤسرلة. حقاً إنه ‘طاعون مصري’، وهي نقطة اتفاق وحيدة لنا مع المحللين الإسرائيليين!
(9)
للأسف فإن العرب في مصر وغيرها يتسابقون على إثبات مقولات شانئيهم بأنهم لا يستحقون الديمقراطية وليسوا قط أهلاً لها. ولو لا بقية من إيمان لقلنا أنهم يكادون يثبتون أنهم شر أمة أخرجت للناس. على كل يصعب أن يوجد أمة لها قدرة ذاتية على التدمير أكثر من هذه الأمة المنكوبة بنفسها وبقادتها. يكفي أنها تؤدي مهام العدو بما يفوق أحلامه، ثم يدعي المدعون باسمها أنهم ‘يقاومون’ أو ‘يدافعون’ عن كرامة!
(10)
عزاؤنا أن هذه حالة غير قابلة للاستمرار. فمثل هذه الأمة ‘الانتحارية’ إما أن تنقرض فيستراح منها، أو تخرج من هذه النكبة المستدامة. ومهما يكن فإن الله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فلزم التذكير.
فإن العرب في مصر وغيرها يتسابقون على إثبات مقولات شانئيهم بأنهم لا يستحقون الديمقراطية وليسوا قط أهلاً لها. ولو لا بقية من إيمان لقلنا أنهم يكادون يثبتون أنهم شر أمة أخرجت للناس.
بحسب مجلة فورن أفيرز يسيطر الجيش علي أربعين في المائة من اقتصاد مصر (راجع علي اليوتيوب 7 دقائق فيديو بعنوان Egypt….Explained! يروي فيها شاب أمريكي أسباب اختلاف الجيش المصري عن جيوش العالم المتحضر). أعتقد أنك محق في نبرتك المتفائلة في آخر المقال، فالفتن قاسية ولكنها قد تكون منعطفات تكسر الجمود وتحرك التاريخ. فبحسب سورة الأعراف آية 155 قد تشكل الفتن فرصاً يضل الله بها من يشاء ويهدي من يشاء. قيل من: أحد اسباب كون مصر دولة فاشلة أنها ليست بدولة لديها جيش وإنما جيش لديه دولة Egypt is not a country that has an army, but an army that has a country. أحسب أن المولي جل وعلا جعل الجيش يرتكب حماقة هذا الإنقلاب ليعطي المصريين (ولربما نحن السودانيين) فرصة ذهبية لتكسير ما يألو إقتصادهم خبالا وهو سيطرة قادة الجيش علي الإقتصاد.
لا الحقيقة انننا صدقنا انفسنا بان النظام سقط ولكن فى الشكل نعم اما المضمون فلا هذا المضمون الذى يحافظ على المصالح الامريكية الغربية الاسرائلية فى المقام الاول لم تسقط هذة الانظمة بسرعة نسبية على الاقل فى مصر
شكرا يا دكتور انه تحليل رائع امن يقول الحقيقة
ويبدو أن مصر كالسودان تظل يواجه إشكالية البداية من نقطة الصفر في كل مرة، بحيث كل ما أتت أمة لعنت أختها، ونقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، فلا يستفيد الجيل اللاحق من إنجازات من سبقه.مستعارة من مقال للكاتب وعليه (اللـه غالب علي أمره ) قاعده وصدق اللـه ومفاتيح القاعدة فيما اظن العقل، قبل الدين والأخلاق، والذي كان يتطلب تنكب هذا الطريق، بعد فشل الحكم الاخواني في مصر ، وتجنيب البلاد مثل هذا المصير المظلم، بالمراجعة واعادة التقييم من جانب الاخوان بعد فقد الفرصة التاريخيه وذلك عبر حلول توافقية تجنب البلاد كل هذا الدمار اما قيادة حملة علي جانب واحد وهو الجيش المصري فقد جانب الكاتب التوفيق فيها ..