بعد ما أفرزته حركة الاحتجاجات الأخيرة في العراق، التي باتت تعرف بانتفاضة تشرين، أو انتفاضة الصدور العارية، بات واضحا، وبشكل لا لبس فيه، مدى هشاشة النظام العراقي القائم، وبشكل أساس أحزاب الإسلام السياسي في العراق، التي أمسكت بدفة الحكومة والبرلمان منذ 16 سنة، ولم تقدم شيئا للعراق، لم تنفذ أجندتها التي صدعت رؤوسنا بها، والتي رسمت مجتمعا طوباويا سنعيش فيه متى ما سيطر الإسلاميون على مقررات الحكم، فإذا بهم يظهرون أسوأ ما فيهم من نهب وفساد وقتل.
لكن لا بد من الإشارة في البدء إلى أن ظاهرة الإسلام السياسي، بشقيه الشيعي والسني في العراق اتسمت بالخصوصية، أو أنها لم تتسم بما اتسمت به حركات الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، فقد بات معلوما أن حركات الإسلام السياسي نشطت بعد هزيمة 1967، على الرغم من نشاط حركة الإخوان المسلمين في مصر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكن وضوح الحراك السياسي وتجلياته على أرض الواقع كان بينا بعد هزيمة يونيو/حزيران، نتيجة الانتكاسة التي أصيبت بها الأيديولوجيات القومية والماركسية في العالم العربي، بينما ومن جانب آخر، لم تظهر علائم الإسلام السياسي في العراق إلا متأخرة عن ذلك، وكانت فورتها الحقيقية متزامنة مع قيام الثورة الايرانية في نهاية عقد السبعينيات، وإن صراعها مع النظام العراقي السابق تجلى أو ظهر بوضوح بالتزامن مع الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم في حرب غزو الكويت وما تبعها من تداعيات التدخل الدولي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإسلام السياسي العراقي كان مختلفا عن حركات الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، عبر طروحاته ورؤيته لبناء الدولة وعلاقة السلطة بالمجتمع.
يشير الباحث الأمريكي فالي نصر، وهو باحث امريكي من أصول إيرانية، وكاتب وأستاذ السياسة الدولية في مدرسة فليتشر للحقوق والدبلوماسية في جامعة تافتس، ويعمل خبيرا في شؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، إلى أن الإسلاميين في الشرق الاوسط عموما، وفي العراق بشكل خاص ليسوا ممثلين للشريعة فقط، أو هم لم يعودوا رجال دين بالمعنى الكهنوتي، فعندما قامت حركات الإسلام السياسي في المنطقة، حولت هذه الطبقة إلى ساسة يحدد مساراتهم الصراع والتنافس للوصول إلى السلطة، وبالتالي اتبعوا المنهج البراغماتي مثلهم مثل الساسة العلمانيين، وهي إشارة مهمة يمكنها توصيف حال الإسلام السياسي وسياقات عمله في عراق ما بعد 2003، فهذه الحركات، على الرغم من كل شعاراتها المغلفة بالمعطى الديني، فإنها في النهاية لم تسع لإقامة حكومة إسلامية، لا أحد يعرف شكلها أو حدودها أو آليات عملها، لذلك سعت الأحزاب الإسلامية للوصول للحكومة لتنفيذ برامجها السياسية، في تنافس براغماتي مع الأحزاب العلمانية، وقد انتهجت الشكل الديمقراطي، عبر صناديق الاقتراع للوصول إلى ما تصبو إليه. لكن ما نتج عن التطبيق الخاص للتحول الديمقراطي في العراق، بعد حقبة الحكم الشمولي، جعل المراقبين في حيرة من أمر هذه التجربة، حتى أن سياسيا أمريكيا بارزا، ذكر في أحد تصريحاته، أن النتيجة التي وصلت لها تجربة الديمقراطية في العراق مختلفة الملامح عما هو معروف من هذه التجارب في العالم، وربما يمكننا وصف خصوصيتها بانها( ديمقراطية عراقوية)، إذ أن العقبة الأساسية التي واجهت حركات الإسلام السياسي في العراق هي بناء الدولة الوطنية، لأن البناء الأيديولوجي لهذه الحركات يتقاطع مع فكرة الدولة الوطنية، ولا يمكن للمطلع على أدبيات الحركات الإسلامية أن يجد رؤية واضحة لمفهوم الدولة الوطنية فيها، وقد شكل هذا الامر مأزقا حقيقيا في التعاطي مع الكثير من الملفات.
غياب طبقة رأسمالية وطنية يعني غياب صناعتها لتيار سياسي يمثل مصالحها، حتى إن كان هناك خلاف على توجهاته كما في الديمقراطيات الغربية
كما أن التنوع الإثني والمذهبي في العراق زاد الأمر تعقيدا، فلا توجد حركات إسلامية جامعة، بمعنى القابلية على احتواء السنة والشيعة فيها، وبذلك ستكون مشاريع هذه الحركات تقسيمية أكثر منها توحيدية أو جامعة على المستوى الوطني، على الرغم من وجود بعض المحاولات الخجولة التي قامت بها بعض التيارات أو الاحزاب الاسلامية، عبر طرح فكرة المشاركة أو التقريب أو السعي لطرح صيغة اسلامية موحدة، لكنها سرعان ما اصطدمت بأسس البناء العقائدي لهذه الحركات. ومن ضمن توصيف الحالة (العراقوية) تجدر الإشارة إلى رغبة الولايات المتحدة، التي كانت تدفع الطبقة السياسية بكل أطيافها للمشاركة في العملية السياسية، ما أنتج أحد أهم معوقات بناء الديمقراطية في العراق، إذ أن كل المكونات السياسية رغبت في أن تكون ممثلة في الحكومة، ولم ترض أن تكون جزءا فاعلا من معارضة سياسية وبرلمانية، فحتى في انتخابات 2010 التي اعتبرت نقطة مفصلية في الشأن العراقي، رفضت القائمة العراقية أن تمثل معارضة علمانية، تراقب أداء كتلة الإسلام السياسي الحاكمة الممثلة في دولة القانون، وبعد الكثير من الشد والجذب قبلت بالمشاركة في مناصب الحكومة، وهذا الأمر أدى إلى تمييع مسؤولية الحكومة، ودفعها للتنصل عن الفشل الحاصل بالقول إن الكل مشارك في الحكومة وإن الفشل مسؤولية الجميع.
كما أفرزت حالة المحاصصة – التي سميت تزيينا لها مشاركة جماعية في ائتلاف حكومي – ظاهرة خطيرة أخرى هي ظاهرة الريعية السياسية، إذ يكون الحزب السياسي صاحب اليد العليا في توزيع المناصب والوظائف على منتسبيه ومؤيديه، وبالتالي تظهر حالة فساد سياسي في تعامل الحزب مع شارعه، وتبنى علاقات تخادم قائمة على الفائدة المباشرة، وهذا الأمر بدوره أنتج تضخما مرضيا وسرطانيا في القطاع الحكومي، الذي بلغ عدد منتسبيه قرابة الستة ملايين موظف، ما أثقل كاهل الحكومة بالميزانية التشغيلية، وجعلها تصرف مدخولات العراق القائمة أساسا على الريع النفطي على الرواتب، من دون الالتفات لإمكانية تنفيذ تنمية حقيقية، بالإضافة طبعا إلى ما شاب العملية برمتها من ظواهر استشراء الفساد غير المسبوق في تاريخ العراق.
وعلى صعيد متصل بالاقتصاد، نجد أن عراق ما بعد 2003 شهد تدميرا كبيرا للقطاع الخاص، وتهميشا لدوره نتيجة تغول القطاع العام بشكل كارتوني كاذب وغير حقيقي، وإن ما يمكن أن نلاحظه في العراق اليوم غياب الدور الاقتصادي السياسي الذي يمكن أن يبني حراكا سياسيا فعالا في بناء البلدان، فغياب طبقة رأسمالية وطنية يعني غياب صناعتها لتيار سياسي يمثل مصالحها، حتى إن كان هنالك خلاف على توجهاته، وهذا الأمر معروف في الديمقراطيات الغربية، فأحزاب اليمين والمحافظين عادة ما تكون ممثلة لتوجهات الطبقات الوسطى والشريحة العليا من المجتمع، في مقابل الأحزاب الديمقراطية، أو اليسارية التي تمثل مصالح الشرائح الدنيا في المجتمع، هذا الأمر لم نشاهده في العراق نتيجة ظهور طبقات طفيلية صناعية وتجارية، ارتبطت بمافيات الفساد، وأصبحت عبئا على السياسة والاقتصاد في البلد .
أما مسألة الوحدة الوطنية والدور الذي لعبته الطبقة السياسية أو بالاحرى عجزها عن لعب الدور المنوط بها، فتجدر الاشارة إلى أمرين المفروض إنهما من المسلمات البسيطة أو الخطوات الاولى في بناء الدولة الوطنية، الأمران هما العلم والنشيد الوطني، إذ بقي هذا الملف يراوح في أروقة البرلمان ردحا من الزمن من دون الاتفاق على حل حقيقي يبت في الأمر، ثم تم تمييع المسألة والقبول بالأمر الواقع، مع تغيرات بسيطة على العلم القديم والقبول بنشيد وطني قديم عليه الكثير من الاعتراضات وعلامات الاستفهام. لقد صرح العديد من الطبقة السياسية الرثة في العراق بفشلهم في أداء الادوار المنوطة بهم، وهنا يجدر بنا أن نتساءل؛ هل يعني هذا أن هذه الطبقة السياسية ستترك مكانها لغيرها من الناشطين السياسيين؟ هل ستفسح الطريق بانسحابها من العملية السياسية لوجوه جديدة يمكن أن تقدم حلولا للخروج من المأزق العراقي؟ والإجابة واضحة وضوح الشمس في ما أقدمت عليه أجهزة الحكومة القمعية وميليشياتها في مواجهة الخطر الحقيقي الذي استشعرته من انتفاضة تشرين، إذ أطلقت الرصاص الحي على صدور الشباب العارية في ساحات الاحتجاج لا لشيء سوى لانهم خرجوا يطالبون بالتغيير، فهل من مخرج من رثاثة الوضع السياسي العراقي؟ نعم، المخرج الحقيقي من المأزق بات بيت شباب الحراك الجماهيري.
كاتب عراقي
” نعم، المخرج الحقيقي من المأزق بات بيت شباب الحراك الجماهيري.” إهـ ولا حول ولا قوة الا بالله
هل الإنسان والأسرة والشركة أم النظام هو المشكلة في أجواء العولمة والإقتصاد الرقمي/الإليكتروني، هو أول ردّة فعل لي على عنوان (رثاثة الإسلام السياسي ومأزق الديمقراطية في العراق) الذي نشره العلماني/الشيعي/المهاجر من العراق والمقيم في بريطانيا (د صادق الطائي) في جريدة القدس العربي، والأهم هو لماذا؟!
لأن بريطانيا تعاني من نفس مشكلة العراق مع الديمقراطية/استفتاء بريكست،
بحجة أنّ المهاجر والأجنبي من أمثال د صادق الطائي أو غيره من أوروبا، السبب في عدم جودة الخدمات والأجور التي يعاني منها الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية في بربطانيا،
فلماذا د صادق الطائي وضع اللوم على الإسلام السياسي، ولم يضع اللوم على الديمقراطية في بريطانيا والعراق،
طالما أنّ الأولوية عند أصحاب المناصب السياسية/المهنية في الدولة ليس الإقتصاد أولاً في أجواء العولمة والإقتصاد الرقمي/الإليكتروني، ستعاني الدولة بعد 8/8/1988 من أزمات في كل المجالات، بداية من عدم الالتزام بالقيم والأخلاق ومعنى المعاني الإنسانية، التي أدت إلى ما حصل يوم 2/8/1990 بحجة (قطع أعناق، ولا قطع أرزاق) فضاعت الكويت وتشتت شعبها،
في أرجاء المعمورة مثل أهل فلسطين