كان فوزها بجائزة ملكة جمال القطن المصري في عام 1958 بداية موفقة لدخولها عالم الشهرة والأضواء من أوسع الأبواب، فقد تهافتت عليها بيوت الأزياء الراقية لتكون المانيكان الرئيسية في عروض أحدث صيحات الموضة العالمية، وبالفعل صارت نجاة علي حسن الجداوي، واحدة من أشهر العارضات في مصر والشرق الأوسط، وذاع صيتها كملكة جمال تتسم ملامحها بالهدوء وتعبر نبرات صوتها عن رقة متناهية ورومانسية صادقة دفعت منتجي ومخرجي السينما المصرية إلى اختيارها للمشاركة في فيلم “غريبة” في العام نفسه الذي فازت فيه بالجائزة لاستثمار الضجة التي أثيرت حولها كأصغر فتاة مصرية تفوز بالجائزة واللقب ويتغير اسمها إلى رجاء الجداوي، لتصبح واحدة من الاكتشافات السينمائية المهمة والأسماء النسائية البارزة.
وبرغم الدعاية المُكثفة التي صاحبت اكتشافها كوجه سينمائي جديد، لم يترك دورها في الفيلم الأثر المطلوب لتعود مره أخرى إلى عملها الأصلي كعارضة أزياء تُبهر الحضور بوقع خطواتها الواثقة على البساط الممتد للعارضات في ديفيلية الأناقة والشياكة والرقي. وأمام النجاح المتوالي عادت الفتاة الجميلة رجاء الجداوي مره أخرى إلى شاشة السينما بدور هو الأقرب إلى طبيعتها الإنسانية وإحساسها المرهف لتلعب دور ابنة مأمور قسم الشرطة، المُنتمية لأسرة أرستقراطية في فيلم “دعاء الكروان” مع فاتن حمامة وأحمد مظهر وهو الدور الذي أعاد اكتشافها وتأهيلها ووضعها على المسار الصحيح بفضل توجيهات المخرج الكبير هنري بركات، الذي أحسن توظيف قدراتها الفنية بما يليق بموهبتها الناشئة وخطواتها الأولى على طريق الفن والتمثيل. وبالفعل كان “دعاء الكروان” الانطلاقة الحقيقية للموهبة الصاعدة الواعدة التي صارت في غضون سنوات قليلة نجمة يشار إليها بالبنان من دون أن يرتبط اسمها بخالتها النجمة الكبيرة تحية كاريوكا التي كانت متربعة على عرش النجومية آن ذاك، إذ فضلت رجاء الجداوي الاعتماد على نفسها في صناعة اسمها الفني برغم وجودها الفعلي في كفالة خالتها التي ألحقتها بمدرسة الفرنسيسكان لتتعلم وتجيد اللغتين الفرنسية والإيطالية وتقترب أكثر من الأوساط الراقية والمجتمعات المخملية فتكتسب صفات أولاد الذوات وتمارس فن الإتيكيت في سلوكها وتصرفاتها .
ويمنحها هذا التأهيل فرصا إضافية لتكون على أهبة الاستعداد بشكل دائم لمخالطة الطبقات الاجتماعية الأرقى وإتقان الأدوار التمثيلية المُسندة إليها والمرتبطة بالنزوع الأرستقراطي في الأداء، حتى أن ذلك صار جزءا من طبيعتها في حياتها العادية بعيداً عن التمثيل فزاد الطلب عليها من جانب المخرجين بوصفها النموذج المثالي للشخصية المُتحضرة الراقية التي لا تبذل مجهوداً في نقل الصورة الدرامية للمُتلقي بمنتهى الصدق، وعليه فقد تعددت أدوارها في الكثير من الأفلام المهمة، مثل “موعد على العشاء” و”زائر الفجر” و”يوميات امرأة عصرية” و”لا تبكي يا حبيب العمر” و”بريق عينيكي” و”سهر الليالي” و”فيلم ثقافي” وغيرها من أفلام. وأيضاً لم تجاف الفنانة الراحلة خلال مسيرتها الفنية طبيعتها في الأدوار التلفزيونية والمسرحية، ولكنها التزمت بذات الانضباط والرقي ولم تخنها يوما موهبتها في عملية التجديد والتنوع وظلت كما هي علامة مميزة، حيث قدمت في التلفزيون ما يفوق إسهامها السينمائي أو يساويه، فمن بين ما قدمت على سبيل الأمثلة مسلسلات مهمة كان من بينها “يا أهلاً بالسكان” و”للعدالة وجوه كثيرة” و”حكايات بنات” و”عائلة الحاج متولي” و”لا أحد ينام في الإسكندرية” و”نظرية الجوافة” و”السندرلا” و”سارة” و”عندما تثور النساء” و”جراند أوتيل” و”حلاوة روح” إلى آخر أدوارها في مسلسل “لعبة النسيان” وهو دور نوعي ومختلف تماماً عن بقية أدوارها المذكورة، كونها جسدت شخصية مديرة منزل مع عدد من الممثلين الشباب كان من بينهم دينا الشربيني التي أسند إليها دور البطولة المطلقة في رمضان الماضي، ولم يمثل ذلك للنجمة الكبيرة أي غضاضة لإحساسها بأهمية الدور وضرورته في الأحداث.
وكذلك لم تختلف رجاء الجداوي كثيراً في أدائها المسرحي من حيث التميز والخصوصية والحضور، فقد ارتبطت بعادل إمام في أهم تجاربها “الواد سيد الشغال” و”الزعيم” وحاولت التنويع والتجويد في تجارب أخرى كانت أقل حظاً مثل “التعلب فات -فات” و”أكابر- أكابر” و”من فات قديمه” ولكن ظل المسرح بالنسبة لها نشاطاً موسمياً، بينما بقيت السينما والدراما التلفزيونية ساحاتا السباق الرئيسية وواحة الشروق للموهبة المتدفقة والأصيلة.