لا أعتقد أن دورة مونديال أثارت من الجدل قدر ما أثارت دورة المونديال الحالية في قطر، حيث استعرت الحملة الرافضة لتنظيم الألعاب في الدوحة بشكل هستيري يعزوه كثير من المتابعين إلى كون دولة عربية/خليجية/مسلمة بمساحة جغرافية صغيرة انتزعت أحقية استضافة الألعاب دون غيرها من دول «المركزية الحضارية»، وهذا هو الباعث الحقيقي وراء الكثير من الانتقادات التي تذرعت بحقوق العمال وبعض القضايا ذات الأبعاد الثقافية، بالإضافة إلى البروباغاندا التي استعر أوارها قبيل افتتاح المونديال في عدد من وسائل الإعلام حول الإرهاب وحقوق الإنسان، وحتى اتهامات مضحكة حول تسبب نظام التبريد في الملاعب في زيادة الانبعاث الحراري، واتهامات بـ«أسلمة المونديال»، وغير تلك من التهم التي جعلت رئيس الفيفا جياني إنفانتينو يطلق تصريحات قوية، قال فيها: «بوصفنا أوروبيين فإن ما قمنا به على مدى 3 آلاف سنة سابقة، يحتم علينا الاعتذار عنه على مدى 3 آلاف عام مقبلة قبل أن نعطي دروسا للآخرين».
وإذا تجاوزنا الجدل وطبيعة أسبابه تبرز جملة من الرسائل التي وجهها المونديال عبر وسائط مختلفة، اختلط فيها الرياضي بالسياسي والثقافي بالروحي والاجتماعي بالاقتصادي.
وبالانطلاق من «استاد البيت» نلحظ استلهام «بيت الشعر أو الخيمة العربية» في تصميمه، بما في ذلك من رسائل واضحة، حيث يتحول الملعب/الخيمة ضمن هذا السياق إلى رمز ثقافي ينفتح على دلالات عربية تعكس الرحلة من البادية وصولاً إلى تنظيم مونديال 2022.
كانت ثيمة الخيمة معبرة في دلالاتها على تراث أصيل، تراث لا يشعر أهله بشيء من الدونية وهم يقدمونه للثقافات المختلفة، قدر ما يعكس شعورهم بعمق الانتماء للماضي وزخم الاندفاع نحو المستقبل في لحظتهم الراهنة، لتقول تلك الرسالة إن العربي الذي يتم تصويره دائماً على أساس أنه «البدوي ساكن الخيمة» يمكنه أن يسجل – وهو في حدود الانتماء لتراثه الثقافي – حضوراً عالمياً واسعاً بتنظيم حدث من مستوى بطولة كأس العالم في «خيمة عربية» كانت من قبل متنقلة طلباً «للماء والكلأ»، ثم أصبحت اليوم ثابتة يأتيها «الماء والكلأ» من مختلف أنحاء العالم، بعد قرون من أن اجتياز مراحل التنقل إلى مراحل الاستقرار، بمغادرة «طور الأعرابية» إلى «طور العربية»، بما يعنيه ذلك من تمدن واستقرار وانفتاح ومعاصرة. وقد أسهمت رسالة الخيمة في تعرية ما علق بالذهنية الغربية حول هذه الخيمة، بفعل الضخ المستمر في الإعلام والسينما والأكاديميات التي أرادت أن تحبس العربي والمسلم في أطر نمطية يحلو لبعض الدوائر إعادة استدعائها بشكل أو بآخر لخلط الأوراق.
وإذا كانت ثيمة الخيمة حاضرة بشكل مكثف ضمن السياق الرياضي فإن حضور السيف كان ذا مغزى غير بعيد عن رسائل حضور الخيمة، حيث ينفتح السيف سيميائياً على دلالات القوة والمنعة، إضافة إلى دلالات البهجة في سياقات فرائحية راقصة، مع تكثيف حضور عناصر التراث التي عملت على تحديد طبيعة الرسالة الثقافية التي أراد القائمون على المونديال إرسالها من خلال فعاليات رياضية عالمية، لم تعد حدثاً منزوعاً من سياقاته الثقافية والروحية والسياسية والاقتصادية، بل مناسبة تعتمل فيها رسائل وعوامل ودلالات متداخلة.
استلهم «استاد البيت» «بيت الشعر أو الخيمة العربية» في تصميمه، بما في ذلك من رسائل واضحة، حيث يتحول الملعب/الخيمة ضمن هذا السياق إلى رمز ثقافي ينفتح على دلالات عربية تعكس الرحلة من البادية وصولاً إلى تنظيم مونديال 2022
ولا تختلف الرسائل الروحية المتوخاة عن جملة الرسائل التي برزت خلال حفل إطلاق المونديال، تلك الرسائل التي جاءت مع خلفية صوتية لأصوات أذان كأنها تأتي من بعيد، متسقة مع آية قرآنية بالغة الدلالة حول الأصل الواحد للبشرية كلها، كل ذلك لإيصال رسالة لا تخلو من معانٍ روحية سامية، يظهر فيها المسلمون ـ وليس العرب وحدهم ـ مقبلين على عرض محتواهم الروحي، ومنفتحين على الآخر الذي هو الوجه المكمل للذات أو الأنا، في سياق من التنوع والتعدد المقصود للتعارف والتلاقي لا التنافر والتباعد، ولعل هذه الرسالة الروحية هي الرسالة التي أريد لها كذلك أن تصل من خلال تنظيم فعاليات كأس العالم التي تجري حالياً في قطر، وهي رسالة رفض لكل أشكال العنصرية والاستعلاء وغيرها من التنميطات التي يمارسها أولئك الذين هاجموا استضافة دولة عربية إسلامية للمونديال الذي يُنظم ضمن «الجغرافيا الهامشية الشريرة»، بعيداً عن «الجغرافيا المركزية المقدسة».
وإذ دأبت السياسة على تسجيل حضورها في كل السياقات فإن المونديال وحفل افتتاحه لم يخلُ من رسائل سياسية أريد لها أن تصل إلى ذهنية المتلقي، حيث ظهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى جانب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الذي كان جوار الأمير الوالد، كما أرسلت الرسالة ذاتها بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكذا نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد، وهو الحضور المقصود لإرسال رسالة من الدوحة مفادها أن الخلافات العربية/العربية قد طويت صفحتها، وهي الرسالة التي لم ترق لكثيرين طفح الكيل بهم، فأخذوا يستجرون أحقاد فترة الأزمة الخليجية، وما نشر حولها من تعليقات وما نتج عنها من آثار على مستويات مختلفة.
كما سجل حضور عدد من الزعماء حول العالم رسائل تنفتح على دلالات التضامن والدعم المعنوي ضد حملة التشهير التي شنتها دوائر تقسيم العالم إلى «مركز حضاري» و«هوامش بدائية»، وهي الرسائل التي أكدتها تصريحات الإشادة من طرف عدد من القادة والزعماء الذين تضامنوا مع قطر ضد حملات تشهير لم تكن اعتباطية، بل كانت منسقة ومنظمة، الأمر الذي جعلها مكشوفة في طبيعة وسائلها وأهدافها التي لم تفلح في تحقيقها، بل إنها أفضت إلى نتائج مغايرة للأهداف، ومخالفة لرغبة القائمين عليها.
أما عن المضامين الفنية لحفلة الافتتاح فقد تنوعت بين الرقصة والنغمة واللوحة والمشهد والظلال والأضواء، وقد أريد لهذه اللوحة الفنية أن تتمازج عناصرها بشكل يساعد على إبلاغ الرسائل الثقافية والروحية والسياسية المتوخاة والمستوحاة من طبيعة تداخل الظلال والأضواء، والألوان والمشاهد، والرمل والبحر، حيث حضرت التناقضات الفنية لتقول بأن انسجام اللوحة يكمن في تناقضات عناصرها، تماماً كما أن انسجام العالم يكمن في تعدديته واختلاف مكوناته ثقافياً ودينياً وسياسياً وفكرياً، وهي المضامين التي أكدت عليها الآية التي تلاها الناشط القطري غانم المفتاح وهو إلى جوار النجم العالمي مورغان فريمان، والتي أكدت على واحدية الأصل البشري، تلك الواحدية التي لا تنفي التعدد، بل تقوم أساساً عليه، وتنطلق أصلاً منه، كما جاء في نصها الكريم: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، حيث ينتفي التمايز بين البشر على أساس جغرافي أو عرقي أو أيديولوجي أو لغوي أو ثقافي، وحيث تظهر جماليات الوحدة الإنسانية في التعددية العرقية.
كاتب يمني
يقال بأن أكثر من ألف شخص نطقوا الشهادتين بالمونديال !
هذا ما كان الغرب يخافه من هذا اللقاء الرياضي الضخم !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
شاهدت فيديو بالنت للنجم العالمي مورغان فريمان وهو يقرأ أذان الصلاة !
الكثير من الجماهير و من كافة الفرق الرياضية أحبوا قطر ,
بل وجرب بعضهم لبس الملابس العربية !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
قطرو ما أدراك ما قطر…نهضة شعب أقوى من أعراف البحر؛ ونهوض زمان فتتّ بالإرادة جلمود الصخر…وإنسان حرّ عاش ضيم الزملكان من قبل ؛ فدعا ربّه أنّي مغلوب فانتصر.لا تهمّ كثيرًا رسائل المونديال بل الأهمّ هوما بعد المونديال في قطر…فليس غبًّا بعدما تجاوز الثمن أكثرمن (200 ملياردولار ) أنْ لن تنبت بعد انتهاء الأمربرحيل الضيوف؛ في الأرض الشجر ذات الثمر؟ فما سيبقى اللؤلؤوالدرّ في جوف الخليج الأسمر.أما الدعاية والدعاية المضادة لأعداء النجاح ضد المونديال؛ فلا تغني من القول خبر.فهذه أوّل تجربة لوطن عربيّ قرر النهوض الحضاريّ بأسباب الرياضة؛ وليس بأسباب السياسة…ونجح في المرور من سمّ الخياط دونما خطر.وهذا هو الذي أثار الخراصّين؛ كيف لبلد مشرقيّ ( فلّ كما يقول أهل لبنان ) عن هذا المسار المرسوم؛ فانتصر…فأعاد بناء دولة كاملة من جديد على مرأى وعيان النظر؛ دونما أنْ تقف في وجه ( الشلال ) تلك العراقيل من الصخر؟ فهجومهم على مونديال قطر؛ ليس ضد ( الكرة ) بل ضد النهضة التي حققتها ( الكرة ) لتصبح قطر بجناحين رفرف تميم كالصقر؛ هي بسعة حجم الكرة الأرضيّة في لمح البصر.ولا يزال المونديال{ لعيّب } في المبتدأ؛ فكيف بذيّاك: الفاعل والمفعول والخبر؟
أجمل تعليق دكتور جمال البدري…
حفظكم الله
أبدعت يا دكتور جميل في الوصف والتعليق ، الشكر موصولا لك من مواطنه قطرية
بعض الذين حضروا مونديال قطر وصفوه بأنه الأروع بين كل دورات الألعاب العالمية التي حصروها من قبل
{ قَلِيلٌ مِنْكَ يَكْفِيني…….ولَكِنْ قَلِيلُكَ لاَ يُقَالُ له قَلِيلُ }.شكرًا على ذوقك الكثير الكوثر؛ أكثر من البحر الزاخرياسناء أحمد.
لقد نجحن قطر في توصيل رسائلها عبر مونديال 2022 وهي رسائل كل العرب والمسلمين، وذلك من خلال التنظيم المتقن والتوظيف الرائع للتكنولوجيا، وهذا النجاح هو الذي أدى إلى الحملة المسعورة ضد قطر وضد المونديال من قبل بعض وسائل الإعلام والشخصسات السياسية.
الأخت مها القحطانيّ/ قطر…أنعم بك ياأمّ لولوة وتحياتي لعائلتك الكريمة.أهل قطر شمس ونجوم وقمر.