دمشق – «القدس العربي» : كان لافتاً أمس تصريح تتعرض المناطق المشمولة بالحماية التركية في محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها شمالي سوريا، لقصف مدفعي وصاروخي من قبل قوات النظامين السوري والروسي، الأمر الذي خلف قتلى وجرحى ضمن المنطقة العازلة، وذلك في ظروف وجهت خلالها روسيا وإيران رسائل سياسية في أكثر من مناسبة إلى تركيا تحمل تصعيداً نسبياً في الخطاب إزاء التغيرات التي حصلت في محافظة إدلب وسيطرة هيئة تحرير الشام على نحو 9 آلاف كيلو متر مربع، علاوة على تحكمها بأبرز مفاصل القوة والثروة، وذلك تزامناً مع مواصلة القوات التركية تعزيز دفاعاتها ومواقعها في المنطقة.
النظام السوري يرتكب 15 خرقاً في المناطق «المنزوعة السلاح»
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ان شاحنات عدة محملة بكتل إسمنتية وصلت الاثنين إلى نقطة المراقبة التركية في منطقة الصرمان في ريف معرة النعمان جنوب إدلب، وذلك بعد أيام من وصول 7 شاحنات مماثلة محملة بكتل إسمنتية إلى النقطة التركية في ريف إدلب الشرقي، وذلك ضمن عمليات استكمال البناء والتحصين للنقاط التركية الـ 12 الموزعة شمالاً. وفي الاثناء، قصفت قوات النظام السوري مناطق متفرقة من محافظة ادلب وسجلت مصادر مطلعة 15 خرقاً خلال الـ12 ساعة الفائتة عبر قصف مدفعي وصاروخي استهدف ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي وغيرهما من مناطق سريان الهدنة التركية – الروسية. كما أعلن المجلس المحلي لبلدة التح جنوب ادلب، الاثنين، البلدة منكوبة، في اعقاب قصف عنيف و»ممنهج» وقال المجلس المحلي في بيان رسمي «بعد شهرين من استمرار الهجمات الصاروخية الشرسة على البلدة واستمرار القصف العنيف الممنهج، نعلن أن بلدة التح بلدة منكوبة».
قالن: الأسد فقد شرعيته
وحسب وكالة الأناضول قال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أمس الإثنين، إن نظام بشار الأسد فقد شرعيته ولا مستقبل له. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده قالن، في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، عقب اجتماع للحكومة. وأشار قالن إلى أنه «في إطار أمن تركيا، يمكن لأفراد جهاز الاستخبارات التركي أن تتواصل بين الحين والآخر مع مختلف الأطراف بمن فيهم عناصر النظام سواء في دمشق أو الحسكة أو القامشلي، من أجل أمن وسلامة العمليات التي ينفذونها على الأراضي السورية، وهذا ليس بالأمر الذي يستدعي الاستغراب». وشدد على أن ذلك «لا يعني الاعتراف بشرعية الأسد بشكل مباشر». وأضاف «نظام الأسد فقد شرعتيه بالنسبة لنا ولا مستقبل له». وضمن جهود أنقرة لدعم الاستقرار في سوريا، قال المتحدث إن تركيا دعمت وستواصل دعم مساري جنيف وأستانة من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة لإرساء الأمن والاستقرار في سوريا في إطار وحدة أراضيها.
كما أكد قالن إن تركيا «توصلت إلى تفاهم» مع روسيا بشأن تطبيق خريطة الطريق حول منطقة منبج السورية وفق الاتفاق المبرم بين أنقرة وواشنطن. تصريح قالن جاء في المؤتمر الصحافي عقب اجتماع الحكومة. وأوضح قالن أن الإسراع بتنفيذ خريطة طريق منبج مهم جداً للعلاقات الثنائية مع واشنطن وأمن المنـطقة ومسـار الحـل في سـوريا.
وأشار إلى أنه كان من المفترض أن تنفّذ خريطة طريق منبج منذ وقت طويل، لافتاً إلى أن تكتيكات المماطلة لن تفيد أحداً. وفي يونيو/حزيران الماضي، توصلت واشنطن وأنقرة، لاتفاق «خارطة طريق» حول منبج التابعة لمحافظة حلب، تضمن إخراج «إرهابيي» تنظيم «ي ب ك/بي كا كا» من المنطقة وتوفير الأمن والاستقرار فيها. في سياق آخر، لفت قالن إلى أن الادعاءات بشأن توصل تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق حول المنطقة الآمنة في سوريا لا تعكس الحقيقة وأن المفاوضات في هذا الشأن ما زالت مستمرة. وأوضح أن تركيا تتطلع إلى أن تكون بيدها السيطرة على المنطقة الآمنة المزمعة في سوريا. وأضاف أن تركيا لن تسمح ببروز مخاطر إرهابية مجدداً تهدد انطلاقا من شرق الفرات.
جانبان للتصعيد
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي وفي اتصال مع «القدس العربي»، اعتبر ان التصعيد له جانبان، فمن طرف تريد روسيا الضغط على تركيا من أجل الوصول إلى تفاهم معها حول شرق الفرات وفق الرؤية التي طرحتها والقائمة على بروتوكول أضنة 1998، ومن طرف آخر تريد روسيا الضغط على تركيا لإعادة صياغة اتفاق جديد في الشمال السوري وفق نموذج يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية ووجودها الاعتباري، لأن اتفاق خفض التصعيد وملحقه الخاص بالمنطقة منزوعة السلاح لم يكن ليلبي جميع مصالح روسيا في سوريا ومكانها كفاعل رئيسي، إنما يستجيب لأهداف مؤقتة. وبطبيعة الحال تتخذ روسيا من ملف «هيئة تحرير الشام» ثغرة للضغط على تركيا، لأن هذه الأخيرة ملتزمة بإيجاد حل لها يتناسب مع تطبيق اتفاق خفض التصعيد والحل السياسي. وفي حال استطاعت روسيا وتركيا تجاوز الخلاف بينهما والتوصل لاتفاق جديد حول المنطقة يقضي برفع الغطاء السياسي والأمني عن القوى العسكرية العاملة في محافظة إدلب أو على الأقل في المنطقة منزوعة السلاح، لن تكون هيئة تحرير الشام حسب المتحدث، قادرة بمفردها على مواجهة تحرك عسكري محتمل للنظام السوري توفر روسيا الغطاء الجوي والميداني له، رغم إعادة توزيع قواتها وبنائها لتحصينات كبيرة خلال الفترات الماضية.
وتُدرك هيئة تحرير الشام التي تقودها «النصرة»، أهمية وجود عامل الحماية الدولية للحفاظ على بقائها وسيطرتها الميدانية، وقد أشار إلى ذلك بشكل مباشر الزبير الغزي، وهو أحد أبرز شرعييها، حيث قال «إن التنسيق مع تركيا في محافظة إدلب هو مصلحة، بسبب غياب المقومات التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة أي اعتداء مقبل. وبرأي الباحث، لربّما يتم التعويل من قبل الهيئة بشكل أو بآخر على رغبة تركيا في الحفاظ على استقرار منطقة خفض التصعيد، وبالتالي التماهي مع مصالحها السياسية والأمنية أو على الأقل الابتعاد عن الخطوات التي من شأنها أن تتعارض معـها.
وحسب مصادر محلية لـ «القدس العربي»، فإن قوات النظام المتمركزة في قرية معردس المجاورة، قصفت بالمدفعية الثقيلة الاثنين أطراف مدينة خان شيخون جنوب إدلب، كما تعرضت قريتي الرفة والفرجة لاستهداف من قبل القوات المهاجمة بقذائف هاون من مقراتها في تل بزام، وفي سهل الغاب، تعرضت بلدة الزيارة وقرية خربة الناقوس وأطراف مدينة مورك لقصف مدفعي مماثل. وبلغت إحصائية قتلى وجرحى البلدة خلال الأسبوع الفائت أكثر من 15 مدينا، بينهم اثنين قتلا الاحد بقصف مدفعي لقوات النظام السوري على قرية التح، كما قتل وجرح العشرات منهم خلال الأسبوع الفائت بعد قصف التجمعات السكنية وأسواق المدينة.
وذكر الدفاع المدني السوري أن بلدة «التح» تعرضت لقصف بصواريخ شديدة الانفجار استهدفت منازل للمدنيين ومسجد. واستهدفت قوات النظام مدن «اللطامنة»، كفرزيتا، مورك» وقرى «تل الصخر، حصرايا، معركبة، البويضة، الجنابرة» و»تل عثمان» بريف حماة الشمالي وقرى و»الحواش، الحويجة، زيزون» في الريف الغربي للمحافظة، ما اسفر عن سقوط جرحى بين المدنيين. من جانبه جدّد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إدانته استهداف مدفعية قوات النظام الأماكن المأهولة بالسكان، داعياً المجتمع الدولي إلى ردع قواته ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات المتكررة بحق الأهالي وأطفالهم على اعتبار ذلك جرائم حرب.
رصد الخروقات
ووثق حيث رصد المرصد السوري خروقات قوات النظام التي قصفت 15 منطقة في الساعات الأخيرة منها بلدة الخوين وقرى الزرزور وأم جلال وأطراف خزانات خان شيخون بريف إدلب الجنوبي الشرقي، بالتزامن مع استهدافها بقذائف المدفعية لمناطق في محيط قرية الزيارة بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، ومناطق أخرى في قرية الصخر في الريف الشمالي لحماة.
وقال ان مناطق في بلدة العيس بريف حلب الجنوبي تعرضت هي أيضا لقصف من قبل قوات النظام، عقب استهداف قوات النظام محيط الناجية وبداما وأطرافها بريف مدينة جسر الشغور، بقذائفها الصاروخية، وأماكن أخرى في محور الكتيبة المهجورة وتل السلطان بالقطاع الشرقي من ريف إدلب، فيما تعرضت مناطق في مورك والصخر والبانة بريف حماة الشمالي لقصف صاروخي من قبل قوات النظام، بعد منتصف الليل، بالتزامن مع قصف مشابه طال أماكن في منطقة زيزون بسهل الغاب، في ريف حماة الشمالي الغربي، وذلك في إطار الخروقات المستمرة ضمن المنطقة منزوعة السلاح ومناطق هدنة الروس والأتراك.
وارتفعت حصيلة القتلى إلى 213 على الأقل منذ تطبيق اتفاق «ستوتشي»، بينهم 67 مدنياً و 25 طفلاً و9 سيدات، إضافة إلى 65 مقاتلاً قضوا في ظروف مختلفة ضمن المنطقة منزوعة السلاح ضمنهم 14 مقاتلاً من «الجهاديين» و23 مقاتلاً من جيش العزة قضوا خلال الكمائن والاشتباكات بينهم قيادي على الأقل، و81 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها