عمان – «القدس العربي» : قد لا يتعلق الأمر في الأردن بمشهد رحيل حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز بقدر ما يتعلق أيضاً بإنصاف أو رسالة إنصاف لبعض ضحايا طاقم الرزاز في الحكومة التي أصبحت «سابقة».
وقد يتعلق أيضاً بإبعاد أو إقصاء، بالتوازي، لبعض الرموز وأصحاب المناصب العليا الذين دخلوا في شراكات مبالغ بها مع عهد الرزاز، الذي تحول بدوره من رئيس وزراء باحث وهادئ وعميق ومثقف إلى رئيس حكومة له مخالب ويدعم، ولو عن بعد، خيارات طاقمه الوزاري المقرب جداً في التحالف والاصطفاف داخل الأجهزة البيروقراطية. ولا يتعلق الأمر طبعاً بأسماء محددة، لكن ثمة رسائل مبكرة واضح أن طاقم الرزاز امتنع عن التقاطها على مدار عدة أسابيع، حيث بدأ مسلسل ترحيل حكومة «النهضة» منذ ستة أسابيع تقريباً، وقرر مستشاروه أن لا ينتبه وأن يمتنع عن اللجوء إلى تصويب بعض الاتجاهات حتى تعبر الحكومة عامها الثالث.
عملياً، كان سيناريو المجلس النيابي يسلم مجلساً بين الخيارات. وهو سيناريو لو تقرر لحصلت حكومة الرزاز على فرصة البقاء وإكمال تجربتها والرهان على مقولة رموزها بخصوص نخب وزارية تدربت لستة أشهر في خلية الأزمة على تفصيلات الاشتباك مع مقتضيات الفيروس كورونا.
الناصر وطوقان وعبيدات والعسعس وغيرهم… أسماء لها دلالة سياسية
باختصار، فاتت تلك الفرصة، فصدرت إرادة ملكية بحل مجلس النواب، وخرجت حكومة الدوار الرابع والتيار المدني من المعادلة، رغم أن صاحب خبرة كبيرة من وزن الدكتور، مروان المعشر، يظهر أثناء أي نقاش، استغرابه الشديد من الإصرار على تصنيف حكومة الرزاز بأنها محسوبة على التيارات المدنية. يعني ذلك ببساطة أن حليفاً كبيراً في النخبة السياسية طالب الجميع بمنح الرزاز فرصة قبل أكثر من عامين، مثل الدكتور مروان المعشر، يتخلى عن الحكومة ولا يراها متمرسة في الاتجاه الإصلاحي أو في اتجاهات العمل المدني، كما فهمت «القدس العربي» على هامش نقاش وسط نخبة سياسيين ومثقفين.
بعيداً عن تلك التصنيفات، رصدت مبكراً تلك الرسائل التي توحي بأن مقعد الرزاز يهتز دون إجراءات مضادة قد تكون الرسالة الأولى الأهم تلك التي تعلقت بتقليص حضور ونفوذ وملفات المستشار المهم في الديوان الملكي الدكتور كمال الناصر، الذي بقي مستشاراً لكنه لم يعد نافذاً فجأة وبشكل مباشر، بعدما أصبح قريباً جداً من الرزاز.
إبعاد الناصر قليلاً كان رسالة بامتياز. والإشارة المرجعية التي تدعم، في اجتماعات مغلقة أمام الرزاز، وزير المالية الدكتور محمد العسعس وبصورة علنية أمام الآخرين كانت أيضاً رسالة سياسية بامتياز، تعامل معها الرزاز وكأنها لم تحصل عندما ثار نقاش وتجاذب محرج بعنوان ملف الإعفاءات للعسكريين المتقاعدين الذين حاول الرزاز مجاملتهم، فيما التزم العسعس بقرارات مجلس الوزراء.
ليس سراً الآن، والرزاز بدأ إجراءات الرحيل، أن تلك المجاملة من رئيس الوزراء والوزير المقرب جداً من شؤون رئاسة الوزراء سامي الداود، كانت كلفتها -بعيداً عن التوقيت السياسي والمالي السيئ والإحراج البيروقراطي- ليس أقل من 330 مليون ديناراً على الخزينة التي تعاني من عجز كبير أصلاً وفي ظل وضع معقد وسيئ.
ثمة رسالة مرجعية ثالثة رصدها، عندما تعلق الأمر بالعمل المضني والجهد الكبير في ظل المسرح وبعيداً عن إغواء القرار والأضواء، المستشار العلمي في القصر الملكي الدكتور عبد الله طوقان، الذي حاول وزير الصحة الدكتور سعد جابر الالتفاف عليه بين الحين والآخر أو عدم الالتزام بتوصياته رغم أنها علمية ومرجعية محضة.
يمكن القول هنا وبوضوح إن الإشارة التي صدرت لتكريم طوقان ومضمون بقائه «كبيراً للمستشارين» هي أيضاً رسالة ضمنية، كان ينبغي على الرزاز أن يفكك ألغازها وعلى أساس أن المطلوب مرجعياً ودوماً التنسيق مع مؤسسات الظل والعمل الجماعي وتجاهل الأجندات الشخصية والتركيز على الميدان والاشتباك، لأن مواجهة مرحلة كورونا وما بعدها مسألة تتعـلق بالدولة لا بالحـكومة فقـط.
على نحو أو آخر توالت الرسائل، فأبرز بيروقراطي في الجهاز الحكومي الأردني خبير بالصحة العامة وبالغذاء والدواء، وهو الدكتور هايل عبيدات، أصبح عضواً في مجلس الأعيان، والبيروقراطي الخبير في ملف الأحوال المدنية الذي امتنعت حكومة الرزاز عن حتى الاستماع إليه وهو اللواء المتقاعد مروان قطيشات، أصبح أيضاً عضواً في الأعيان. والعنصر الناشط الذي تفاءل للغاية بحكومة الرزاز ودعمها بقوة وزودها بتقارير استراتيجية تجاهلها رئيس الوزراء، وهو الأكاديمي والباحث الدكتور مصطفى حمارنة، انضم أيضاً إلى مجلس الأعيان في التشكيلة الأخيرة.
تلك رسائل ملغزة كان ينبغي فهمها جيداً من البداية، فالدكتور عبيدات فقد وظيفته في إدارة الغذاء والدواء فجأة، ولم يعد سراً أن ذلك حصل بعد خلاف مع بعض عناصر الطاقم الوزاري الذهبي وصاحب الحظوة عند الرئيس الرزاز.
باختصار، كثير من الذين خاصمتهم أو استهدفتهم حكومة الرزاز يتم إنصافهم الآن. وعدد من الذين دخلوا في شراكات استراتيجية مع رئيس الوزراء الرزاز فقدوا إما دورهم الناقد أو وظائفهم، فيما تصعد حصة النفوذ عند بعض الجبهات التي حاولت الحكومة المستقيلة الآن إخراجها من المعادلة أو رفضت التعاون معها.
إنتهت صفحة الرزاز…اقلب الصفحة