لقد أثبتت ألمانيا أول أمس أنها تتدهور نحو ماضيها، فقرار وقوفها كصديقة للاحتلال الإسرائيلي في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، إلى جانب منارات أخلاقية مثل هنغاريا والنمسا والتشيك، يجب أن يقلق كل ألماني يطارده ماضيه. في نهاية مسيرتها الرائعة في ظل رعب اللاسامية في بلادها، فإن انغيلا ميركل مستعدة لأن تغفر لإسرائيل كل شيء، بشكل تلقائي وعمى مطلق. وبهذا هي تخون المهمة التي أخذتها على عاتقها. ولكونها مستشارة ألمانيا الأخرى، ولكونها من أواخر من يدافعون عن حقوق الإنسان في العالم؛ فقد بقينا مع دونالد ترامب وفلادمير بوتين وتشي.جي.بينغ.
ألمانيا التي لا تسمح بالتحقيق في جرائم الحرب، دون المهم مع أي دولة، ليست هي ألمانيا الأخرى، بل ألمانيا التي ترتكب جرائم الحرب. يبدو أن إسرائيل لم تتبن أحياناً نهج النازيين، فإن ألمانيا ستشرعن من أجلها كل ما فعلته. تعتقد ألمانيا أنها بذلك تفعل من أجل التفكير بماضيها، ولكن الحقيقة معاكسة. فطالما أن ألمانيا لا تقف إلى جانب المضطهدين والمحتلين في العالم، فهي تُخوَّف عبر ماضيها. وعندما يصل الأمر إلى إسرائيل، دولة ضحاياها المباشرين، وإلى الفلسطينيين، ضحاياها غير المباشرين، فثمة خطورة خاصة في ذلك.
بطلبها الانضمام إلى المداولات في لاهاي كصديقة للمحكمة، تبنت ألمانيا ادعاءات إسرائيل التي لا يوجد للمحكمة أي صلاحية للبحث في تهمة ارتكاب جرائم حرب في المناطق. تفسير ألمانيا لموقفها غريب بشكل خاص: ألمانيا “مؤيدة متشددة” لحل الدولتين، والمحكمة ليست المكان لمناقشة هذه القضية. “إن دعم ألمانيا المتشدد” لحل الدولتين شاهدناه خلال سنوات. في الذروة وصل إلى ضريبة كلامية فارغة. أحد المواضيع الموجودة أمام المحكمة هو المستوطنات، لا يوجد أي شيء أكثر منها قد خرّب فرصة حل الدولتين. ألمانيا تقول للمحكمة في لاهاي الآن: اتركوا المستوطنات وشأنها. ومن سيوقفها؟ مجلس “يشع”؟ حكومة إسرائيل؟ البيت الأبيض؟ فيكتور اوربان، شريك ميركل كصديق للمحكمة؟
هنا يجب توجيه سؤال لألمانيا: إذا لم تفعل محكمة لاهاي ذلك، فعلى من وجب التحقيق في أحداث غزة، بين يوم الجمعة الأسود في رفح وقتل المتظاهرين على الجدار؟ الجيش الإسرائيلي؟ “الأيباك”؟ أم الخبير المعروف في القانون الدولي دونالد ترامب، عن طريق صهره، الوسيط النزيه، غارد كوشنر؟ لقد استمر فحص المدعية العامة فاتو بنسودا خمس سنوات، إلى أن توصلت إلى استنتاج بأن هناك شكوك حول ارتكاب جرائم حرب في المستوطنات، وعملية “الجرف الصامد”، وتفريق المظاهرات على الجدار. هل تعتقد حكومة ميركل أن هذه الشكوك لا يجب فحصها؟ لماذا؟ لأن المتهمة إسرائيل؟
بعد قرار البوندستاغ الذي نص على أن الـ “بي.دي.اس” منظمة لاسامية، جاء الوقوف في لاهاي إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي ليلقي بظلال أخلاقية ثقيلة على ألمانيا. من واجب ألمانيا أن تفعل كل ما في استطاعتها من أجل أمن إسرائيل، وحتى ازدهارها. وعليها أن تكون حذرة في انتقادها أكثر من أي دولة أخرى. ولكن القفز إلى مقدمة صف مقدمي الحصانة المطلقة لإسرائيل يعدّ خطوة بعيدة جداً تخالف دروس الكارثة. ومن أوجدوا ألمانيا الأخرى سيخجلون. وولي برانت لم يكن ليؤيد هذه الخطوة، ونظيره النمساوي برونو كرايسكي، أيضاً، لم يكن ليقبل لبلاده وقوفها إلى جانب المحتل وضد ضحيته.
قالت ألمانيا أول أمس لإسرائيل: وسّعي المستوطنات كما تريدين. اقصفي غزة كما تريدين. واصلي قنص المتظاهرين دون قيود. فأنت محصنة من أي انتقاد، وبالتالي أنت محصنة من المحاكمة في لاهاي. فـ”لاهاي” للضعفاء وليس للسياسيين والضباط الإسرائيليين. وقالت لها أيضاً: أنت دولة فوق كل تهمة. وقد قاد الشعور بالذنب السياسية الأكثر تنوراً في أوروبا بعيداً جداً. وفي كل ما يتعلق بإسرائيل فإن ميركل تشبه ترامب، ليس أقل من ذلك.
بقلم: جدعون ليفي
هآرتس 16/2/2020
ألمانيا و أوروبا…….في خير ….كان……