في إطار المعركة على الوعي قبيل إمكانية تشكيل حكومة أقلية، تصعد في اليسار حجة أنه لا يوجد فرق بين إقامة حكومة مع أصوليين وإقامتها بدعم من القائمة المشتركة، إذ إن القاسم المشترك بين الاثنين هو كونهما مناهضين للصهيونية. تشهد هذه الحجة كألف شاهد على مكانة الصهيونية كمبدأ أعلى وكخلاصة لوجود إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. والحجة على سبيل الاستبعاد في أن المعسكر القومي أيضاً يعتمد على عناصر غير صهيونية لغرض تبرير الشراكة مع القائمة المشتركة، تعترف بشكل غير مباشر بأن هذه خطوة غير جديرة على المستوى المبدئي. غير أنه إذا كان مسموحاً للمعسكر القومي الخروج عن المبدأ الصهيوني والاعتماد على الأصوليين، فإنه مسموح لليسار أيضاً أن يعتمد على القائمة المشتركة. إن المقارنة التي تضع المعارضة للصهيونية من جانب الأصوليين والعرب على ذات المستوى وذات الصلة هي مقارنة بائسة وضحلة وسخيفة. بالفعل، فإن الغالبية الحاسمة من الزعامة الأصولية أدارت حتى إقامة الدولة صراعاً حاداً ضد الصهيونية كفكرة وكحركة في أوساط اليهود. فقد تشكلت “اغودات يسرائيل” في 1912 كتنظيم لجماعات وتيارات صهيونية، القاسم المشترك بينها كانت المعارضة للصهيونية. ومع السنين بقيت هذه المعارضة على المستوى المبدئي الرمزي، ولكنها انطفأت على المستوى العملي.
ولكن حتى في ذروة الصراع التاريخي طويل السنين كان واضحاً أن هذا خلاف وصراعات تجري بين حركات داخل الشعب اليهودي. فوجود الطوق القومي كان واضحاً، حتى وإن كان معنى القومية خاضعاً لخلاف حاد وعميق. بكلمات أخرى: اليهود، كشعب، يعدّ الانتماء إليه واضحاً، فقد أداروا فيما بينهم صراعاً داخلياً على مزايا الهوية اليهودية، وعلى السبل المناسبة للشعب اليهودي. فقد تبنى الأصوليون مبدأ أن “ليست أمتنا أمة إلا بتوراتها”، بمعنى أن مركز الهوية اليهودية الحصري هو في الولاء للتوراة والفقه بمفهومهما الأرثوذكسي. أما الصهاينة، بالمقابل، متدينين وعلمانيين على حد سواء، فقد تبنوا القومية بمفهومها الحديث، أي بالحق وبالتحقق لتقرير مصير الشعب اليهودي في وطنه.
شيء من كل هذا غير ذي صلة بالقائمة المشتركة. فمندوبوها يشككون بالمبدأ الأساس لحق تقرير المصير للشعب اليهودي. وهم المعارضون الأشد للاعتراف بإسرائيل كدولة قومية يهودية حتى في إطار تسوية محتملة مع الفلسطينيين. وهم يرفضون مبدأ “دولتين للشعبين”. المقصود، من ناحيتهم، دولة ونصف للشعب الفلسطيني، ونصف دولة للشعب اليهودي في إطار إسرائيل كدولة كل مواطنيها. بعضهم يؤمنون بأن اليهود ليسوا قومية، بل دين فقط، ومن هنا رفض حقهم في تقرير المصير. هذه المبادئ الأساس تترجم إلى أنماط عمل متلائمة: الانضمام إلى جملة أعمال مضادة لدولة إسرائيل في منظمات دولية لدرجة تأييد الـ BDS؛ والتشهير بإسرائيل بكل فرصة؛ والتأييد لملاحقة ضباط كبار في لاهاي؛ وإعلان التأييد والعطف للمخربين، وما شابه.
إن رفض الشراكة مع “المشتركة” ليس عنصرياً كما يحاولون الادعاء، فما كان لأحد أن يرفض الشراكة مع القائمة المشتركة فقط بسبب كون أعضائها عرباً، لو أنهم بالفعل كانوا يشبهون الأصوليين في أساليب عملهم. الأصوليون، مع كل معارضتهم المبدئية للصهيونية، سلموا بها منذ زمن بعيد على المستوى العملي ويتبنون الحفظ الاجتماعي والثقافي والديني للمجتمع الأصولي في إطار إسرائيل كدولة قومية يهودية التي يعارضون معظم أنماطها وقيمها. أما مندوبو القائمة المشتركة، بالمقابل، فيذكرون كم يتمنون إلغاء إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي.
إسرائيل هي دولة 100 في المئة من مواطنيها، والـ 100 في المئة يستحقون التمتع بثمارها بشكل عام وبالديمقراطية بشكل خاص. ولكنها الدولة القومية لـ 80 في المئة من مواطنيها فقط وهي ليست الدولة القومية لـ 20 في المئة ممن لا ينتمون للقومية اليهودية. وليس الأصوليون فقط هم جزء من الأغلبية القومية بل انهم لا ينتظمون مثل القائمة المشتركة، حول المبدأ الأساس لإلغاء دولة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي.
إن خلاصة الصهيونية تعبر عن نفسها بمبدأ أن الشعب اليهودي فقط يعبر عن تقرير مصيره في إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. والمعارضة لهذا المبدأ مسموح بها بالتأكيد في إطار حرية التعبير والتنظيم السياسي، كما هو دارج في الديمقراطية. أما خلق أغلبية ائتلافية تعتمد على القائمة المشتركة فمعناه الاعتماد على جهة سياسية ترفض من الأساس خلاصة وجود إسرائيل.
بقلم: أشير كوهن
بروفيسور، رئيس مدرسة الإعلام في جامعة بار إيلان
إسرائيل اليوم 9/3/2020