كازينو الأندلس ـ غزة
فندق الأندلس ـ غزة
فندق قصر البحر ـ غزة
كازينو هويدي ـ غزة
غادة
كل هذه العناوين المسجلة فوق، على ضخامتها، ليست سوى أربع طاولات على شاطئ البحر الحزين… إنني معروف هنا (في غزة) وأكاد أقول «محبوب» أكثر مما كنت أتوقع، أكثر بكثير، وهذا شيء في العادة يذلني لأنني أعرف بأنه لن يتاح لي الوقت لأكون عند حسن ظن الناس، وأنني في كل الحالات سأعجز في أن أكون مثلما يتوقعون مني.
طوال النهار والليل أستقبل بحرارة تزيد شعوري ببرودة أطرافي ورأسي، وقصر رحلتي إلى هؤلاء الناس وإلى نفسي. إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن كل قيمة كلماتي، أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول أيمان وعذاب، ولكن أيضاً بذل من طراز صاعق.
رسالة أم نبوءة؟
هذا المقطع من رسالة كتبها لي الشهيد غسان كنفاني بتاريخ 29-11-1966 من غزة، وقد نشرتها كاملة في كتاب «رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان»، وصدرت أيضاً مؤخراً في الطبعة رقم 14 ولم أبدل في الكتاب حرفاً واحداً كما هي عادتي. تُرى، هل كان غسان يدري وهو يسطر رسالته لي أنه يكتب نبوءة لا رسالة؟ هل كان يحدس أنه لا يضع نقطة النهاية، بل كلمة البداية؟
الشهيد الكبير كنفاني
يكفي أن يقرأ المرء بعض عناوين جريدة ورقية لفلسطين مثل «القدس العربي» ليعرف كم كان غسان يحدس النهايات/البدايات!
نقرأ: مجازر مروعة نفذها الاحتلال في غزة (وهو أمر متوقع)، ولن يدهشنا أن إسرائيل ستقصف مستشفى وتغتال مئات الشهداء من المرضى والأطفال، من أجل حلم إسرائيل الذي تعلنه: «من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل».
لكنه حلم لن يتحقق يوماً بفضل المقاومة العربية الفلسطينية بأنواعها كلها، هذا على الرغم من اضطهاد أنصار إسرائيل لها في الحقول كلها.. و(عقاب) كل من لا يخضع لها.. وغسان كنفاني الشهيد تكاثر وتناسل سياسياً ونضالياً، وليس بوسع إسرائيل التخلص من نمط كهذا من الأبطال الذين يدافعون عن وطنهم ولا يحاولون سرقة وطن ليس لهم وبالأساليب كلها.
لم تعد إسرائيل تواجه شهيداً واحداً قتلته، بل أضحى (جيشاً) من الشهداء أو الذين ينتظرون تلك اللحظة للموت بسعادة من أجل وطنهم.. واسألوا غزة!
التضامن العربي وحتى الغربي
مهما كان عقاب إسرائيل ضد الذين يرفضون سرقتها للوطن، يتكاثر ذلك، ولذا نجد عدداً كبيراً من نجوم الفن والرياضة ومن الناس البسطاء و(العاديين) الذين يحملون أخلاقاً، يرفضون دعم إسرائيل في خططها العدوانية مهما كانت قادرة على عقابهم، ومهما حاولت حشد العالم ضد قطاع غزة. الأدباء والفنانون الذين لا يحملون السلاح حرفهم سلاحهم.. هذا مثلاً روائي جزائري سعيد خطيبي، أعلن مقاطعته لمعرض الكتاب في فرانكفورت لانحياز المعرض إلى طرف ضد الآخر عقب ما يحصل من مأساة في غزة. وتزعم إسرائيل أنها تدافع عن نفسها (!) لكن حتى بكين تعلن عدم اقتناعها بذلك. أما بطلة (التنس) التونسية أنس جابر، فستنال (عقابها) لانحيازها إلى القضية الفلسطينية العادلة.. وها هو اتحاد التنس الإسرائيلي يطالب بعقابها لذلك!
رسالة أم نبوءة؟
حين أعيد قراءة رسالة الشهيد غسان كنفاني لي، أشعر أنه كان يحدس ما سيحدس بين أهل غزة الذين يفيضون مودة وسخاء، وروح إسرائيل التي تريد الاحتلال (من النيل إلى الفرات!).
ويتم باستمرار عقاب بعض من يقف إلى جانب الحق الفلسطيني في مواجهة العدوانية الإسرائيلية. ونطالع في الصحف العربية الراقية الكثير من هذه الأخبار المؤسفة، منها مثلاً أن الاتحاد الدولي للسباحة حذف صورة مصري فائز بميدالية ذهبية. ما ذنبه؟ إنه يدعم فلسطين!
بالمقابل، هذا نائب أمريكي يرتدي زي الجيش الإسرائيلي! هل يسمح القانون بذلك؟ لا تقلقوا عليه. سيتم تبديل القانون أكراماً له!
أعود إلى غزة التي زارها الشهيد غسان كنفاني وكتب لي منها.. شعرت عبر كلماته بطيبة سكانها، ولكن الطيبة لا تنفي الشجاعة بل تؤججها، وهو ما يحدث اليوم في فلسطين كلها.