لا يرقى التصريح إلى إعلان مؤسساتي خطير، لكن لا يمكن التقليل منه، فهو صادر عن وزير من وزراء السيادة وربما يعكس مضمون تقارير حكومية واستخباراتية وعسكرية.
لندن ـ «القدس العربي»: كشف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة نهاية الأسبوع الماضي في لجنة خاصة في البرلمان بنهج الجزائر خطوات تصعيدية من أجل الحرب ضد المغرب. تصريح يعتبر مفاجئا وفي الوقت ذاته، غير مفاجئ حسب القراءات والتأويلات. وأعطى التصريح الانطلاقة لسيل من المقالات في الصحافة العربية والدولية للحديث عن فرضية الحرب بين البلدين.
وتأتي تصريحات بوريطة لتلقي الضوء على نزاع قابل للانفجار مثل البركان الخامد الذي ينفجر فجأة، وفي سياق دولي يتميز باندلاع الحروب مثلما يقع في أوكرانيا وروسيا وكذلك في الشرق الأوسط بعد أحداث 7 أكتوبر، ونزاعات مسلحة أخرى مثل منطقة الساحل الأفريقي والسودان. وتجهل بالضبط التعابير والمصطلحات التي استعملها بوريطة لأنها حدثت أمام لجنة برلمانية كانت تناقش ميزانية الخارجية. وجرى نقل الخبر عن مصادر كانت في الاجتماع. إذ أن التصريح حول إعداد الجزائر للحرب لم يصدر عن المؤسسة الملكية ولا عن قيادة الجيش ولا عن رئاسة الحكومة، ولا في جلسة برلمانية علنية يتم فيها استعراض جميع حيثيات هذا الموضوع الشائك. وبهذا، لا يرقى التصريح إلى إعلان مؤسساتي خطير، لكن لا يمكن التقليل منه، فهو صادر عن وزير من وزراء السيادة وربما يعكس مضمون تقارير حكومية واستخباراتية وعسكرية. كما يجب استحضار تصريحات المسؤولين الجزائريين ومنها تصريح الرئيس عبد المجيد تبون الذي قال في حوار تلفزيوني يوم 30 كانون الأول/ديسمبر 2022 إنه «أمام تفاقمِ التوترِ بين المغرب والجزائر سنة 2021 كانت القطيعةُ الدبلوماسيةُ هي الحلَ الأمثلَ لتجنبِ الحرب».
وعموما، هذا لا يمنع من وجود واقع ميداني مقلق يشير إلى فرضية الحرب وهو ارتفاع تلميحات مسؤولي البلدين، وتجييش أطراف داخلية مغربية وجزائرية بل حتى أجنبية تشجع على هذه الحرب، ثم حشود عسكرية على الحدود البرية المشتركة، ما يجعل كل انفلات عسكري مثل عمل عسكري ولو ليس متعمدا كافيا لانفلات الأمور من السيطرة السياسية والدبلوماسية.
في الوقت ذاته، توجد عناصر تبرر الحديث عن الحرب وهي: أولا، استمرار دعم الجزائر عسكريا لجبهة البوليساريو، حيث ارتفعت هجمات هذه الحركة ضد الجيش المغربي في الصحراء ومنها الهجوم الأخير على ضواحي بلدة المحبس. وفي عنصر آخر، الرواية الجزائرية التي تفترض تورط المغرب في مخطط دولي رفقة دول أجنبية منها إسرائيل والإمارات العربية لضرب استقرار هذا البلد المغاربي. وهذا قد يحيل على فرضية تنفيذ هجوم استباقي من طرف الجزائر.
ورغم وجود عناصر قابلة للتسبب في انفجار الوضع، تبقى فرضية وقوع الحرب بين المغرب والجزائر مستبعدة سواء اعتمادا على التاريخ وعلى حرص ووعي قيادتي البلدين بشأن خطورة هذه الحرب على وضعهما ومستقبل البلدين. ومن أهم ما يمكن استعراضه في هذا المجال هو:
في المقام الأول، العلاقات المغربية-الجزائرية متوترة منذ ستين سنة، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة، وقعت حرب واحدة بينهما وهي حرب الرمال سنة 1963 وكانت بخسائر بشرية ومادية محدودة جدا لكن تأثيرها السياسي والنفسي لم يندمل حتى الآن. ووقع تبادل للنار في منتصف السبعينات بسبب نزاع الصحراء في الحدود المشتركة، وتمت السيطرة على الأوضاع ولم تتطور إلى حرب حقيقية رغم أن الأوضاع وقتها كانت جد متفجرة.
في المقام الثاني، وقعت حرب واحدة بين البلدين وهي حرب الرمال المشار إليها، بينما جميع حروب المغرب وطيلة قرون كانت ضد الدول الأوروبية التي حاولت غزوه واستعماره ومنها البرتغال التي احتلت شواطئه ثم بريطانيا التي احتلت طنجة في القرن السابع عشر ولاحقا ضد إسبانيا وفرنسا، ومن أبرز الحروب ضد فرنسا حرب إيسلي وحرب ورغة، وضد إسبانيا حرب تطوان وحرب أنوال. ومن جهتها، وقعت معظم حروب الجزائر مع إسبانيا التي احتلت وهران وحاولت احتلال الجزائر العاصمة سنة 1775 ولاحقا سقطت الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي ما بين 1830 إلى 1962 حيث خاضت ضده حروبا دموية.
في المقام الثالث، رغم التوتر الجزائري-المغربي، فالمغرب يعتبر إسبانيا هي العدو الحقيقي لأنها هي التي تسبب في نزاع الصحراء أكثر من الجزائر وإن كانت الجزائر الآن هي التي تمول جبهة البوليساريو. وحاولت إسبانيا التهجم العسكري على المغرب سنة 2002 في ملف جزيرة ثورة وما زالت تحتل أراضيه في سبتة ومليلية وهي سبب تمزيق وحدته الترابية منذ قرون. ويعد المغرب عدوا في العقيدة الإسبانية منذ قرون، بينما يعد في العقيدة الجزائرية «عدوا نسبيا ومؤقتا» بسبب الخلافات السياسية العميقة والظروف غير المناسبة. ومن جانبها، لا ترى الجزائر في المغرب العدو الحقيقي بل «عدوا مؤقتا» بينما تتخوف من هجوم غربي عليها بحكم تحالفها المتين والاستراتيجي مع كل من الصين وخاصة روسيا، ويبقى الغرب قلقا للغاية من سياسة الجزائر العسكرية، لأنه لا يمكن قبول دولة عربية ذات قوة في جنوب المتوسط. وتعاني دول أوروبية ومنها فرنسا من قوة تركيا التي تنافس باريس في مناطق مثل الساحل الأفريقي وليبيا، ولا ترغب فرنسا في تركيا جديدة في شمال المغرب. وكانت الجزائر قد توجست من هجوم غربي عليها لتغيير النظام القائم إبان الربيع العربي في تكرار لسيناريو ليبيا، ولهذا، سارعت روسيا وقتها إلى تزويد الجزائر بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة إس 400 لمنع أي محاولة غربية في هذا الشأن.
في المقام الرابع، يدرك المغرب والجزائر أن حربا بينهما ستعني تدمير بعض البنيات التحتية ثم الاستنزاف العسكري المتبادل بدون تحقيق أي طرف نصرا حقيقيا، لأن مواصلة الحرب يعني التوفر على موارد عسكرية ضخمة خاصة من الذخيرة، ويعاني العالم الآن من ضعف الذخيرة. ونرى كيف أن روسيا تضطر إلى الاستعانة بذخيرة من الصين وإيران وكوريا الشمالية لكي تحافظ على الضغط العسكري على أوكرانيا.
في غضون ذلك، لا يمكن استبعاد وقوع مناوشات عسكرية في حالة انفلات عسكري بسيط، لكن من الصعب أن تتطور إلى حرب حقيقية وطويلة، بل ستبقى محدودة مثل المناوشات العسكرية بين الهند وباكستان بين الحين والآخر.