كل حملة انتخابات تجلب معها تجديداً في القاموس السياسي. إذا كانت الموضة في الجولة السابقة هي “الوحدة” فإن موضة هذه المرة هي “التصويت الاستراتيجي”. هناك من يقترحون إضعاف “أزرق أبيض”، وهناك من يريدون ضمان بقاء “ميرتس”، وهناك من يعتقدون بأنه إذا لم يعترف يائير لابيد بأنه يريد أن يكون رئيساً للحكومة، نعم سيكون. لكن المضحك في فكرة “التصويت الاستراتيجي” هو أن من يدعون له في الواقع يتحدثون عن “تصويت تكتيكي”. أي يقلقون من كيفية تغيير أو إبقاء نتنياهو في الحكم، ولا ينشغلون في مسألة كيف سيؤثر تصويتهم على المدى البعيد.
إذا كنا نتحدث عن استراتيجية، من يريد تصويتاً بفرصة كبيرة في إصلاح إخفاقات الدولة، من اليمين واليسار على حد سواء، يجب أن ينتخب منصور عباس.
التحليل السياسي الدارج بالنسبة لعباس يتناول في الأساس سخرية التحالف المحتمل بينه وبين نتنياهو. على الصعيد الشخصي للسياسة، هذا صحيح. بيبي وجد في عباس من يمكنه أن يؤيده من الخارج أو من الداخل، على خلفية الصراع بينه وبين القائمة المشتركة. على مستوى آخر للأمور، يستند هذا التحالف إلى احتمالية واقعية، لأن شيئاً ما أكثر عمقاً يجري في إسرائيل: بعد 71 سنة على إقامة الدولة، من الصعب ملاحظة أن عرباً ويهوداً بدأوا يدركون بإمكانية العيش معاً، حتى بدون أي صلة بالخلافات بالنسبة للمسألة الفلسطينية أو إلى جانبها.
يلاحظ التعايش المتزايد في كل مجالات الحياة: ففي الحملة السابقة لمنتخب كرة القدم، انقسمت التشكيلة تقريباً بصورة متساوية بين اليهود والعرب، دون أن يثير هذا الأمر أي تحفظ جماهيري. بالعكس، آلاف المعالجين من كورونا، الذي لم يميز بين اليهود والعرب، شعروا أن المستشفيات، المكان الأكثر أهمية في الحياة، هي فضاء مشترك. بين يافا و”رمات افيف” يمكننا رؤية المزيد من الفلسطينيين من مواطني إسرائيل في أماكن العمل وأماكن الاستجمام المشتركة. وتحول العنف في المجتمع العربي إلى موضوع يصل أيضاً إلى عناوين وسائل إعلام التيار العام، الأمر الذي شجع عدداً غير قليل من اليهود للانضمام إلى المظاهرات في أم الفحم.
هذا الربط، الذي يحدث بالتحديد في عهد حكم يميني مستمر، يحدث بسبب الواقع، بدون هندسة اجتماعية وبدون مساعدة من الحكم. ولكن إذا كان لهذا الربط خاتم سياسي، فسيكون هذا هو التطور المهم في المجتمع الإسرائيلي، ويجب أن لا يهتم أي يساري عاقل إذا زاد نتنياهو، لاعتبارات ساخرة، الاستثمار في القرى العربية مقابل تأييد عباس. بالعكس، التحالف بين اليمين ومنصور عباس هو أهم من وجود ابتسام مراعنة في الكنيست. لأنها بالمعنى العميق أشكنازية شابة من وسط تل أبيب أكثر مما هي ممثلة لأغلبية الجمهور العربي.
التحالف بين منصور عباس واليمين مهم أيضاً لأنه لم يُبنَ من موقف أبوي مثلما كانت الحال في زمن مباي، أو من تطلع مثالي للتعايش. هذه صفقة بين طرفين يحتاج أحدهما إلى الآخر بدرجة متساوية. لذلك، بإمكان هذا التحالف أن يشكل واقعاً. إضافة إلى ذلك، بعد أن قام اليمين بشرعنة عباس، استجمع لبيد ورؤساء اليسار الشجاعة وعرضوا القائمة المشتركة كشريكة شرعية. أيضاً إذا كان لكتلة اليسار أي احتمال حقيقي، فمن المعقول أن ينضم منصور عباس إليها في النهاية، رغم قصة الغرام مع نتنياهو.
لذلك، التصويت لـ”راعم” لحظة نادرة يمكن أن نجمع فيها، حرفياً، مصالح يمينية ويسارية على حد سواء. ليس بالمعنى التكتيكي، بل بالمعنى الاستراتيجي.
بقلم: آفي شيلون
هآرتس 23/3/2021