رغم قطار الغلاء الذي يدهس الجميع… الأزمة لن تحل بين يوم وليلة وقد تستغرق سنوات

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: تستيقظ “إسرائيل” حكومة وشعبا بمرور الوقت على حقيقة تملأ الكون وضوحا، وليس بوسع مراقب انكارها.. الأجيال الجديدة من “أطفال الحجارة” كبروا وشبوا عن الطوق وتعلموا أرقى فنون القتال دون معلم.. لم يلتحقوا بأي من الأكاديميات ولا الكليات العسكرية التي تملأ الوطن العربي شمالا وجنوبا، كما لا يحمل أي منهم على صدره أو كتفيه أطنانا من النياشين، كما هو الحال في كثير من عواصمنا، وعلى الرغم من ذلك باتوا يمتلكون القدرة على إلحاق الألم بالعدو، وأضافوا لفنون الحروب نظريات باتت تعجز المحتل وتجعله يفكر جيدا قبل أن يقرر التطور في غزو جديد. إذ امتلكت “الذئاب المنفردة” القدرة على تلقين العدو دروسا قاسية رغم كلفة الدم الفلسطيني، فيما لم تحظ إحدى نسخ الحروب الموجهة نحو “جنين” باهتمام يتناسب مع عظم الجريمة أو فداحة التضحيات.
ومن أبرز التصريحات المفعمة بالتفاؤل: التقى العاملون في ديوان عام وزارة الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، في أول يوم عمل بعد الانتقال الكامل للعمل من مقر الوزارة في العاصمة الإدارية الجديدة. وكشف جمعة عن بدء العمل الرسمي كاملا من العاصمة الإدارية الجديدة، وهو بالطبع يوم لا ينسى ولن ينسى في تاريخ الأوقاف، وهو انتقال حقيقي نحو الإدارة الحديثة والجمهورية الجديدة، وأكد أهمية التحلي بروح العمل الجاد والإنجاز والإتقان وبذل أقصى الجهد، والعمل بنظام المبادأة والمبادرة والتطوير المستمر، والمتابعة الدورية، مؤكدا أهمية مراعاة التسلسل الإداري والقيادي والانضباط الوظيفي. ومن قلب العاصمة الإدارية، أيضا من المقرر أن يعتمد الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، نتيجة الدبلومات الفنية للعام الدراسي المنتهي. ومن الأخبار العامة: أختارت الخارجية المصرية عمرو الحمامي سفيرا لها في أنقرة، بينما رشحت تركيا السفير صالح موتلو شن سفيرا لها في القاهرة، يعكس القرار رغبة الدولتين في تأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد، وتعكس عزمهما المُشترك على تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبين المصري والتركي، ومن جانبه رحب أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالتحسن الذي طرأ على العلاقات المصرية التركية، الذي انعكس في ترفيع العلاقات بين البلدين ورفعها إلى مستوى السفراء، وقيام كل جانب بترشيح سفير في هذا الصدد.. ومن أخبار القلعة البيضاء: وجه مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك رسالة تحية إلى جماهير النادي الأهلي بعد رفضهم التعاقد مع إمام عاشور لاعب الأبيض السابق وميتيلاند الدنماركي الحالي. وقال منصور: أنا سعيد بجمهور الأهلي إللي عنده كرامة وكبرياء. ده الجمهور اللي أنا احترمه وعندي الملايين من جمهور الزمالك المحترمة أيضا”. وواصل: “وكانت جماهير الأهلي في مباراة فريقهم السابقة أمام فيوتشر هتفت قائلة:” إمام عاشور مش عايزينه، صالح سليم مش ناسيينه وذلك بعد أنباء تفاوض الأهلي مع إمام عاشور بسبب هتافات اللاعب السابقة ضد الأهلي وصالح سليم رئيس القلعة الحمراء الأسبق.
لن تنجو

العدوان الإسرائيلي على مخيم ومدينة جنين بالضفة الغربية، حلقة جديدة في مسلسل طويل ومتكرر من حلقات العنف والتصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، الذي لا يمكن له أن يحقق أي أهداف، فالعنف يولد العنف المضاد ومزيدا من المقاومة الفلسطينية، كما انه يهدد وفق ما أوضحت صحيفة “الأهرام” في افتتاحيتها الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويعكس عدم وجود إرادة حقيقية إسرائيلية في تحقيق السلام، وإنهاء دوامة العنف والتصعيد المستمرة منذ سنوات، التي يدفع ثمنها الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين، الذين يواجهون ظروفا قاسية بسبب العدوان واستهداف المدن والقرى الفلسطينية وتدمير البنى التحتية من شبكات مياه وكهرباء ومنشآت صحية وتعليمية وهدم المنازل وفرض الحصار على تحركات الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، إضافة إلى سياسة اقتحام المسجد الأقصى، وتهويد القدس وبناء المستعمرات في الضفة الغربية، وكلها سياسات تمثل نهجا راسخا للحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تضم عناصر متطرفة تسعى إلى إثارة الفتنة والتصعيد وتحقيق أجندات ومخططات قديمة، والعمل على القضاء على أي فرص للسلام وإقامة الدولة الفلسطينية، وتقود المنطقة إلى حافة الهاوية. والواقع أن ما تقوم به إسرائيل من سياسات عدوانية ضد الشعب الفلسطيني، يعكس أزمة الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتوجهها نحو خيار التصعيد لتحقيق أهداف سياسية داخلية، ومحاولة الهروب إلى الأمام تحت زعم القضاء على ما تعتبره تهديدا لأمنها القومي. كما أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتعلم الدرس جيدا، وهو أن التصعيد والعدوان لن يوفر الأمن والاستقرار لإسرائيل، وإنما السبيل الوحيد لتحقيق الأمن للمواطنين الإسرائيليين هو استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود 1967 في إطار حل الدولتين، والتوقف عن كل السياسات العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. ولا شك في أن الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا جراء العملية الإسرائيلية في جنين ينضمون إلى قائمة الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا ضحية العدوان الإسرائيلي منذ بداية هذا العام ويقاربون 200 شخص. كما أن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني يتطلب ضرورة توفير الحماية الدولية للفلسطينيين ضد هذه الممارسات، كما يتطلب ضرورة تحرك المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة لوقف هذا العدوان، ودون ذلك فإن دوامة العنف لن تتوقف وسيدفع ثمنها الجميع.

الصمت الدولي

جريمة حرب جديدة تضيفها إسرائيل لسجلها الحافل بهذه الجرائم. تابع جلال عارف في “الأخبار”: تحشد إسرائيل قواتها العسكرية وتستعين بالمدرعات والطائرات الحربية والطائرات المسيرة لتقصف المدنيين، وتهدم البيوت وتقتل الفلسطينيين، أو تعتقلهم في معسكر اللاجئين في جنين داخل الضفة الغربية. جريمة حرب كاملة للوزير الإرهابي سموتريتش الذي أصبح مسؤولا عن شؤون الضفة الغربية في حكومة زعماء عصابات التطرف، بأنها تستهدف «استعادة قوة الردع الإسرائيلية» التي تآكلت مع تصاعد المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال الصهيوني، الذي هو في حد ذاته جريمة حرب مستمرة يشارك فيها كل من يدعم إسرائيل ويمدها بأسباب القوة، ويحميها من العقاب الدولي على جرائمها التي لا تتوقف. حصيلة الشهداء في مخيم «جنين» ترتفع كل لحظة، وحجم الدمار يتضاعف العدوان الإسرائيلي هو الأكبر منذ عشرين عاما. والنتيجة – مهما حدث – هي أن أجيالا جديدة تنضم لصفوف المقاومة، وأن الضفة الغربية لن تستسلم لمخططات حكومة نتنياهو وزعماء عصابات اليمين التي تريد أن تزرع الضفة بالمستوطنات اليهودية، وأن تدفن حل الدولتين بصورة نهائية. يتهمون «جنين» بأن شبابها يهاجم المستوطنين، ولا يذكرون أن الاستيطان جريمة، وأن المقاومة حق، ولا يفهمون أنهم يلعبون بالنار التي ستحرقهم مهما كان حجم التواطؤ من قوى كبرى تدعي الدفاع عن قيم الحرية وتقرير المصير، هل المطلوب من الشعب الفلسطيني أن يقدم الورود للمستوطنين الذين يغتصبون أرضه؟ وهل الجريمة هي الاحتلال أم مقاومته؟ وبماذا توصف حكومة نتنياهو وزعماء عصابات اليمين التي يقول قادتها أن أمام الفلسطينيين أن يختاروا بين ثلاثة حلول: الرضوخ للاحتلال، أو الهجرة، أو القتل؟ وهل يستمر الصمت الدولي على جرائم إسرائيل و«الفيتو» الأمريكي الذي يمنع عقابها؟ المؤكد الوحيد أن الضفة الغربية كلها مثل «جنين» وأن جرائم الاحتلال لن تقتل المقاومة، وأن إسرائيل تضع العالم – وفي المقدمة أمريكا – أمام اختبار لن تنفع معه بيانات الأسف (أو حتى الاشمئزاز) من جرائم إسرائيل دون محاكمة وعقوبات دولية، ودون مواجهة للجريمة الاساسية والمستمرة وهي الاحتلال الصهيوني العنصري.
ليتها تعود

هناك سؤال يتردد في الشارع المصري الآن: هل يمكن أن تعود أسعار السلع كما كانت يوما قبل الأزمات الأخيرة؟ يجيب فاروق جويدة في “الأهرام”: كانت هناك مبررات للزيادات المهولة في أسعار السلع وهي محنة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والواضح الآن أن كورونا تجمع أوراقها وترحل، وأن الحرب على أبواب النهاية.. ولا شك في أن الإجابة عن هذا السؤال توجد لدى الحكومة والتجار.. والشيء المؤكد أن الحكومة تفعل كل ما باستطاعتها، وأن التجار لم يفعلوا شيئا.. وهنا يصبح من الصعب عودة الأسعار القديمة، والأرجح أنها سوف تشهد ارتفاعات جديدة، أمام أزمات تهدد الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ما تعانيه الدول الكبرى. وسوف تبقى التوقعات في نطاق ترشيد الاستهلاك ووضع ضوابط للاستيراد حتى تستطيع الدول أن تتحمل أعباء المرحلة.. كان ينبغي أن تكون هناك مواجهة أكثر حسما في قضية الأسعار من بداية الأزمة، وأن يكون التجار أكثر رحمة بالمواطنين.. المطلوب من المواطن الآن أن يعيد حساباته مع أعباء الحياة والتزاماتها، وأن يبحث عن حلول سريعة لكي يواجه الظروف، وما تتطلبه من إجراءات ومواقف.. الأزمة لا تخص دولة، ولكننا أمام اقتصاد عالمي يتراجع وأعباء لا تقاوم، ولهذا ينبغي ألا نحلم بما كان.. الأزمة الاقتصادية العالمية لن تترك أحدا ابتداء بأمريكا وأوروبا وانتهاء بالدول النامية.. وليس لدى أحد موارد أو معونات يقدمها الآن فقد انتهى زمن المنح والهبات، وعلى كل دولة ترتيب أوراقها حسب مواردها وإمكانات شعبها.. وعلينا أن ننتظر ما يستجد من الأحداث، لأن الأزمة لن تحل بين يوم وليلة وقد تستغرق سنوات.. سوف يعاني الغرب كثيرا في أزمة العملات والبطالة ونقص السلع، وسوف تعيش الدول النامية محنة قاسية، وعلى العالم أن ينتظر مستقبله الغامض.

لحمة المونورويل

في البداية، توجه أمينة خيري في “المصري اليوم” تحية كبيرة وجليلة للمواطن المحترم الإيجابي الذي التقط صورة للجزار، الذي لم يجد أفضل من العمود الخرساني للمشروع الوطني الذي تكلف مليارات من عرق المصريين وضرائبهم وقوتهم ليخرمه ويعلق عليه بضاعته من اللحم، ولم يجد غضاضة أو فجاجة أو سماجة في أن يملأ الرصيف بدماء بضاعته، وحمّلها على منصات الـ«سوشيال ميديا». على الرغم من أننا خرقنا الخيال، وضربنا به عرض الحائط في ما يختص باستخداماتنا لـ«السوشيال ميديا» التي خربت للكثيرين أدمغتهم وبيوتهم وحياتهم عبر الإفراط والمبالغة والإغراق، أو تحويلها إلى منصة تكفير أو ساحة شرشحة وسوقية، أو أداة اغتيال معنوي لمن نناصبه العداء أو الخلاف.. إلا أن ما أسفرت عنه الصورة من ردود فعل يستحق العناء. رد فعل تغريم الرجل وتوقيع مخالفة عليه هو أحد ردود الفعل وليس كلها. وأتمنى ألا تخفف الغرامة (إن صحت)، وأن يكون عِبرة لغيره الكثيرين ممن يتصرفون تصرفات شبيهة، لكن ينفذون بأفعالهم دون مراقبة أو محاسبة، بل دون أن تلفت أفعالهم نظر أحد، بعدما اعتدنا القبح والفوضى في أقبح وأقصى صورهما في منظومة الشارع. ردود فعل الناس جديرة بالتوقف لمن أراد فهم ما يجري وما جرى في ثقافتنا وما يتحكم في عقولنا وقلوبنا في العام 23 في الألفية الثالثة. بالطبع، آفة عذر الغُلب القاتل باتت طاغية.. «حرام ده غلبان»، و«معلش علشان الأيام المفترجة»، و«إيه المشكلة يعني كل الناس بتعمل أو بتدبح كده.. ده غلبان».. وغيرها من حجج الغُلب القاتل تملأ الأثير.

وعي غائب

الغريب والعجيب الذي توقفت عنده أمينة خيري حالة التجاهل التام التي يبديها المواطن تجاه التقارير الموثقة الصادرة من الأطباء ليلا ونهارا على قنوات التلفزيون والإذاعة من التعامل مع اللحوم والدواجن النيئة، وضرورة تطهير سطوح وأحواض المطبخ جيدا بعدها، وغسل الأيدي بالماء والصابون والمطهرات مرارا، لسببٍ ما تختفي حين يتعلق الأمر بلحوم الأضاحي. نذبح في الشوارع والحارات والبلكونات ومداخل البيوت، مش مشكلة. صحيح هناك قوانين وعقوبات، لكن جميعنا يعلم أن الغالبية تذبح في عرض الشارع دون عقاب، بل بكثير من الترحاب. ربما قَلّت مشاهد الذبح في الطرقات هذا العام بسبب الأوضاع الاقتصادية، لكن الثقافة ثابتة ومتجذرة.. ثم ننتقل إلى تعامل البعض مع مشهد «لحمة المونوريل» من منطلق سياسي أو انتقامي بحت. أضرب كفا بكف حين أجد متعلمين أو مثقفين أو أصحاب رأي وتوجهات ومواقف معارضة أو منتقدة لبعض المشروعات الكبرى، يترجمون مواقفهم تلك تهليلا وابتهاجا وانشراحا حين يلحق أذى أو تقع مصيبة، أو يحدث ضرر لما يعارضون، وكأن الضرر الذي لحق بالمال العام نصر مبين لهم. أتفهم وأحترم تماما الاختلاف في الرأي، وحق الجميع في أن يعتبر هذا أولوية، وذاك أمرا يحتمل الإرجاء.. فهذا حق للجميع.. لكنّ فرقا كبيرا بين أن أعارض مشروعا وأن أفرح بسبب ضرر لحق به، رغم أن المشروع مال عام. قليلٌ من النضج لا يضر.
محترف أباطيل

على عادة الدكتور محمود خليل في “الوطن” في جلب العبر من الأمم السالفة علنا نستفيد كتب يقول: ظهر من رحم بني إسرائيل، بعد خروجهم من مصر، شخص أقرب ما يكون إلى «النبي الكاذب» الذي استطاع أن يلعب لعبة خداع كبرى امتلك بها عقل من قادهم نبى الله «موسى» إلى النجاة من بطش فرعون مصر.. إنه «السامري». كان «موسى» قد ذهب لميقات ربه حتى يتلقى منه التوراة، وعهد إلى أخيه «هارون» رعاية مَن معه من بني إسرائيل. ورغم ما تميز به «هارون» من إيمان عميق بالله وحكمة وحصافة، جعلت موسى يطلب من الله أن يصحبه معه حين أمره بالذهاب إلى فرعون، إلا أنه افتقر إلى القوة والقدرة على السيطرة التي امتاز بها «موسى». خرج بنو إسرائيل من مصر ومعهم حلي أقباطها، وقد كان من عادتهم أن يستعيروا الحلي منهم، ما يدلك على أن أفراد الشعب العاديين من أهل مصر لم يكن لديهم مشكلة في التعامل مع الأغيار، وأن العلة كانت في موقف فرعون مصر منهم. نظر «السامري» إلى «زينة المصريين» وأيدي بنى إسرائيل تتناولها، فعزم في نفسه على أمر، إذ طلب من كل من لديه الحليّ الخاصة بالأقباط أن يأتيه بها، ليصنع لهم إلها مجسدا، ولعلك تعلم أن بنى إسرائيل سبق أن طلبوا من «موسى» بعد الخروج أن يصنع لهم إلها، مثل غيرهم من الأقوام الوثنيين.. يقول تعالى: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ».. ويدلك ذلك على أن دعوة التوحيد لم تكن قد تمكنت من قلوب بني إسرائيل بعد، وأن عدوهم وراء «موسى» لم يكن مرده الإيمان، قدر الرغبة في النجاة من ضغوط فرعون عليهم.

يرقصون أمام عجل

كان «السامري» كما تأمل الدكتور محمود خليل سيرته قد شاهد أمين الوحي جبريل وهو يُغرق فرعون وجنوده في البحر، فهرول وراء فرسه وقبض قبضة من أثر ركضه على التراب، واحتفظ بها، ثقة منه بأن فيها سرا قادرا على صناعة المعجزات، وعندما دعا بني إسرائيل إلى جمع ما استولوا عليه من حلي الأقباط المصريين صنع منها عجلا، ثم قذف بأثر فرس أمين الوحي فيها، فإذا بالعجل الذهبي يتحول إلى عجل حقيقي جسد له خوار: «فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ». تحلق بنو إسرائيل حول العجل، وأخذوا يرقصون فرحين، والإشارات التي تشتمل عليها آيات القرآن الكريم تؤشر إلى أن العجل كان حقيقيا «جسدا له خوار»، لكن بعض المفسرين يذهبون إلى أنه لم يكن كذلك، بل كان مفتوحا من مقدمته ومؤخرته، وكانت الريح تمر منه فيصدر عنه صفير يشبه خوار الثور. عاد نبي الله «موسى» فوجد بني إسرائيل قد ضلوا وعبدوا العجل من بعده، فغضب غضبا شديدا، وأمسك بأخيه «هارون» من لحيته ورأسه معاتبا، فتعلل الأخير بخشيته التفرقة بين بني إسرائيل، وتعلل بنو إسرائيل بالسامري، الذي أضلهم بعد هدى، وما كان من موسى بعدها إلا أن أعاد قومه إلى رشدهم، وحكم على «السامري» الكاذب بالطرد. تظل قصة السامري عنوانا على الأفاقين والكذبة في كل العصور، وهم جزء من أقدار الله في هذه الحياة. إنهم يستطيعون خداع الناس لبعض الوقت، لكن سرعان ما ينكشفون.

سيكررون الجريمة

رغم تأكيد حكومة السويد، مؤخرا، إدانتها إحراق أحد الأشخاص، نسخة من القرآن، أمام مسجد ستوكهولم الكبير، وأنَّ مَن قام به معاد للإسلام، إلا أنها نسيت أو تناست، وفق ما يراه محمود زاهر في “الوفد” علمها المسبق وموافقتها الرسمية على هذا الفعل الشنيع، تحت شعار «حرية التعبير حقٌ محميٌّ دستوريا» تأكيدٌ لا قيمة له، جاء ردا على غضب شعبي إسلامي، أعقبه بيان هزيل لا قيمة له أيضا، أصدرته منظمة التعاون الإسلامي، تدعو فيه أعضاءها الـ57، إلى «اتخاذ إجراءات لمنع تكرار أفعالٍ مماثلة»، و«تطبيق القانون الدولي لحظر الكراهية الدينية». هذا الأمر سيمر مرور الكرام، وستُطوَى صفحته سريعا، كما حدث مع تكرار الإساءة إلى النبي محمد، لكن طوفان «مَوْجات الكُرْه» الممنهجة، وتوظيف ظاهرة «الإسلاموفوبيا» المتنامية ـ للمسلمين وحدهم على امتداد العالم ـ لن تتوقف في المستقبل القريب.. أو حتى البعيد، ربما لم تبرح الذاكرة، ما حدث في يناير/كانون الثاني الماضي، بالسماح للزعيم الدنماركي اليميني المتطرف، راسموس بالودان، بإحراق نسخة من القرآن، أمام سفارة تركيا في ستوكهولم.. الذي لم يكن حادثا عابرا، أو غير قابل للتكرار فإن تسمح سلطات السويد، أول أيام عيد الأضحى، بتظاهرة لإحراق نُسَخٍ من القرآن الكريم، فذلك يعكس ما وصلت إليه تلك الحكومة ونظيراتها الغربية، من إفلاس أخلاقي وسياسي، واستفزاز لأكثر من ملياري مسلم حول العالم.

لا يعبؤون بإهانتنا

توقف محمود زاهر عند عدد من الحقائق المؤلمة: لقد أصبح جرح الغرب لمشاعر المسلمين «أمرا اعتياديا»، كما يأتي في سياق سلسلة من التطاول المشين على الإسلام ومقدساته ورموزه، ولذلك فإن استمرار تلك التصرفات الحمقاء والسماح بها، يزيد انتشار الخطاب الشعبوي في الغرب، القائم على الكراهية والعنصرية، والتحريض والإساءة للأديان والمقدسات. خلال العقدين الماضيين، لاحظنا تزايدا كبيرا في تنامي التطرف الأصولي الغربي، لتتعالى صيحات العنصرية البغيضة من أفواهٍ كريهة، بما تحمله من أفكار ونظريات حاقدة، باعتبار الإسلام «خصما»، و«مصدرا رئيسيا للعنف والإرهاب» ما حدث مؤخرا، من تحقير وإهانة للمسلمين ورموزهم ومقدساتهم، سيساهم في انتشار وتأجيج مشاعر الكراهية، خصوصا في ظل «الممنوع» و«المسموح»، حيث رفع علم النازية «ممنوع»، والتشكيك بالمحرقة «ممنوع»، وحرق علم الشواذ «ممنوع».. أما حرق القرآن الكريم فذلك «حرية تعبير» إن السماح رسميا بتظاهرة لإحراق نُسَخٍ من القرآن، يدل على الحقد والكراهية والعنصرية، في تلك البلدان «المتحضرة»، وجريمة متعمَّدَة للتحريض، لا تمت بِصِلَة، لحرية الرأي والتعبير والمعتقَد، التي صدَّعت رؤوسنا بها الدول الغربية أخيرا.. آن الأوان لكي يتحمل الجميع مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية ـ سواء أكانت حكومات أو منظمات دولية ـ من خلال وقفة جادَّة تُجَرِّم كل أشكال الكراهية والتطرف ومحاسبة مرتكبيها، وكذلك من يدعمهم أو يؤيدهم. يقول الشيخ محمد الغزالي: «ما أصاب الإسلام في عصرنا والعصور السابقة، لا يُسأل عنه أعداؤه بقدر ما يُسأل عنه أبناؤه».

بطيخة غنيم

وائل غنيم أحد رموز ثورة يناير/كانون الثاني الذي عاد مؤخرا إلى القاهرة واهتم بظهوره الأحدث عبد القادر شهيب في “فيتو”: كان يمكن أن تكون عودته أمرا عاديا مثل عودة مواطنين عاديين إلى بلدهم بعد غياب عنها طال لسنوات، لكن وائل غنيم آثر أن تكون عودته مختلفة ويثار حولها من الكلام الكثير.. ولما لا، أليس وائل الأدمن الثاني مع شريكه الإخواني لصفحة خالد سعيد، التي لعبت دورا مؤثرا في حشد المتظاهرين في الخامس والعشرين من يناير؟ لذلك عندما لم يلقَ اهتماما كافيا ما كتبه حول تآخر إجرءات خروجه من مطار القاهرة، رغم أنه كما قال قام بثورة، فإنه خرج على الناس بصورة له في أحد الأحياء الشعبية وهو يرتدي جلبابا ويحمل في إحدى يديه بطيخة، كما يفعل الكثير من الموظفين المصريين عند عودتهم إلى منازلهم بعد انقضاء دوام أعمالهم. وائل غنيم لم ينسَ خبراته الإعلامية التي اكتسبها خلال فترة التحضير لانتفاضة يناير/كانون الثاني، وهي الخبرات التي امتزجت فيها الخبرات الأمريكية والإخوانية معا، والتي جعلته يجيد استخدام دموعه وهو يظهر تلفزيونيا بعد الإفراج عنه بعد تدخل حسام بدراوي في ظل استمرار مطالبة المعتصمين بالتحرير بإسقاط النظام.. لكن هذه الدموع لم تضمن له استمرار الاهتمام الكبير الذي حظي به وقتها.. فقد مضت الأمور في اتجاه سيطرة الإخوان على الحكم، ولم يتذكروا شراكته مع أحد كوادرهم في إدارة أهم وأبرز الصفحات الإلكترونية خلال التحضير لما حدث في يناير 2011.. وحتى الاحتفاء الأمريكي به لم يستمر طويلا أيضا.. لذلك ظهر وائل قبل سنوات مضت في فيديوهات ونصفه الأعلى عارٍ ويقول كلاما غريبا، ثم وهو يهاجم الإخوان إذن بطيخة وائل غنيم وجلبابه في إحدى المناطق الشعبية وانضمامه لحملة حياة كريمة هي مشاهد جديدة لاستعادة الضوء الذي انحسر وخفت عنه.. لقد وجد وائل نفسه قبل نحو اثني عشر عاما نجما يشار إليه بالبنان.. لكن الأحداث التي عاشتها البلاد في ما بعد يناير لم تضمن استمرار سطوع نجوميته ما جعله يسعى لاستدعائها مجددا عبر بعض المشاهد الإلكترونية.

مقتل الصبي نائل

أحداث فرنسا الأخيرة خطورتها تكمن في الانقسام الذي كشفته داخل المجتمع الفرنسي، كما يرى عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، وأهميتها ترجع للحدود التي وضعتها دولة القانون والمؤسسات على هذا الانقسام، رغم الانقسام الإعلامي والسياسي في التعامل مع واقعة القتل المتعمد للصبي نائل على يد أحد رجال الشرطة إن كل من شاهد الحوار القصير الذي دار بين «نائل» ورجل الشرطة، وما نقله الشابان اللذان كانا بصحبته في السيارة، يكتشف حجم الترصد والغلظة التي تكلم بها الشرطي معه، بل إنه هدده منذ لحظة إيقاف السيارة بإطلاق رصاصة في وجهه، ما دفع الصبى للسير خطوات للأمام، فدفع حياته ثمن مخالفة مرور. والحقيقة أن هذا الحادث في مناخ سياسي صحي كان يمكن أن يعتبر جريمة قتل ارتكبها رجل شرطة منحرف، وتحدث في كل دول العالم ويُقدم المتهم للمحاكة وينال جزاءه. والحقيقة أن الوضع في فرنسا، كما في دول غربية أخرى، يعرف انقساما حادا بخصوص عدد من القضايا الاجتماعية والثقافية الكبرى، ومنها قضية المهاجرين والمواطنين من أصول مهاجرة. فرنسا تعرف انقساما تقليديا بين اليسار وأقصى اليسار، وبين اليمين وأقصى اليمين، وهناك – وهو الأهم- الرأي العام الذي تعاطف مع الصبي المقتول، كما لم يكتفِ برفض العنف والتخريب، إنما دعا 70% منهم إلى إنزال الجيش إذا لزم الأمر في الضواحي لوقف الاحتجاجات وأعمال التخريب. والحقيقة أن البداية كانت في إصدار أهم نقابتين للشرطة الفرنسية بيانا اعتبروا فيه أنهم في حرب، وحذروا من خطورة الحرب الأهلية، وهو تعبير صدم كثيرين، لأنه تجاهل أصل الموضوع، وهو قتل شرطي صبيا دون أي مبرر إلا لون بشرته، وربما اسمه، وهي جريمة عنصرية مكتملة الأركان. القوى الليبرالية واليسارية رفضت هذا البيان، ووصفته بوصف غير معتاد في فرنسا بأنه يدعو إلى “الفتنة” في حين دعمت قوى اليمين المتطرف مضمون البيان دون أن تعلن عن ذلك صراحة، وظلت تكرر حديثها عن أن المهاجرين سبب مشاكل فرنسا، وأن الضواحى هي مجرد مكان للعنف والجريمة، دون أن تطرح أي سياسات بديلة، واكتفت بالقول إن الحل في طرد المهاجرين غير الشرعيين، وطرد أي مهاجر يرتكب جريمة في فرنسا، في حين أن المشكلة أصبحت تتعلق أساسا بمواطنين فرنسيين من أصول مهاجرة لا يمكن إعادتهم لبلادهم. لقد اختلف التعامل مع جريمة مقتل الصبي من تيار إلى آخر، صحيح أن الجميع اتفق على إدانتها وأيضا إدانة عمليات العنف والتخريب، ولكن التباين جاء من أن هناك من ركّز فقط على حوادث العنف لتبدو وكأنها منبتة الصلة عن جريمة القتل، ولكي يتحملها فقط «المهاجرون»، في حين أن الواقع يقول إن العنف المرفوض نتاج أزمة عميقة بين شباب الضواحى والدولة، وأن الحفاظ على دولة القانون هو الذي سيحقق العدل والاستقرار، رغم الانقسامات السياسية.

جيل غاضب

اللافت في الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن فرنسية، من وجهة نظر طلعت إسماعيل في “الشروق” أن جزءا كبيرا من الذين وقفوا خلفها كانوا مراهقين لا تتجاوز أعمارهم 17 عاما، وهو العمر نفسه للشاب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية ــ المغربية نائل المرزوقي الذي أشعل مقتله برصاص شرطي في ضاحية نانتير الباريسية، الأحداث وأجبر السلطات الفرنسية على نشر 45 ألف شرطي قبل تراجع حدة العنف في اليوم الخامس. فحسب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان فإن متوسط أعمار من ألقي القبض عليهم هو 17 عاما، بينما أشار وزير العدل الفرنسي إريك دوبون موريتي إلى أن 30% ممن تم احتجازهم (1300 محتجز في يوم واحد فقط) لا تتجاوز أعمارهم 18 عاما، وأن من بين الموقوفين صبية في المرحلة الثانوية، وآخرون من عمال المطاعم والمقاهي، والأهم أن غالبيتهم ليس لهم سجل إجرامي، وفق العديد من التقارير الإخبارية. لكن أخطر ما رصدته وكالة الصحافة الفرنسية في أحد تقاريرها أن الشبان صغار السن المشاركين في الاحتجاجات، كانوا على درجة عالية من التنظيم، ويعتمدون طرقا منظمة للتعامل مع الشرطة، ففي أحد الأحياء الواقعة غرب باريس «تولت مجموعات شبابية مهمة مراقبة مداخل الحي لإخطار البقية عند رصد أي تعزيزات أمنية، في حين يتجول بين المجموعة والأخرى للغرض ذاته عدد من راكبي الدراجات النارية التي أخفيت لوحاتها، بينما تتوزع داخل الحي مجموعات رابعة مهمتها التصدي لقوات الشرطة وإطلاق المفرقعات والأسهم النارية باتجاهها.

مجتمع مفكك

الرئيس الفرنسي الذي يتابع تصريحاته بعناية طلعت إسماعيل اتهم مواقع السوشيال ميديا ومنصات ألعاب الفيديو بالضلوع في ما يجري، قائلا إن بعض الشباب «يطبقون في الشارع ما يعيشونه في ألعاب الفيديو التي سممتهم». ووجه ماكرون أصابع الاتهام تحديدا إلى منصتي «سناب شات» و«تيك توك»، معتبرا أن المنصتين «تثيران شكلا من أشكال محاكاة العنف، ما يؤدي في صفوف الأصغر سنا إلى شكل من أشكال الخروج من الواقع». اتهام منصات التواصل الاجتماعي لم يمنع الحديث عن الإحساس بالتهميش الذي عبّر عنه عدد كبير من الشباب المشاركين في الاحتجاجات «تنفيسا عن الغضب لشعورهم بالظلم»، بينما أرجع جزء آخر منهم الانخراط في الأحداث إلى تعامل الشرطة العنيف و«العنصري» مع أبناء الضواحي التي فشلت الحكومات الفرنسية في احتوائهم ودمجهم في المجتمع الفرنسي، إلى درجة اتهام تلك الحكومات باتباع سياسات «تجميلية» في التعامل مع العشوائيات التي يرقد فيها ملايين المهاجرين، خاصة المنحدرين من شمال القارة الافريقية. اتهام الشرطة الفرنسية بالعنصرية لم يكن على لسان المحتجين فقط، بل وجهته كذلك المتحدثة الأممية لحقوق الإنسان رافينا شمداساني التي طالبت فرنسا بمعالجة «مشكلات العنصرية والتمييز المتجذرة في صفوف قوات الأمن» وبين اتهام الشرطة بالعنصرية ودفاع باريس عن جهازها الأمني، فإن الثابت أن هناك شعورا، لا يمكن إنكاره، وسط أبناء الضواحي بالتمييز ضدهم، وعدم المساواة، رغم حديث فرنسا الرسمية عن خطط للدمج والصهر، لكن الواقع على ما يبدو بعيد عن تلك الأحاديث، ما يجعل المشكلة قابلة للتكرار، فالتهميش الذي يعيشه سكان الضواحي، سيظل قنبلة موقوتة قد تنفجر من جديد في رأي المراقبين. مخزون الغضب الذي عبر عنه المراهقون الفرنسيون، من أبناء الضواحي، بحرق وتدمير المؤسسات العامة، ونهب المحال التجارية، جرس إنذار ليس لفرنسا وحدها بل للعديد من البلدان التي لديها شرائح شبابية واسعة تعاني التهميش والظلم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية