رهاب العيد
ssعزت القمحاوي ssspp طرق بابا نويل لعوب أحد الأبواب محملاً بالهدايا، وفتحت له مُزّة بيضا حلوة الباب وشهقت: مرسي خالص يا بابا نويل!وأجابها مسبلاً عينيه: نويل .. نويل حاف من غير بابا ارجوك!النكتة المصرية افترضتها مخيلة ساخرة أو جاءت ناتج ترجمة وحوار ثقافات فيما أظن، فبابا نويل لايطرق أبواب المصريين، وقد أجبرت ذاكرتي علي تذكرها، في محاولة للابتسام عمداً مع سبق الإصرار والترصد، فلا أسباب موضوعية للسعادة، اللهم إلا إذا كان الاكتشاف المتأخر بأنني لست الوحيد الذي يعاني رهاب الأعياد. هناك حالة من الخجل من تبادل التهاني بالأعياد تزحف عاماً بعد عام، لأن الذين يعملون فقط من حقهم أن يتبادلوا التهاني، بينما نحن لم نفعل شيئاً لكي نستحق الفرح بالعيد، إذ تقضي الأمانة واستقامة الأخلاق منا الاعتراف بأننا ليس من حقنا أن نلوم جلادينا وحدهم.pppتأتينا الأعياد بغتة كل مرة، ونحن غير جاهزين للاحتفال، لامن زاوية الاستحقاق، ولا من زاوية القلب، ولا علي صعيد تحديد موقعنا الذي علينا أن نحتفل منه، هل نحتفل مع العالم بالكريسماس أم نكتفي بنحر الأضاحي في أعيادنا الدينية التي تتحول إلي أيام للفرز الطائفي؟ولماذا ننحر الأضاحي إذا كانت لم تنجح في افتداء أحد؟ هل هو نوع من الانتقام لموتنا الخاص، بعد أن تحولنا نحن إلي أضحيات حرام علي مذابح الاحتلال الأجنبي والاحتلالات الوطنية؟لا يختلف موت المصري عن السوداني والصومالي والعراقي والفلسطيني واللبناني إلا بكون الأول لايزال يتمتع بقدر من الأمان يسمح له بإقامة سرادقات العزاء لضحاياه، فقد ودع المصريون في العام الذي انتهي تواً عدداً من ضحايا حوادث المرور يدور حول الستمائة ألف روح، أي ما يناهز ضحايا غزو واحتلال العراق! أما ضحايا الفشل الكبدي فلا إحصاء دقيقا لهم، لأن شهداء فساد الطعام والشراب والهواء يحسبون عند النظام وفيات طبيعية، لكنني عندما أقيس علي عائلتي وحدها، وعدد من ودعتهم هذا العام أصاب برعب حقيقي فوق الحزن طبعاً.إذن يحتفل السعداء في العالم، ويحتفل اللصوص والفاسدون الذين يحققون الانتصارات الافتراضية في عناوين الصحف التابعة في ظل واقع يتدهور بفضل غباواتهم ونزواتهم وشراهتهم للسلطة والمال الحرام، أما الذين يمضون عامهم سيراً في الجنازات أو من يحرمون من السير في جنازات أحبائهم فلا يمكنهم أن يعودوا من ذلك لينخرطوا مباشرة في احتفال حقيقي من القلب. هي أدوار نمثلها، ويتعاظم وعينا بزيفها عاماً بعد عام، وتتزايد آلام الممثلين عيداً بعد عيد، لذلك فإن أكبر أمنياتي في كل هذه الأوقات المثيرة للأحزان أن أغفو في يوم عادي لأصحو في يوم عادي آخر، بعد أن تمر سحابة العيد في نوم سعيد قد أري فيه حلماً يبهجني. ليس في الصحو ما يسر، والصحف المصرية التي اخترعت عادة الصدور في الأعياد حتي لايفوتها سبق تصوير الرئيس في صلاة العيد، لاتجد بعد هذه المأثرة الخالدة ما تحشو به صفحاتها سوي حوادث العنف الأسري، الذي يصل حد التصفية الجسدية بسبب الخلاف علي تكاليف كعك العيد الصغير ولحم العيد الكبير! أن تتكاثف كل هذه الآلام وتحتشد في مواجهة الأيام التي ينبغي أن تكون عيداً ووعي المرء بهذا أمر مبهظ، والمبهظ للروح أكثر خذلان الأحبة الذين يتطيرون من انقطاع العادة، فلا يكون هناك من مفر من السير في الطريق نفسه ككل الماشين. لامفر من العودة إلي القرية، وهي حالة من حالتين يعود فيهما الريفي المقيم بالقاهرة إلي قريته: عندما يُعيِّد أو يموت. وكثيراً ما يخرج المصريون من بيوتهم القاهرية قاصدين قراهم من أجل الأولي، فيظفرون بالثانية في حادث قطار أو سيارة أو مركب. مالي صرت سخيفاً وأسود هكذا؟! كل عام وأنتم طيبون، فهناك لاشك أشياء حلوة، إن لم تكن موجودة فعلينا أن نأمل في وجودها. وعليّ شخصياً أن أعود للتدريب علي الرغبة في الاحتفال، لأن عواقب هذا الموقف الرافض صارت مؤذية علي الصعيد العملي، وأصارحكم الآن وأنا بين يدي الكريم، مسافراً علي أحد الطرق المصرية الخطرة أن كل إخفاقاتي العاطفية جاءت بسبب نسيان أعياد ميلاد حبيباتي، رغم الجهود الخارقة التي أبذلها في محاولة التذكر، رغم أنني أحببتهن دائماً والله، وحاولت دائماً أن أقول عام سعيد، مثلما أحاول الآن، مع يقين بأن القارئات والقراء أكثر تسامحاً وتفهماً. 0