عمان ـ «القدس العربي»: يمشي الأردن بوضوح ملموس سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا وحتى اجتماعيا بين حقل ألغام حقيقي زرعته في الخريطة والجغرافيا الحرب التي يشنها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة مجددا.
عملية المشي بين تلك الألغام تطلبت قدرا كبيرا من الحكمة والصبر والهدوء وضبط النفس وسط قناعة غالبية نخب القرار الرسمي بأن الرهان حاليا على التأسيس لمسافة تجعل ما بعد معركة طوفان الأقصى فيما يخص مستقبل القضية الفلسطينية أفضل بكل الأحوال عن ما قبلها.
رهان أردني سياسي كبير يمكن رصده على الاستثمار في الصراع الأخير وحالة الاصطدام بين جيش إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بمعنى الانتقال من محنة دموية مؤرقة أمنيا الأردن أكثر من يتأثر فيها، إلى منحة ما محتملة تعيد ترتيب الأوراق بما يكفل جرعة أكبر من الاهتمام بعد الآن بالقضية الفلسطينية والصراع أمريكيا ودوليا.
يحاجج الأردنيون فيما بينهم على الأقل بأن الأوضاع بعد المعركة الحالية فلسطينيا ستكون أفضل وعلى الأقل أوضح خصوصا عند منحنى التأثير في زوايا وأزقة المجتمع الدولي. لكن تلك المحاججة تأخذ باعتبارها شرطا أساسيا يبرر الحراك الدبلوماسي الأردني النشط في مسارين وهما التذكير بوجود قضية وصراع وشعب فلسطيني له حقوق ثم تسليط الضوء على جذر التوتر والصراع.
وثانيا التحرك في فضاء الممرات الإنسانية بصيغة يبدو انها دفعت وبعد مواجهة دبلوماسية شرسة خلف الكواليس بتحقيق أفضلية ما في المجال الاغاثي حصريا، ما يعني أو يؤشر على دور تنسيقي ولوجستي بطابع سياسي وإغاثي قد يسمح به أو يسانده الأمريكيون إذا ما تمكنت مصر تحديدا من دعمه واختطافه لأسباب تخصها في لحظة فتح معابر رفح.
ذلك الشرط هو حصريا بقاء الصراع العسكري ولو مرحليا قبل العودة للعمل على تهدئة جديدة في جغرافيا فلسطين المحتلة وإعادة تصفير العداد وفتح صفحة جديدة فلسطينيا، بمعنى العمل وبحرص شديد على منع امتداد المواجهات العسكرية إلى جبهة جنوب لبنان والبقاء في حالة عزل العنصر الإيراني في المشهد.
ذلك الشرط هو محصلة للاتصالات الأردنية مع مصر والسعودية بهيئة الأزمة التي يحاول الجميع استدراكها.
حل الدولتين
ما يحاول الأردن قوله إن المشي باتجاه حقل سياسي وأمني وعسكري يمنع تدخل إيران وحزب الله تنفيذا للرغبة الأمريكية يتطلب إزالة اللغم الأكبر في هذا الدرب وهو خطة بنيامين نتنياهو نفسه التي تسعى وتخطط لتوريط إيران بعدما حصلت عمان على معلومات تفيد بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن رفض الحاح نتنياهو على تنفيذ ضربة وقائية لإيران من جهة إسرائيل.
عمان تواصل مسيرها وسط الألغام وتحاول البقاء في مستوى متوازن لا يمكنه قبول رد الفعل الإسرائيلي على قطاع غزة لكنه من المستويات التي يمكن الاستثمار فيها لإعادة التسمية والترقيم تحت العنوان الذي يستعمله اليوم وزير الخارجية أيمن الصفدي وهو يتواصل مع الغربيين بصيغة سؤال استنكاري عنوانه: «ألم نقل لكم بأن حل الدولتين هو الحل؟.. ألم نقل لكم بأن العودة إلى جذر الصراع منتجة أكثر؟.. ألم نقل لكم بأن اليمين الإسرائيلي هو الذي يفتح المجال أمام التدخلات الإيرانية؟
تلك التساؤلات الاستنكارية تطرحها عمان في كل المداولات.
لكن ومع التفاعل الاشتباكي اليومي في مواجهة تفاصيل الأزمة وتداعياتها وتدحرجها يمكن القول إن مهمة المنسق لوجستيا في إطار الإغاثة بات دورا قد يصبح فاعلا للأردن خلافا لأنه يساعد في تجنب ألغام الغياب عن طاولة الحدث، لأنه دور أساسي في المرحلة اللاحقة يجعل الأردن مطلوبا وقادرا على التحدث مع جميع الأطراف بدون استثناء.
وهنا عمليا تبرز مساحات الفهم الأردني لتدحرج الأزمة بصيغة دفعت عمان للبحث عن قواسم مشتركة مع أطراف مثل السعودية ومصر. فحجم التنسيق اللوجستي مع مصر كبر على نحو مفاجئ والخاسر الوحيد السلطة الفلسطينية مرحليا، لا بل تمكن سياسيون كبار من الإشارة إلى أن رفض مصر المبدئي لخيار إسرائيل في التحريك الديموغرافي باتجاه رفح وسيناء شكل رافعة لتقارب أردني مصري إستراتيجي مرحليا يمكن لعمان والقاهرة ان ترفعا الفيتو معا بموجبه ضد العنجهية الإسرائيلية في بعض التفاصيل.
الأردن أيضا استثمر لتجنب لغم آخر بعدما اضطرت القيادة السعودية والرئيس الأمريكي وأطراف أوروبية كثيرة للتحدث معه، بمعنى ان الخبرة الأردنية في الصراع الفلسطيني ورقة رابحة وقد يكون الوقت الحالي من أوقاتها خلافا لأنها مطلوبة ولو من باب الاحتياط لما يلزم أو لما لا يلزم.
حالة الاحتقان الشعبي
بالقياس أعين مؤسسات الأمن الأردنية على الداخل الأردني وتفاعلاته مع الحدث وإظهار قدر كبير من المرونة تجاه تفريغ حالة الاحتقان الشعبي وسط الأردنيين استدراك إضافي لأحد ألغام الداخل، فالتظاهر مسموح واتخاذ مواقف علنية ضد إسرائيل وأمريكا لم يعد ممنوعا.
بالتوازي أصبح لزاما إظهار قدر ولو يسير من الانفتاح على حركة حماس.
وقد برز ذلك مؤخرا عندما شاهد الأردنيون قادة في حماس مثل محمد نزال وموسى أبو مرزوق ضيوفا على شاشات التلفزيون الرسمي، فيما تحديد احتياجات الإغاثة تطلبت بالتأكيد تواصلا ما مع مسؤولي حركة حماس بالقطاع.