يضفي ساسة الغرب وإعلاميوه على كل كيان عنصري واستيطاني وصهيوني؛ صفة الكيان الديمقراطي، وما زال هناك من يتمادى في وصف «الكيان الاستيطاني» في فلسطين بالديمقراطي، وهذا مهين للغة وللمتحدثين بها، ما زال ذلك واضحا للعيان في أدبيات السياسة الغربية وإجراءاتها؛ بما بها من رواسب وشوائب وتاريخ دموي استيطاني، ومن كثرة ما تعود الناس على ذلك أضحى لديهم ألا يعلو في عالم اليوم أي فوق صوت الاستيطان والاحتلال الأبدي. بما احتوى من معاني الفصل العنصري والفاشي والعرقي؛ مهيمن على عقول كثير من البشر؛ من أقصى الأرض إلى أقصاها، وكأن ذلك تأكيد لمقولة «دعوة الكرام لموائد اللئام» وهي أمور شاعت في عالم مشوش؛ اختلطت فيه وتشابكت مفاهيم ومقولات لا تعرف لها أصل من فصل، وما أنزل الله بها من سلطان، وعششت في عقول وأدمغة، وتسللت لرأي عام يقبل بالتدليس والتعابير والمفاهيم الزائفة والمتناقضة؛ وخطورتها في وصف الكيانات الوظيفية الاستيطانية القائمة بالكيانات الحميدة (الديمقراطية) وأبرزه الكيان الصهيوني.
وقد لا يجد هذا الكلام صدى في عالم أصم أذنيه، ونحت من المفاهيم أغربها، ومن المصطلحات أكثرها شذوذا، وشقت طريقها وسط رأي عام غير مبال ومنحاز وعنصري، ومنذ أن وقعت ممالك وإمارات ودول خليجية على «وثيقة إبراهيم»؛ شاء لها حظها العثر الانتقال من كونها دولا خليجية لها وجه عربي لكنه الآن بقسمات «ابراهيمية»؛ قلبت أوضاع الجزيرة العربية والخليج رأسا على عقب؛ اختلط فيها من وقع على من لم يوقع، وانتقلوا من الدار للنار، وكانوا أسرى الفوضى الخلاقة، وقوانين السوق العشوائية، والمنطق التجاري وحسابات الثروة والمال في معالجة المشاكل، فليس لديهم غير طريق الشراء أو البيع، والتفريط في أرض كانت «تتكلم عربي» وصمتت أمام حقوق الأجيال القادمة فضاعت.
وهذه أعراض لحمى ترامبية أصابت دعاة الفوضى الخلاقة والثورات الملونة، التي أشعلت الصراعات، وزادت الفزع وسوء الحال، وتم اللعب على أوتار الفتن ونشر الأحقاد بين أبناء الشعب؛ الذين عاشوا آمنين من قبل، وفُضت بكارتهم يتحسسون ويشكون فيما يحيطهم.. إيجابا وسلبا، وبحلول الفوضى زاد التفكك، واتسعت دوائر الكراهية ونطاق التحريَض على الاقتتال الأهلي والبيني؛ بين وشعوب ودول؛ سعت يوما لوحدة تصون كرامتها وتعزز قوتها وتحمي استقلالها، لكن كان ذلك في ماض ليس ببعيد، بعده انشغل العرب بالتنافس، والتسابق على التخلي عن المقاومة، والتنازل عن الأرض والعِرض والكرامة الإنسانية.
واللافت أن ما جرى أتى في زمن يتابع فيه العاَلَم منافسة وسباق صيني روسي؛ اقتصادي وتجاري ومالي؛ في جنوب شرق آسيا؛ على أساس التعاون والشراكة وليس تفجير الصراعات والفتن إن كانت نائمة بين كيانات كانت وازنة، وتحركت وزارة الخارجية الصينية وبادرت باستضافة اجتماع نوعي لوزراء خارجية «آسيا الوسطى»؛ في يونيو الماضى (2021)؛ ضم كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان، في مدينة شيان الصينية؛ مُركَّزا على قضايا جيو سياسية، واضعا على جدول أعماله القضية الأفغانية، وكانت الصين تتحسب لتأثيراتها المتوقعة مع انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من أفغانستان في سبتمبر قبل الماضي، وكانت القضايا الحاضرة في المشهد الجيوسياسى المتغير فى آسيا الوسطى؛ اقتصاد وتجارة، ووعد من الصين بتنفيذ مشاريع جديدة، وتعهد بزيادة التعاون فى مجالات الزراعة والصحة والتعليم والتجارة والطاقة والنقل والآثار. وإيلاء عناية خاصة للتخفيف من عبء ديون قيرغيزستان، ونالت الصين الموافقة على إنشاء خط سكة حديد يربط الصين بأوزبكستان والشرق الأوسط وجنوب القوقاز. وهو مشروع تعرقل أكثر من مرة، ويعود ذلك جزئيا إلى مشكلات اقتصادية وسياسية فى قيرغيزستان، وتحملت روسيا جزءًا من مسؤوليتها عن ذلك، وكانت الصين قلقة من تحول جزء كبير من التجارة بعيدا عن خطوطها الحديدية، وكان هدف كل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية ربط آسيا الوسطى بالصين.
يضفي ساسة الغرب وإعلاميوه على كل كيان عنصري واستيطاني وصهيوني؛ صفة الكيان الديمقراطي، وما زال هناك من يتمادى في وصف «الكيان الاستيطاني» في فلسطين بالديمقراطي
وأدركت بكين أن مؤتمرات القمة الكبرى غالبا ما تفشل فى تحقيق النتائج المرجوة منها، وفضلت الاجتماعات الأدنى، وفيها تحتل الصين مكانة خاصة باعتبارها القوة الأكبر في آسيا الوسطى، وتأثيرها سهل على جداول الأعمال ونتائج الاجتماعات، وهذه تطورات مؤثرة كثيرا على روسيا؛ صاحبة النفوذ فى وسط آسيا، ومصدر نفوذها احتفاظها بقدرات عسكرية كبيرة، بجانب ما لديها من وجود وقواعد فى طاجيكستان وقيرغيزستان، وتعاون عسكري مع سائر دول المنطقة الأخرى، وتعد روسيا لاعبا اقتصاديا كبيرا، وشريكا تجاريا رئيسيا بين الدول الخمس، ومصدرا حيويا للاستثمار، ومركزا مؤثرا لتسهيلات العمال المهاجرين من آسيا الوسطى، وقدمت مبادرات أمنية واقتصادية مشتركة في آسيا الوسطى؛ كالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وكلها قريبة من الثقافة الروسية، وأضحت اللغة الروسية لغة مشتركة.
ولفهم طبيعة المنافسة الصينية الروسية في آسيا الوسطى، لا بد من النظر لطبيعة النظام العالمي المتغيرة، وما تسعى القوى غير الليبرالية إلى تحقيقه، فمن خصائص نظم «ما بعد الليبرالية»؛ الأقلمة الشديدة للمناطق الجيوسياسية الحساسة، وتسعى القوى الكبرى المجاورة لـ«آسيا الوسطى» استبعاد أي قوة غربية ثالثة، وتتبع روسيا هذه الاستراتيجية بنجاح فى جنوب القوقاز؛ تسعى مع تركيا وجزئيا مع إيران لإزاحة الغرب، ونفس الشيء يجري فى سوريا، ويقبل التطبيق في حوض بحر الصين الجنوبي؛ وتعمل الصين من جانبها على تسوية المشكلات الإقليمية وتسويتها مباشرة بين الجيران بعيدا عن التدخل الأمريكي والغربي.
والاحتمال الأرجح أنه من غير الممكن تحول المنافسة الروسية الصينية إلى خصومة. والغرب يعي ذلك، ويعيد النظر فى حساباته وطريقة تعامله مع شراكات آسيا الوسطى، ويسعى لتحسين علاقاته معها؛ بما يعزز العلاقات القائمة بين الصين وروسيا؛ كقوتين فى حاجة ماسة إلى إعادة التوازن، وخلق حيز أكبر للمناورة، وهذا في وقت تقدر فيه دول آسيا الوسطى دور روسيا والصين وتهابهما. ويعولون على موقف غربي حاسم، إذا ما صاغ استراتيجية متماسكة؛ تقوم على شراكة اقتصادية وسياسية مع آسيا الوسطى، بدلا من أن ينتهي الأمر بطرده من المنطقة كلها!!، وهذا منطق ومنطقة لا يستهان بها؛ ممتدة في آسيا، بين بحر قزوين في الغرب إلى الصين ومنغوليا في الشرق، ومن أفغانستان وإيران في الجنوب إلى روسيا في الشمال. ويتكون من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ويضم حالياً كل من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان، وكلها يُشار إليها بالعامية بـ«الستانات»؛ جمع «سْتان» أي تقع عمومًا ضمن منطقة تنتهي أسماؤها بالكلمة الفارسية «سْتان» وتعني «الأرض» وبالرغم من أن تعريف هذه المنطقة موجود، إلا أنه لا يوجد لها تعريف جامع مانع متفق عليه دولياً لوصف هذه المنطقة، فتحديد حدودها بدقة أمر لم يحسم بعد، رغم مشاركة المنطقة في الكثير من الخصائص العامة الهامة، أهمها أن آسيا الوسطى كانت من الناحية التاريخية مترابطة بشكل وثيق. وكانت منطقة إلتقاء طرق وحركة سكان وتبادل سلع وأفكار بين أوروبا، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا، وشرق آسيا، وتقع على أحد فروع طريق الحرير. ويطلق عليها أحياناً اسم «آسيا الداخلية» وتقع ضمن نطاق «القارة الأورو آسيوية» الأوسع.
وفي مرحلة ما قبل الإسلام وأوائل العصور الإسلامية أضحت آسيا الوسطى موطنا للكازاخ والأوزبك، والتتار، والتركمان، والقيرغيز والأويغور. وحلت فيها اللهجات واللغات التركية محل اللهجات واللغات الفارسية، التي كانت منتشرة في منطقة آسيا الوسطى، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين تقريبًا، كانت معظم مناطق آسيا الوسطى جزءًا من الإمبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفييتي فيما بعد، وتضم الآن حوالي 7 ملايين من أصل روسي و500 ألف أوكراني.
كاتب من مصر
ربنا يقصف عمر الروس ومن يؤيدهم