«زينزيبار – عاصفة البيادق» عنوان رواية الكاتب الجزائري عبد القادر ضيف الله ــ دار الدار للنشر، القاهرة 2016 ــ وما بين العنوان الرئيسي والفرعي نتلمس بعضا من رسالة الروائي للقارئ كونهما تكثيفا لمحتوى نصه، إذ اتخذ الكاتب مفردة (زينزيبار) عنوانا رئيسيا لروايته، واسما لمطعم يقع في مدينة ما، تدور فيه أحداث مهمة في الرواية، وتحدث فيه جريمة قتل لينتهي المطعم حرقا على يد خونة مجرمين، كما أن المفردة هي اسم لمجموعة جزر تقع في المحيط الهندي، تتبع تنزانيا في شرق افريقيا، أما العنوان الفرعي فجاء مركبا من مفردتين، (عاصفة البيادق)، حاملاً دلالة أعمق من مفردة زينزيبار، فالعاصفة لا يحكمها عقل وتحمل معنى التهور والتدمير المفاجئ، وكذلك الأمر في مفردة البيادق، فهي أداة رقعة شطرنج، بمعنى أنها أداة للعب تحركها أيادي اللاعبين الذين يحركونها كما يشاؤون ليدمروا من خلالها دولا وشعوبا، وهي أداة لفعل العاصفة. من خلال هاتين العتبتين نستطيع أن نلج عالم الرواية.
الشكل البوليسي
يحاول الكاتب في هذه الرواية أن يتجاوز البنى التقليدية الرثة للكتابة الروائية، التي لم تعدّ تتوافق مع الواقع العربي، الذي بدأ بالتحول الكلي نحو عالم جديد مع بداية ما أُطلق عليه بالربيع العربي الذي ولد في مطلع عام 2011. كل ذلك استدعى، أو لنقل استحق أن يخلق تجديدا في الأطر الفنية السردية، بصورة تتماشى مع هذا الواقع العربي وأحداثه من جهة، وانعتاقا من القوالب السردية التي أبلاها الزمن من جهة أخرى. حين ينتهي المرء من قراءة «زينزيبار» تتبادر إلى ذهنه أفكار شتى. حول تصنيف نوع هذه الرواية، فالأحداث التي دارت في الفندق ذي الخمسة نجوم من تنكر ومطاردة وتخطيط محكم للقيام باعتقال شخصية مهمة، وكذلك الأحداث التي تدور بين مجموعة مسلحة وجماعة المقدم المهدي، في إحدى مستودعات شركة تابعة لأحد أفراد عصابة متنفذ في ضاحية من ضواحي المدينة، وكذلك ما حدث في مطعم زينزيبار من قتل وحرق للمكان، بعد مناوشات بالأسلحة بين البوليس وأفراد العصابة، من إطلاق نار ومطاردة، ولا ننسى العملية الإرهابية التي حدثت في الصحراء الكبرى على الحدود الليبية، حين قامت مجموعة مسلحة بتفجير مركبة حاملة للنفط، كل ذلك يشي للقارئ بأنها رواية بوليسية بلا جدال.
استطاع الكاتب تضليلنا من خلال المطاردات والخطط والجرائم والتفجيرات والاعتقالات البوليسية التي جرت، والتي شكلت أحداث نصه الروائي
المضمون السياسي
ولكن بعد قراءة متأنية، واستحضار لحوارات دارت بين شخصيات الرواية، لاسيما المحوري منها، كتلك التي دارت بين المقدم المهدي وخليل الصافي من جانب، أو بين رجالات المخابرات 2 ض وأصحاب كواليس الفلل الـ27، وأروقة القصر الرئاسي والعملاء السوريين من جانب آخر، ولا يمكن أن نغض الطرف أيضا عن حوارات السيد الوشني الشخصية الماركسية المثقفة، التي اغتيلت مع مصطفى الإسلامي المعتدل المتنور، المتزوج من سوزان الأجنبية، ومصطفى من الذين أبدوا وجهة نظر عقلانية في تحليل مشكلة الخطاب الديني، وأن سبب الجمود والتطرف هو توقف العقل العربي عن التأويل، والاجتهاد.
كما لا يغيب عن ذهن القارئ بعض الحوارات الداخلية الرومانسية التي استرجعها المقدم مهدي التي دارت بينه وبين محبوبة شيراز ابنة خليل، حيث أحبت المقدم وتمنت ان تتزوجه، ليبنيا أسرة يكون مهدي ربها، وهي التي التقته حين عادت من سفرها في الخارج، وحاورته حول حبهما الذي عمّر طويلا، ولكن هيهات أن يلتقي الضابط الذي نذر نفسه للوطن مع رومانسية تبحث عن الحب والاستقرار العاطفي كشيراز.
لكل ذلك تعد الرواية سياسية بامتياز، وإن اتخذت شكلا سرديا وإيقاعا بوليسيا، وقد استطاع الكاتب تضليلنا من خلال المطاردات والخطط والجرائم والتفجيرات والاعتقالات البوليسية التي جرت، والتي شكلت أحداث نصه الروائي، إلا أننا استطعنا أن نقرأ رسالته السياسية الفاضحة لتسلط المخابرات والجيش على مقدرات وقرارات الدولة، ومن إحكام قبضتهم الحديدية على أعناق الشعب من خلف كواليس الفلل الـ27، متخذين من القصر ورئيسه الصامت واجهة لذلك، وفي النهاية لم يكونوا إلا بيادق تحركهم أياد أجنبية هدفها الإطاحة بالقلعة والحصان والوزير والملك.
٭ كاتب من سوريا