ما يمكن استنتاجه من تطورات القضية السورية خلال الأيام الأخيرة، أن نظام بشار الأسد ليس سهل المنال مثلما كان يعتقد البعض، فمحور الإسلام السني الأطلسي المتمثل في الثالوث الشهير تركيا ـ قطر ـ الإخوان ومن ورائه السعودية، وجد نفسه في ورطة بعد أن أصبحت القضية لعبة كبار. فهذا المحور الإخواني- الأطلسي الذي راهن على العسكرة وإحداث الفوضى لإسقاط النظام السوري، يبقى نفوذه رهين الأوكسجين الذي تجود به التقاطعات مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل، فالمصالح الكبرى غطت على المصالح والأهواء الصغرى، كما أن سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط تدور منذ سنوات في فلك ذلك التعامل النمطي، الذي يقوم على أساس إسرائيل ـ الطاقة ـ الإرهاب. ومن ناحية أخرى تتشابك مصالح الولايات المتحدة وأوروبا مع الأشقاء الخصوم من روسيا والصين، في مجالات إستراتيجية حيوية، كالتجارة والطاقة والاستثمار والأمن العالمي. فروسيا أثبتت خلال الأيام الأخيرة انها متمسكة بالنظام السوري، وانها لا تترد في دعمه سياسيا وعسكريا، فبعد الموافقة على صفقة صواريخ ااس 300ب الروسية التي سيتحصل عليها نظام الأسد قريبا، دعمت روسيا حضورها العسكري قرب المياه الإقليمية السورية بإرسال 12 سفينة حربية، وتزامن ذلك مع انتصارات ميدانية حققتها القوات النظامية السورية، حين تمكنت من دخول مدينة القصير الإستراتيجية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة منذ أكثر من عام، والتي تمثل نقطة وصل أساسية بين دمشق ومناطق الساحل السوري. بعد أن زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلا من روسيا والصين خلال الأيام الماضية في محاولة لاختراق الحلف المزعج إيران ـ سورية ـ روسيا ـ الصين، يبدو أنه تلقى تلميحات ضمنية بضرورة اجتناب القيام بحماقة ثانية بانتهاك الأراضي السورية عسكريا، ففي الأيام الأخيرة صرح مسؤول عسكري إسرائيلي بارز بأن بلاده أخطأت في تقديراتها لقوة نظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما يبدو أن إسرائيل أدركت أن هناك غولا شرقيا فاعلا على الصعيد العالمي لا يقل ثقلا عن الحليف الأمريكي الغربي، كما أدركت أن هذا الغول الشرقي ليس بتلك السذاجة حتى يتخلى عن حلفائه في الشرق الأوسط، بمجرد تحركات دبلوماسية ساذجة، فمصالحه الإستراتيجية المعقّدة أكبر من أن تزحزحها ضغوطات ورقصات اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة وخارجها. الولايات المتحدة تساير الوضع وتحاول قدر الإمكان اجتناب الفوضى والحرب، ليس حبا في النظام السوري وإنما لإدراكها خطورة الوضع الذي إذا انفجر سيهدّد إسرائيل ومصالحها الحيوية، كما سيؤدي إلى هيجان التنظيمات الجهادية التي لا يمكن توقّع ردود فعلها على المدى المتوسط والبعيد. ومن جهة أخرى لا تريد الولايات المتحدة الدخول في حرب مكلفة وعقيمة، كما لا تريد الدخول في تدافع عنيف مع الأشقاء الخصوم من روسيا والصين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية الداخلية التي تعيشها، وانتشار الظاهرة االجهاديةب التي زحفت نحو مصر والمغرب العربي وافريقيا، فالجهاديون يتفاعلون وجدانيا حتى وإن كانوا متفرقين لوجستيا، فالثأر االجهاديب قد يأتي من أي نقطة في العالم. ويبدو أن المؤتمر الدولي حول سورية الذي سيعقد في جنيف خلال الشهر القادم، والذي يرمي إلى إيجاد حل توافقي بين نظام الأسد والمعارضة سيكون عقيما باعتبار تشابك المصالح والتناقضات، فالرئيس السوري بشار الأسد مصرّ على الصمود والمشاركة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014. على المستوى الداخلي تشهد الجبهة السورية تناقضات متشابكة، فجبهة النصرة انقسمت بعد اختراقها من تنظيم االقاعدةب في العراق، كما أن الجناح العسكري المدعوم من المعارضة السورية يشهد تشرذما وانشقاقات متواصلة تقوم على أسس إيديولوجية وعقائدية. ويبدو أن التناقضات المذهبية والعرقية ستكون هي سيدة الموقف في تحديد مستقبل سورية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار دخول حزب الله الشيعي – اللبناني المدعوم من النظام السوري وإيران على خط المعركة، وقيام حكومة إقليم كردستان في العراق بتدريب أكراد سورية في إطار الجهود الرامية إلى منع التنظيمات الجهادية من بسط نفوذها على مناطقهم. فتقسيم سورية إلى 3 أو 4 أقاليم يبقى هو الأقرب إلى المنطق، على أن يحافظ نظام الأسد على نفوذ يمتد من دمشق نحو سواحل البحر المتوسّط، مقابل تكوّن دولة سنية وأخرى كردية وربما أخرى درزية. وسيكون التناقض في ما بعد مع التنظيمات الجهادية المتطرّفة، سواء بالنسبة لنظام الأسد أو الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة بعد دخول تنظيم االقاعدةب في العراق على خط المواجهات. ويبقى شبح انتقام بشار الأسد، والتقسيم هو بيت القصيد الذي يؤرق تركيا والسعودية والإمارات، لأن العدوى قد تمتد نحوهم باعتبار حجم التعقيدات العرقية والمذهبية في الشرق الأوسط، لذلك تصر تركيا وقطر والإمارات على إسقاط نظام الأسد عبر التدخل العسكري، لكن يبدو أن هذه الدول وقعت في الفخ باعتبار أن بشار الأسد إذا خرج سالما من المواجهة سيزداد استئسادا وقوّة، وسيزداد محور االممانعةب صلابة، وبالتالي سيجد بشار الأسد ومن ورائه محور االممانعةب المجال مفتوحا للانتقام من هذه الدول، عبر خلق التناقضات والتوترات داخلها، فبشار الأسد بارع في هذه اللعبة. تبقى القضية السورية معقّدة وتحكمها الحسابات والمصالح المتشابكة شرقا وغربا، فقوّة المنطق تبقى مسيطرة على منطق القوّة، إلى أن يأتي ما يخالف ذلك. كاتب من تونس
“فهذا المحور الإخواني- الأطلسي الذي راهن على العسكرة وإحداث الفوضى لإسقاط النظام السوري”، الوقائع تقول غير هذا، فالذي سعى للعسكرة من أول يوم هو النظام السوري الذي توهم بخبرته القمعية أن يسحق الثورة في ظرف لايطول، و لكن صمود الشعب السوري و تصميمه على الأنعتاق أنهك النظام و استنزفه حتى اضطره إلى الاستنجاد بحلفائه. إن النظام الذي كان يعتقد سحق الثورة و يبسط نفوذه على البلاد و يلعب خارج الحدود أصبح يفرح حين يقتحم قرية أو حاجزا كان يسيطر عليه مجاهدون كانوا مدنيين أصلا.
“فهذا المحور الإخواني- الأطلسي الذي راهن على العسكرة وإحداث الفوضى لإسقاط النظام السوري”، الوقائع تقول غير هذا، فالذي سعى للعسكرة من أول يوم هو النظام السوري الذي توهم بخبرته القمعية أن يسحق الثورة في ظرف لايطول، و لكن صمود الشعب السوري و تصميمه على الأنعتاق أنهك النظام و استنزفه حتى اضطره إلى الاستنجاد بحلفائه. إن النظام الذي كان يعتقد سحق الثورة و يبسط نفوذه على البلاد و يلعب خارج الحدود أصبح يفرح حين يقتحم قرية أو حاجزا كان يسيطر عليه مجاهدون كانوا مدنيين أصلا.