الكل يعرف عن العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي التي بدأت منذ عهد مبكر، إذ تبادل الخلفاء العباسيون السفارات مع روسيا، ولمّا ضمت روسيا إليها بعض المناطق ذات الغالبية السكانية المسلمة ازداد الاهتمام بدراسات الإسلام، وبعد قبول المسيحية ديناً في روسيا سنة 988م، ترسخت علاقات روسيا بالشرق بشكل أقوى، وأكد أن التوجه الروسي نحو العالم العربي والإسلامي، جاء في ضوء أن العلاقات الروسية العربية مبنية على أساس أن روسيا لم تكن أبدا محتلا أو طامعا، وارتبطت بعلاقات خاصة بالكثير من دول المنطقة خلال الحقبة السوفييتية وبعدها، منوها إلى أن العالم العربي والإفريقي والإسلامي مرحب بهذه العلاقات سواء على مستوى العلاقات الثنائية والخاصة والاستراتيجية، تغيَّر الروس فكراً وثقافة ورؤية وباتوا أكثر انفتاحاً وانسلخوا من مأزق الأيديولوجيا.
طابع قومي
بوتين الرئيس أعاد صياغة الأهداف الجديدة للسياسة الروسية وفق مسار له طابع قومي استرد به توهج بلاده وهو ما يعني إحلال التعددية القطبية في النظام العالمي الجديد، وقد كان.
المتأمل لما جرى في روسيا قبل عدة أيام لم يشعر بمناخ جديد فرضه تنظيم الدولة (داعش) على العلاقة بين روسيا والعالم الإسلامي، فالعلاقات الروسية الإسلامية جيدة وخصوصا وبعد مؤتمر جدة في عام 2022 انطلقت من خلاله أعمال المؤتمر الدولي روسيا والعالم الإسلامي في التعاون الإعلامي ودعا المؤتمر، إلى تعزيز التعاون والشراكات بين الدول الإسلامية وروسيا في المجال الإعلامي، انطلاقاً من القيم والأهداف المشتركة للجانبين.
وقال نائب مدير إدارة الإعلام والصحافة إيفان نيتشايف أن روسيا بلد متعدد القوميات والطوائف وذو تجربة تاريخية غنية للتعايش بين الثقافات المختلفة، ويعد تطوير التعاون مع العالم الإسلامي أحد أهم أولويات عقيدة السياسة الخارجية الروسية. وعلى صعيد قضايا العرب والمسلمين لروسيا دور مختلف عن الولايات المتحدة في بعض الجوانب، ولكن “المية تكذب الغطاس” كما يقول المثل، فلقد شاهدنا في سوريا ما أحدثته الآلة العسكرية الروسية وفرض هيمنتها على الشعب الثائر على النظام، ولا ننسى براميل البارود الروسية التي سقطت على رؤوس السوريين من خلال ما تم رصده.
المياه الدافئة
ثمة قراءة مختلفة بعيدا عن العاطفة وهي أن بوتين يحاول التسلق على ظهور العرب، ليجد لروسيا مكانا تحت الشمس، وتصل إلى المياه الدافئة، هذا هو الهدف الأساسي، وغزو العالم العربي غزواً غير مباشر وذلك بحجة الدولة الصديقة الحريصة على تطلعات العرب السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي مدى تؤثر عملية تنظيم الدولة (داعش) الأخيرة في موسكو على العلاقات الروسية مع العالم الإسلامي؟
لا شك إن الروس قرأوا خريطة المشرق العربي منذ القدم، ولا يغيب عنهم حجم الفجوة بين العالم السني المعتدل الذي ينبذ تنظيم الدولة (داعش) والفجوة الفكرية بين الإسلام المعتدل وبين إرهاب تنظيم الدولة (داعش) فرغم ما أشارت إليه موسكو حول دعم أمريكي لعملية تنظيم الدولة (داعش) في موسكو، يعتبر الروس أن العالم الإسلامي بشقيه العربي والعجمي والشيعي والسني بعيد كل البعد عن تزكية الفكر الداعشي، لهذا لم تنعت روسيا بعد العملية الإسلام بالإرهاب كباقي الدول، بل فضلت البقاء في الدائرة نفسها، والمتمثلة في تمتين العلاقات مع العالم الإسلامي وتفويت الفرص لمن يحول زعزعتها.
السياسة الخارجية
هكذا هي روسيا، فبعد ما يقارب عقدين من الزمن، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تمكنت روسيا من إعادة صياغة سياساتها الخارجية تجاه المنطقة العربية، وإعادة ترتيب أولوياتها بشكل يتناسب مع المصالح والاهتمامات العربية، حتى يبدو أن روسيا قد غيرت تماماً من أسس وملامح السياسات التي كان يتبناها الاتحاد السوفييتي سابقاً.
التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية، جوهر مصالح الاتحاد السوفييتي خلال سنوات الحرب الباردة، أخذت روسيا، بعد هذه الحقبة تتوجه بوتيرة متزايدة نحو المصالح الاقتصادية، بديلاً عن الأيديولوجيا والخلفيات السياسية السابقة، ومن ثم شكلت هذه التحولات جوهر السياسة الخارجية الروسية، وتوجهاتها نحو المنطقة العربية.
القوة الناعمة
نجاح أدوات القوة الناعمة لا سيما تلك المتعلقة بجذب وتوطين الاستثمارات المشتركة في قطاعي الطاقة وصناعة الأسلحة؛ واستعادة الصورة الإيجابية لروسيا لدى الشباب العربي؛ مما يشير إلى نجاح مساعي السياسة الخارجية الروسية في عهد فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط في إعادة تشكيل مواقف العرب تجاه روسيا بما يعزز من مكانتها كأكبر حليف دولي في المنطقة في الوقت الحاضر والمستقبل القريب.
الخلاصة لتنظيم الدولة (داعش) رأي آخر مختلف عن البقية فهذا يغرد خارج السرب، والآخرون لهم تطلعات تتعارض بشكل كلي مع توجهاته.
ففي تقدير المراقبين للعملية التي جرت في موسكو مؤخرا أنها لم تحرف بوصلة موسكو عن الشرق العربي والدول الإسلامية، وستبقى روسيا حريصة على الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع العالم العربي والإسلامي.
كاتب فلسطيني