رياض شيرازي: «شو يا قشطة» أضاءت على القضية وتركت للجمهور الأسئلة فطرحها بجرأة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

تصدّى للمسكوت عنه مداراة للفضيحة وجسّد التحرش واغتصاب الفتيات بإحساس مرهف

بيروت ـ «القدس العربي»: بعد سنوات من الانكفاء عاد المخرج رياض شيرازي إلى عالم المسرح في بيروت، موقعاً أعمالاً متتالية ذات أهمية على صعيد الموضوع الذي تتناوله. «شو يا قشطة» عرض مسرحي عمل بنجاح على مسرح المونو، ووضع الإصبع على جرح التحرّش والاغتصاب الذي يطال النساء وخاصة الفتيات بدءاً من الطفولة. وطموحه إخراج مسرحية عن التحرّش بالأطفال الذكور عندما يتوافر النص.

مع رياض شيرازي هذا الحوار:
○ هل يصحّ القول بأنك عدت بعد غياب؟
• بالتأكيد يصح.
○ تميزت بحضور لافت بعد تخرّجك ومن ثمّ حلّ الهدوء؟
• بدأت التمثيل سنة 1992 ولاحقاً قررت التخصص جامعياً. ومن ثمّ سجّلت حضوراً على ضفتي التمثيل والإخراج استمرّ إلى سنة 2004. فجأة انكفأت بسبب إلتزامي بوظيفة ذات دوام منتظم. لم أكن شديد الرغبة بالتلفزيون، فالمسرح هدفي. تزامن انكفائي مع استشهاد الرئيس الحريري، وتردّي الأوضاع على كافة المستويات في لبنان ولسنوات، وخاصة المسرح. وهكذا تراوح الابتعاد بين إرادي ولا إرادي. واستمرت الحال على هذا المنوال إلى أن حانت الفرصة مع مسرحية «مفروكة» سنة 2019. لكنّ انتفاضة تشرين حاصرتها، ومن ثمّ الجائحة، فتأجّل الافتتاح بحدود السنتين. وشاءت الصُدف أن تُعرض في يوم المرأة العالمي، وهي التي تُعنى بمشاكل النساء من طلاق وسوى ذلك. جاء العرض في توقيته المناسب، إذ تبين أن الانهيار الاقتصادي والجائحة أججا المشاكل الأسرية. «مفروكة» التي شكّلت عودتي للمسرح، عُرضت لأول مرّة سنة 2022 ومن ثمّ في بدايات سنة 2023 وعرضت في دبي والأردن وعادت لتُعرض في بيروت مجدداً.
○ ويبدو أن السبحة كرّت مع مسرحية «شو يا قشطة»؟
• صحيح. تلقيت اتصالاً من وفاء حلاوي حول المسرحية الجديدة «شو يا قشطة». وشاءت الظروف أني بالتزامن تلقيت اتصالاً من الفنان طلال الجردي بخصوص مسرحية «هل هالشي طبيعي». وكان ترتيب عروض المسرحيتين مريحاً جداً بالنسبة لي كمخرج.
○ لافت أن تكون مخرجاً لمفروكة وشو يا قشطة المسرحيتان اللتان لهما صلة مباشرة بالمرأة وقضاياها؟
• في الواقع أذكر أن اللقاء الأول مع وفاء حلاوي ومروى خليل لم يكن بخصوص مفروكة، بل للبحث في عمل آخر. لكني بمجرد قراءة نص مفروكة أعجبت به وعبّرت عن رغبتي بإخراجه في حال اعتذار المخرج، وهذا ما حدث بعد أسبوعين. فيما يخص قضايا المرأة وموقفي منها، فهي تعود لنشأتي في عائلة لا تميز بين البنت والولد. إنه حالنا أنا وشقيقي مع شقيقتي التي تصغرنا بتسع سنوات. والدتي امتهنت المنيكور والبيديكور في المنزل. كنت صغيراً أسمع قصص السيدات، لفتتني الحكايات الحساسة الموجودة لدى المرأة، ورسخت في بالي. أضيف لذلك أن أكثرية التلامذة في مدرستي كنّ بنات. كبرنا معاً، وكنت أخاً لهن. حدثنني بكافة أمورهنّ. وبالوصول إلى الجامعة كانت زميلاتي يجدن الراحة بمناقشة موضوعاتهن الخاصة معي، وأذكر أني خلال سنوات المدرسة كنت منجذباً للبحث في شؤون المرأة وحقوقها. وفي مرحلتي العمرية الحالية حيث امتهن التدريس فغالبية الكادر التعليمي من النساء. وهكذا بت على تماس مع مزيد من قضايا المرأة. والحافز الأول عامل الثقة، هذا المسار عزز عندي الإحساس المرهف تجاه أي موضوع له صلة بالمرأة.
○ لافت انك تمتاز بحسن الاستماع فهل أثّر ذلك الكم من الحكايات على مفاهيم حياتية معينة بالنسبة لك؟ وهل تركت لديك أثراً ايجابياً؟
• غلبة الاستماع تعزز ثقة الآخرين بالسامع وتتيح له رؤيا أشمل للأمور. من دون شك الأثر إيجابي، فزوجتي ممثلة (نيكول معتوق) ولها الكثير من الأخوات وأخ واحد، فبت الأخ الثاني، وهكذا تعزز حضور النساء في حياتي أكثر. أغلب النساء تعرّضن في حياتهنّ إما لتحرّش، أو لإعتداء أكبر، وهذا ما أعتبره جريمة. منذ مراهقتي كنت أرفض «التلطيش» وكافة اشكال التعاطي مع المرأة ككائن دوني، وكلما تقدمت في الحياة كانت الخطوط الحمر حيال قضايا المرأة تزداد عندي. السيطرة الذكورية لم تتراجع وكذلك المظالم بحق النساء إلى الآن. وللأسف بعض النساء لديهنّ أحكاماً مخجلة بحق ذاتهنّ، ومنهنّ من يحمّل المرأة مسؤولية تحرّش أو اعتداء تعرّضت له. بالمحصّلة ثمّة مواقف يفترض أن تُحذف من الوجود إن أمكن ذلك، والأهم برأيي أنّ الكرامة الإنسانية التي ولدت معنا هي حق طبيعي لكل البشر.
○ استنتاجاً من إجاباتك افترض بأنك زوج وأب مثالي؟
• الكمال لله. أحترم زوجتي لأقصى الدرجات، الثقة بيننا مطلقة، وآمل أن لا أكون قد أخطأت بحقها يوماً. احترام المرأة ككائن مساوي للرجل ليس محل نقاش بالنسبة لي.
○ مهنياً هل تأثرت موضوعية عملك كمخرج لمسرحيتي «مفروكة وشو يا قشطة» بأفكارك الإيجابية بحق النساء؟
• عندما يتصدّى المخرج لنص ما حتى وإن كان كاتباً لنصفه من واجبه النظر إليه من زوايا مختلفة، وأن يكون أميناً بإيصاله للجمهور، في موضوع الطلاق ونظرة المجتمع له، موضوعات التحرّش والاغتصاب والتعنيف اللفظي، يجب أن تصل بأفضل الأساليب المتاحة للجمهور. مهمة المسرح أن يضع هذه العناوين أمام الناس، وأن يسعى لتحريك تفكيرهم وأسئلتهم. أحرص في مهمة الإخراج بأن لا يؤخذ المتلقي بالمشاعر وينسى طرح الأسئلة. تشكل الإضاءة على هذه المواضيع ضرورة كونها لم تجد حلّا بعد، إنها محاولة متجددة لتغيير الأفكار حتى وإن كان عدد مشاهدي المسرح محدوداً، فهذا يشكّل بداية التأثير والتغيير.
○ كمخرج اشتغلت في إعداد النص وإعداد الممثلات هل كنت تدرك سلفاً ما هي مشاهد القمة فيها؟
• لحظة القمة في العمل الفني ندركها بتتبع انفاس الجمهور. مع التذكير بأن النص مبني على قصص حقيقية روتها نساء وفتيات تعرضن للتحرش أو الاغتصاب أو التعنيف اللفظي. لحظات القمة كانت خياراً، فغالباً ما يكون التحرّش والاغتصاب من داخل العائلة، والسكوت على هذا الفعل يكون من داخل العائلة تجنباً للفضيحة. كان مهماً وجود مشاهد عدّة صادمة ومنها مشهد المُعالجَة التي خضعت لمقاييس المجتمع وسكتت على اغتصاب ابنتها من قبل خالها، رغم علومها وثقافتها خضعت الأم لأحكام المجتمع غير العادلة.
○ وماذا عن مشهد تشبيه المرأة بفاكهة القشطة التي تؤكل وتُرمى حبة حبة؟
• مشهد يُذكّر الرجال بأن متغيرات متعددة ستطرأ على المرأة بعد الإنجاب، لكنها تبقى نفسها المرأة بمضمونها الإنساني وعواطفها. قد يكون شكل فاكهة القشطة غير مغري، لكنها لذيذة من الداخل. والسؤال المطروح هل بناء العلاقة يكون سطحياً أم داخلياً؟ هل سنستمر بالقشور أم سندخل إلى لب الموضوع. جميعنا يخضع لمتغيرات العمر ويبقى المضمون أساس لا يتبدّل في الإنسان.
○ كمخرج ماذا تقول عن مشهد الممثلة كاتي يونس التي كشفت المكشوف وهو ابتزاز المخرجين- الأساتذة لطالبات التمثيل؟ وكيف وصل دورها بهذه الجرأة والغضب؟
• من المؤكد أنه ليس سلوك كافة المخرجين. وبدون شك يوجد أساتذة ومخرجون يحترمون إنسانية الطالبات والممثلات، ويتميزون بالأخلاقيات العالية، وهذا لا يلغي وجود مشكلة في مكان ما، وأنّ قلّة من المخرجين تمارس هذا الترهيب. في هذا العرض المسرحي نضيء على مسألة مهمة عانت منها الكثير من الممثلات في الوسط الفني، وأظن أن التحرّش والابتزاز موجود في كافة الاختصاصات والمهن وليس حكراً على الفن، إنما أضواء المسرح جعلته منظوراً خاصة وأن سلوك البعض تسبب بالأذى للكثير من الطالبات.
○ لماذا وضعتَ الممثلات الأربع في أقفاص؟
• ذلك أن مجتمعاتنا تضع النساء ضمن أقفاص وهنّ لا يتحركن خارج تلك القوالب، حتى أن الأقفاص تحرّكت بواسطة آخرين، وذلك تجسيداً لحركة المرأة ضمن القالب الاجتماعي المفروض عليها، وكل من الفتيات الأربع دار فيها القفص وفقاً للحالة التي تمرّ بها، منهنّ من حاولت البحث عن ذاتها، ومنهنّ من بحثت عن الحقيقة. إرادياً تخرج النساء من القفص ـ القالب، بعد اكتسابهن القوة واتخاذ القرار بفتح المظلاّت حماية لذاتهن، فهكذا يمتلكن زمام المبادرة.
○ هل تتابع النقاش مع الجمهور بعد العروض؟
• بالطبع. ولفتني سؤال حول كيفية توظيف العمل بالاحساس الذي لمسه الجمهور على المسرح. وكانت أسئلة حول السينوغرافيا والقوالب التي وضعت ضمنها الممثلات، غالباً تطغى على الحوار أسئلة حول الاغتصاب والحلول الممكنة. لقد طرح العرض المشكلة وهي كبيرة، ويترك للمجتمع البحث عن الحلول في إطار القانون وكيفية تطبيقه.
○ وهل أنت بصدد نص مسرحي حول التحرش بالذكور المسكوت عنه أيضاً؟
• أعتبره موضوعاً مهماً وأرغب بالإضاءة عليه، لكنّ النص حوله غير موجود حتى الآن. سأكون في غاية السعادة إن وجد نص حول التحرّش بالذكور.
○ تُصنّف المسرحية في خانة التوعية الاجتماعية والإنسانية. هل انت مستعد لعرضها في المناطق؟
• إنها حركة مرتبطة بالإنتاج. السينوغرافيا أخذت بالاعتبار عرضها في أمكنة مختلفة، فالإضاءة تقع ضمن الأقفاص التي سبق الحديث عنها، ويمكن عرضها في الهواء الطلق.
○ مسرحية «هل هالشي طبيعي» ستُعرض في المونو هل ستخضع لبعض التعديل؟
• التعديل الأول طال الديكور ليكون بحجم مسرح المونو، ومن ثمّ التمارين التي نحن بصددها ستجعلنا نتناول المسرحية بنظرة مختلفة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية