«ريان» درس للإنسان والإنسانية الأطباء في الجزائر بين نزيف الوباء والهجرة

هل أعاد “ريان” الطفل المغربي الإنسانية لضميرها، وأخرجها من مأزق الحروب الفجة ومن “أكل لحوم البشر” دون عقيدة أو طقوس؟
هل فتحت زرقة شفشاون الساحرة العيون على مقدار جمال الكون بدل الخراب؟ أم كشفت حفرة البئر العميقة كم يقف الإنسان عاجزا، رغم كل وسائله وأدواته، أمام إنقاذ طفل في أمس الحاجة لذلك، فلم يجد سوى التضرع للسماء ولخالق الكون أن يخرج “ريان” من غياهب الجب إلى الحياة. تفاعل العالم على كل منصات التواصل الرسمية والموازية. لكن المواساة بدأت مغاربية ثم عربية، ثم بدأت الرموز الإعلامية العالمية في التفاعل. من يرى كيف تفاعل الجزائريون مع ريان من أعماق أفئدتهم يجعله يدرك حجم التلاحم والمشاركة التي لم يستطع “طبق الكسكسي” ولا غيره فعله.
وكأن ريان جاء لكي يصلح بين الشعوب العربية بعدما خربته السياسة وكرة القدم. ففي المحن يظهر المعدن الأصيل.
الحمد لله نرى تضامنا وتآزرا ومواساة ودعوات كبيرة من الشعوب العربية. “انقذوا ريان” (من صفحة الرديف توا) والتدوينة رافقتها صورة خريطة العالم العربي براياته وبصور الطفل ريان. الكل تعاطف مع عائلته ومع الشعب المغربي، والكل متحلق حول “قناة الجزيرة” ويبحث بجواله عن آخر الأخبار، بل عن خبر الخلاص المفرح. لكن، وكما كتبت أحلام مستغانمي: “انتظرنا طويلا معجزة إلهية، تشبثنا لآخر لحظة بالأمل. ولكن قدر الله وماشاء فعل. الآن وقد انتهى عذاب هذا الملاك الذي قضى 5 أيام في ليل دائم طويل، في حضن التراب والحجر، لنستخلص العبر من مأساته، هناك تفاصيل كثيرة تستحق التأمل. عندما ستنطفئ الكاميرات تصوروا أن البعض سارع بنشر صورته في سيارة الإسعاف وهو مدمى الوجه، مشدود الرقبة، مستسلما لغفوته الأخيرة!! لقد كان بالنسبة للبعض سبقا صحافيا، وفرصة لجمع المتابعين وزيادة نقرات الاعجاب، فالمأساة على أيامنا غنيمة”!
هكذا بعد أيام وليال كئيبة يفارق ريان الحياة، بعد وحدة قاتلة في حفرة طولها 32 مترا أو يزيد. فقط برفقة حشرات الأرض، وأنبوب الأوكسجين وكاميرا تراقب حركاته وسكناته، لكن أيمكن تصديق كل ما كان يقال؟
الشائعات غزت منصات التواصل الاجتماعي. ولأول مرة كانت شائعات أمل. وأن ريان خرج حيا يرزق. ريان يتلقى الإسعافات الأولية. وغيرها من الصور والفيديوهات المتداولة على صفحات فيسبوك وغيرها من المنصات والمواقع. لكن هل كان التضامن إنسانيا لا تشوبه شائبة؟ أم هناك ماينغص تلك الهبة الإنسانية حول ما حدث للصغير؟
بدأت الاصوات تتعالى متهمة ذلك التضامن بالنفاق. فلماذا لم نشهد تضامنا بكل تلك المعاني والامكانات التي أخرجت في قضية ريان، طائر الجنة، وأطفال فلسطين تحت أحذية الصهاينة وفي سجونهم وتحت سياط تعذيبهم مدة 80 عاما؟ وماذا عن أطفال سوريا الذين يموتون كل لحظة بالسلاح الفتاك وبالحرق والجوع والبرد؟!
كم مات منهم بعد موجة الثلج التي اجتاحت منطقة الشرق الوسط؟ وماذا عن أطفال اليمن الذين حولتهم التحالفات العسكرية إلى اكوام عظم تكسوها جلود جافة مترهلة. وماذا عن أطفال العراق الذين خربت الحرب وطنهم وهجرتهم وشردتهم وباعتهم في سوق النخاسة؟
هل هناك تمييز إنساني وإعلامي للقضايا الإنسانية، وهل كانت الشعوب وضميرها الإنساني، تنتظر وقوع الطفل ريان في بئر ارتوازية جافة، ليظهر ذلك الإحساس المتدفق بالألم والتعاطف ومعرفة أن البشر سواسية، وهل سنشهد مستقبلا، بل كل يوم، مثل هذا التعاطف والتواصل في كل الوسائل مع الحوادث المميتة التي يتعرض لها الأطفال؟! فكم من ماتوا غرقا وردما في الحفر والآبار واللامبالاة. الأطفال مسؤولية الأهل قبل أي أحد آخر. على الأمهات أن يحرصن على حياة أولادهن. فمن يعطين الحياة عليهن أن يعطين الحماية والأمان لأولادهن.

ضحايا كورونا و قوارب «النجاة» المهنية

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالغضب والسخط والتهكم أحيانا، بعد تصريحات الدكتور الياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الصحة العمومية عن استعداد 1200 طبيب جزائري مغادرة البلاد نحو فرنسا. ونشر الاتحاد الوطني للدكاترة والباحثين الجزائريين الخبر عبر صفحته على الفيسبوك وعلى خلفية سوداء “ويتواصل النزيف وتستمر السقطات… حوالي 1200 طبيب جزائري من مختلف التخصصات يستعدون للمغادرة إلى فرنسا للعمل في مستشفياتها”.
بينما علق أحدهم على الخبر: ” لايؤثر شيء في المنظومة الصحية فيزبلادنا لا حاجة لنا لا بكثرتهم ولا بقلتهم، ندع الله أن يحفظنا من كل سوء فقط، لأن المسؤولين الكبار وأصحاب النفوذ علاجهم في الخارج والمرضى الفقراء يتألمون في صمت لاشفقة ولا رحمة. حسبنا الله ونعم الوكيل. طبعا لا أتكلم بعنصر التعميم، لأنه لا يزال هناك أطباء فيهم الخير ولا ينقطع الخير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وربي يبارك فيهم”.
وكتبت أخرى (د. مليكة بلحاج): ” شعب لا يهمه أمر 1200 طبيب يهاجر ويهمه أمر طفل رحمه الله. شعب لا ننتظر منه شيئا لأنه سيموت أكثر من 1200 طفل بسبب نقص التأطير الطبي”!
وكانت مواقع ومنصات إعلامية كثيرة تناقلت تصريح الدكتور الياس مرابط “الذي كشف أن 1200 طبيب يتأهبون لمغادرة الجزائر نحو فرنسا، بعد نجاحهم في اختبار تقييم المعارف الفرنسي المخصص لممارسة الطب في فرنسا، وكانت نسبة النجاح وسط الجزائريين كبيرة جدا ضمن 2000 طبيب مشارك من مختلف الجنسيات. وأوضحت النقابة (حسب ماجاء بموقع جريدة الحوار) أن اختبار مراقبة المعارف مسابقة معادلة الكفاءة، هو بوابة ممارسة الطب في فرنسا، مايعني أن هجرة 1200 طبيب جزائري جديد نحو فرنسا. وأرجعت النقابة ذلك إلى الأسباب المادية في الدرجة الأولى وضعف أجور هذه الشريحة في الجزائر. وهذه الهجرة لم تتوقف بل” تتزايد، فخلال 20 سنة فقدت البلاد 20 ألف طبيب، حسب الدكتور محمد يوسفي، رئيس النقابة الوطنية للممارسين الاخصائيين للصحة العمومية (حسب موقع تي أس إي.. كل شيء عن الجزائر). والنزيف متواصل. بينما قدم وزير الصحة البروفيسور عبد الرحمن بن بوزيد توضيحات بشأن ذلك لقناة النهار، معتبرا أن “الظاهرة لاتخص فقط الجزائر. وذكر بلدانا مثل الهند ومصر.
وأضاف أنه “ولمواجهة هجرة الأطباء هذه، اعتبر أنه من الضروري إصلاح المنظومة الصحية، ففي العديد من المستشفيات هناك الكثير من الأطباء فاتوا سن التقاعد وما زالوا يمارسون وظائفهم، ولا يسمحون للجيل الجديد بتعويض هم. وهذا ما يجعل عدم وجود مناصب للأطباء الشباب.
كما أضاف أنه “توجد العديد من المشاكل في قطاع الصحة. ولدى الوزير الأول ملف لتطبيق القانون. فمن يصل لسن التقاعد عليه المغادرة، وإذا احتجنا له نستدعيه”.
وليس الكل معني بهذه الهجرة. فكم من الأطباء وكل الطواقم الطبية من قاوموا موجات وباء “كورونا” بشجاعة وتضحيات، ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك. وسط نقص حاد للإمكانات الطبية ولطرق الوقاية. إلى غاية الموجة الرابعة التي بدورها فتكت بمئات الأطباء والممارسين للمهنية. هذا وفق تصريح رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الصحة العمومية الياس مرابط، الذي كان ضيفا على قناة سطيف الإذاعية الجمعة الماضي، حسب ما نقله موقع “الجزائر” بينما أكد مرابط على أن عدد الاصابات بكورونا في تراجع متواصل. وإذا بقي هذا التراجع بنفس الوتيرة خلال الأسبوع المقبل (هذا الأسبوع) ستكون الجزائر قد تخطت الموجة الرابعة وتركتها وراءها.
وأرجع نسبة الوفيات التي تبقى مرتفعة نسبيا لمخلفات هذه الموجة قبل أسابيع من الآن، مؤكدا أنها ليست إصابات جديدة. وأضاف “أن الموجة الرابعة استنزفت قطاع الصحة بامتياز، فعدد الإصابات في حق عمال الصحة بالجملة وتقدر بالآلاف وإن لم تخلف عدد وفيات كبيرا مقارنة بالموجات السابقة.
وكشف عن تسجيل 451 طبيبا من مختلف التخصصات والأسلاك. في حين يبقى العدد مرشحا للإرتفاع بحكم وجود عدد آخر في المستشفيات، وبعضهم في حالة حرجة في الإنعاش”. نحن في حاجة أن نسمع اننا بالإمكان أن نتخطى هذه الموجة بأقل الأضرار والآلام، لا سيما وأن عدد الإصابات الجديدة ليوم أمس قدر بـ 378 حالة فقط. ولله الحمد.

٭ كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمي صالح باتنة:

    منذ زمن بعيد و الأطباء المغربيون يهاجرون الي فرنسا و من الجزائر بصفة خاصة لتحسين ظروفهم المعيشية و هذا ليس بأمر جديد ابدا و الا كيف نفسر تواجد اكثر من عشرين ألف طبيب جزائري في فرنسا يمكن ان يكون الجديد هو استقطابهؤلاء الأطباء بصفة مقصودة و محضر لها عن سبق اصرار و ترصد و جهز لها من الامكانيات و الإغراءات الشي الكثير .

  2. يقول M..H:

    ريان رحمه الله تعالى جرح في قلب امة تداعى له جسد بالحمى . هناك ريان في جب اليمن وسوريا ولبنان والمصيبة في فقدان الانسانية عند بني الإنسان الاشد قسوة ووحشية من الحيوان .

  3. يقول M..H:

    ريان رحمه الله تعالى أحبه وإراده الله تعالى أن يكون نورا في ظلام جب تعيش فيه أطفال ونساء دول عدة فاضاء لنا وعرى الحكام ببشاعة ووحشية الواقع المر . ريان رحمه الله تعالى العالم أحبه ولكن حب الله تعالى له كان أقوى وأصدق وانقى .

  4. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

    هناك كذلك هجرة غير معلنة لاطباء من الجزائر نحو المغرب .. هي ليست كبيرة لكنها موجودة .. و سهلة للغاية ..
    و هناك خصاص في المغرب واضح .. و قد هاجر مؤخرا بطريقة معلنة و رسمية آلاف الاطباء الى المغرب
    من مصر و كوبا و الجزائر ..
    .
    و هذا راجع لسبب مادي .. فبصراحة ما يتقاضاه الطبيب في الجزائر قليل و غير مفهوم .. و كما علمت نحو 1400 اورو
    في احسن الاحوال .. و حتى بعيادة على ما يبدو. و الاطباء يبدؤون العمل في المانيا بنحو 5500 اورو كمبتدأ ..
    و بتقاضون بصع آلاف اورو كمبتدئين في المغرب .. لذلك عدد الاطباء من المغرب الراغبين في الهجرة قليل ..
    .
    عموما هناك هجرة كوادر من الجزائر نحو المغرب غير معلنة .. و مرحبا بهم. و قد اصبح امر عادي ان نجد مواطنين
    جزائريبن يتقلدون مناصب رفيعة في شركات و مؤسسات مغرببة .. و هم أكفاء فعلا .. و لهم نفس العقلية .. و تفس اللغة ..
    .
    و مرحبا بهم طبعا.

    1. يقول امحمد الأول:

      معلومة خيالية ، لم يحدث أن قدمت وزارة الصحة المغربية بيانا أوتقريرا في هذا الشأن

  5. يقول ف:

    مات ريان في سن خمس سنوات ،ويوم 5 فبراير وبقي في البئر 5 أيام في عمق 32 متر وتساوي ٍ رقم 5 (3+2 ).ويعني هذا الرقم 5 صلوات و 5 فرائض (فرائض الإسلام الخمس).فهل هذا الرقم محض صدفة أم له دلالات تشير إلي رسالة ربانية للعالم.

  6. يقول لينده:

    مشكوره دكتورة مريم،الله يرحم ريان ويلهم والديه الصبر و السلوان

  7. يقول السعيد الأمجد:

    القشّة التي قصمت ظهر البعير، وفضحت عجز بلداننا عن إيجاد الحلول.
    محنة الطِّفل ريان الذي حُشِر في أعماق الجُبّ، صورة أخرى ونأمل أن تكون الأخيرة لِما تعيشه بلداننا من مآسي بصور مختلفة.. وصورة هجرة الأطباء الجزائريين الإخصائيين الـ 1200 إلى فرنسا صورة أخرى لهذه المأساة التي تأبى الانفراج..
    حسرة وألم على هذه المآلات بقدر الحروف التي سردها المقال..
    شكراً للكاتبة مريم بوزيد سبابو على مواضيعها التي تعالج أحداث السّاعة.

  8. يقول مناضل مغاربي:

    الأطباء والمهندسون الجزائريون في المغرب الأقصى لم يهاجروا أنهم في بلدهم وعشيرتهم ، بلدهم المغرب الكبير الذي قسمه الاستعمار الاسباني و الفرنسي لاضعافه و ضمان استمرار هيمنته عليه.

    1. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

      صحيح.

إشترك في قائمتنا البريدية