ريما خشيش: “يا ليت” خال من الإيقاع يجمع “اللامنتو” الغربي وموسيقى معاصرة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت-“القدس العربي”: عندما تُقدم ريما خشيش عملاً فنياً جديداً فولادته تكون عصارة لجهد ذهب عميقاً في التجريب وتحدي الذات. هو حال سي دي “يا ليت” الذي أبحرت فيه مع موسيقيين من هولندا في غناء ألحان من عصر الباروك. وتركت لصوتها أن يبحث عن زوايا الندب الذي دعاها إليه رفاق الدرب الفني منذ سنوات طويلة. ففي موسيقى الباروك الأوروبي الكثير من الندب بخلاف حال موسيقانا العربية. “يا ليت” عمل غنائي يحتاج إنصاتاً وهدوءاً ليصل الذائقة الفنية، فموسيقاه من التراث الأوروبي.

مع ريما خشيش هذا الحوار:

* غلاف سي دي “يا ليت” مغرق في القدم ينسجم مع موسيقى الباروك التي اخترت غناءها. فماذا عنه؟

**موقع صورة الغلاف هو بيت للسونا في هولندا يعود لسنة 1800. قصدنا المكان باكراً قبل أن يفتح أبوابه للزبائن لنأخذ الوقت المطلوب في التقاط الصور. كان هذا الخيار لأنه كما ذكرت يتناسب مع زمن الموسيقى التي يتضمنها السي دي.

*السي دي بالكامل كلمات كتبها ربيع مروة على موسيقى قديمة أعيد توزيعها. لماذا ربيع وحده؟

**يجمعني مع ربيع تاريخ طويل من التعاون. منذ السي دي الأول “يا للّي” سنة 2005 وربيع يرافقني بلحن أو كلمات، واسمه دائم الحضور في كافة أعمالي الغنائية، وجمعتنا معاً حفلات مشتركة. ربيع مروة لا يدّعي أنه شاعر لكنه يعبر عن موضوعات يرغب فيها ببساطة تامة. أفكاره جديدة وتشبهني. في سي دي “يا ليت” انساب ربيع مروة في تركيب كلام على ألحان الباروك بسلاسة. هي ألحان تعود للقرنين 17 و18 وأظن النجاح في عمل مماثل يحتاج عارفاً بالموسيقى والشعر معاً. ربيع مروة أول من استشيره في أي عمل فني جديد.

*ماذا عن تلك الألحان المختارة من عصر الباروك؟

**أغنيتا في “سكون الليل” و”عيني حبيبي” هما لملحن باروك هولندي، تعودان للقرن السابع عشر. وأغنية “يا ليت” أو “Ombre de mon amant” للملحن الفرنسي ميشال لامبير تعود للقرن الثامن عشر. عدا أغنيات عصر الباروك كتب ربيع مروة كلمات أغنية “غيمة” بناء على موسيقى الشريك في السي دي عازف الكلارينت مارتين أورنيستين. ألحان الباروك تُغنى في الحفلات التي تعتمد التراث برنامجاً لها في كل أوروبا.

*أنت شرقية لماذا العودة إلى موسيقى عصر الباروك الغربي؟

**تشاركت في مشاريع موسيقية متعددة مع مارتين أورنيستين. عزف معي في أعمال “هوى موشحات ويا وحشني”. تعاوننا يعود لعشر سنوات مرّت. مارتين ومايك فونتروس عازف آلة التييوربو القديمة والتي تنتسب لعائلة العود، قدما معاً سي دي عبر آلتين. وبما أن عملي قديم مع مارتين فقد دعاني لمشاركتهما مشروعاً موسيقياً. فكرة السي دي تقوم على جمع أغنيات عربية كلاسيكية، إلى أخرى من موسيقى الباروك التي اعتاداها في حفلاتهما. إذاً “يا ليت” سي دي يعبر عنا نحن الثلاثة. فقد استمعت إلى العديد من مقطوعات الباروك القديم واخترت ما لامس إحساسي، وما يشعرني بأنني لا أغني غربي. نعم اعتدت هذه الأغنيات وأشعرها عربية، رغم كونها موسيقى غربية، صياغة لحنية وألواناّ موسيقية.

*نشاطك مميز رغم اختياراتك غير التجارية. كيف تخططين لكل جديد؟

**لنأخذ مثالاً سي دي “يا ليت” فنحن كفريق غنينا هذا السي دي قبل تسجيله في حفلات أوروبية عديدة، ومؤخراً سجلناه. بداية طُلب مني أن يلتزم السي دي موضوع “اللامنتو” أي الندب. شرحت لهم بأن الندب في موسيقانا غير ذي أهمية بخلاف الموسيقى الغربية. ففي الغرب “يعنّون” على اللحن نفسه حتى استدراج البكاء. بحثت عن أغنيات مماثلة فوجدت “يا فايتني وأنا روحي معاك. ما تقوللي كان أيه بكّاك”. بعد ذلك كان لا بد من الإنحراف عن موضوع الندب كما في أغنيات “يا حلو بل يا قمر” و”زروني” اللتان لا تنتميان لموضوع الندب. الإيقاع غير موجود في موسيقى السي دي رغم أهمية التوزيع. والكلمات التي كُتبت لموسيقى الباروك موضوعها حزين غالباً.

*كيف تبنين مشروعك الموسيقي المستقل؟

**أتمنى أن لا يكون مشروعي الغنائي مستقلاً، وأن يوجد من يسألني عن مشروعي، أو فكرتي رغبة في التعاون على تنفيذها. ولكن… خياري الفني غير تجاري، أقدم موسيقى تهم شريحة محدودة من المتلقين. وعلى عاتقي كل الجهد المطلوب. أقدم قناعاتي الفنية وإن سمعتها قلة من الناس. لو فكرت في عدد الجمهور وحجمه لما خطوت للأمام. منذ سنوات طويلة والتواؤم الفني قائم مع الزملاء في هولندا على الاختيارات الفنية التي نحب.

*كيف ولد هذا التواؤم الفني مع فنانين هولنديين؟

**التواؤم المهني صعب كما اختيار زوج المستقبل. منذ بدأ تعاوننا ونحن نسجل وكأننا في حفل. الموسيقيون الذين يوافقون على عمل مماثل قلة نادرة. لم يحدث أن سجل كل موسيقي آلته منفرداً، ومن ثم أضع صوتي. نلتقي على المقدرة الفنية، الذوق المشترك والتوافق في الأفكار. هي نعمة ونقمة معاً لأنني في لبنان وهم في هولندا. ولهذا السبب حفلاتي في لبنان أقل منها في أوروبا. بعضهم يردد “ولو لا موسيقيين في لبنان؟”. فهل يمكن هدم مشروع بدأ قبل 20 سنة مع أشخاص أتوافق معهم وأبحث عن موسيقيين في لبنان؟

*ماذا عن الإنتاج المشترك الذي أدى لولادة سي دس “يا ليت”؟

**تلقينا دعماً من آفاق ومن السفارة الهولندية.

* “يا ليت” يضم عشرة “تراكات” منها لحن لخالد أبو النصر الذي تمتع بعز في أيام الإذاعة اللبنانية. من يعرفه حالياً؟

**هو ملحن “سليمة” للأسف ليس صاحب شهرة. كان أحد أركان الإذاعة اللبنانية وله في أرشيفها ألحان غاية في الأهمية. تعرّفت إلى أعماله مع صوت زكية حمدان الذي أحببته منذ طفولتي. هو متأثر بعد الوهاب والموسيقى الكلاسيكية العربية، كتب الكثير من الموسيقى التي كانت في زمنه تُعتبر معاصرة. استعمل في لحنه الإيقاع الغربي، وجدد في أسلوب الغناء لدى زكية حمدان، فهما شكلا ما يشبه الثنائي، وعملا معاً طويلاً. في أول سي دي صدر لي سجلت أغنية “سُليمة” التي لحنها أبو النصر وغنتها زكية حمدان. وفي هذا السي دي اخترت من أغنياته “يا حلو” التي كتب شعرها غنطوس الراعي. هي موسيقى خالية من الإيقاع وتوزيعها متفرد جداً. عندما قررت تسجيل “سُليمة” زرت زوجة أبو النصر وابنته للحصول على حق التسجيل. ومنحتني العائلة حق تسجيل ما أريده من موسيقاه، مع حفظ الحقوق. ولهذه القصيدة سيرة قديمة مرتبطة بالموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يزور لبنان، وباشر في تلحينها لكن وباء الكوليرا انتشر في ذاك الصيف من الستينيات، وعبد الوهاب “مسرسب” فغادر سريعاً تاركاً القصيدة لحالها. وكان تليحنها لاحقاً من نصيب خالد أبو النصر.

*بعد المعهد الموسيقي الوطني الذي درّست فيه لسنوات أين أنت مهنياً الآن؟

**أدرّس الموسيقى في الجامعة الأمريكية في بيروت. فقد تركت المعهد الموسيقي سنة 2009 قبل وفاة الدكتور وليد غلمية.

*لم يُسجل لك حضور في حفلات الأوركسترا الشرق عربية؟

**صحيح. أحترم وأقدر مدير المعهد الفنان الموسيقي بسام سابا. كانت لي برفقته العديد من الحفلات إلى جانب الفنان سيمون شاهين في الولايات المتحدة الأمريكية. في رأيي بسام سابا من بين قلة في من حلّ في المكان المناسب. أن يكون لي حفل مع الأوركسترا الشرق عربية أمر وارد وفي الفرصة المناسبة.

*كيف تصفين العلاقة كأستاذة موسيقى مع الجيل الجديد في الجامعة؟

**هو صف موسيقى لكافة الاختصاصات في الجامعة الأمريكية، ويصنف إنسانية. يفرحني أنهم يخلصون لنظرة مختلفة عن الموسيقى العربية وعارفين بالكثير من تلك الموسيقى. ترك الصف أثراً لدى العديد من الطلاب وبعضهم بدأ تعلم العزف على آلة مختارة من قبلهم. وقد يكون هؤلاء محبون للموسيقى ولم يلحظوا ذلك. سمعوا الموسيقى العربية من خلال السائد وبعضهم لم ينجذب إليها. يرددون أن المقرر تركهم يحبون الموسيقى العربية. من جهتي أحب هذا الجزء من حياتي لأنه يمثل شغفي وأقوم به بكل حب فيعدي الطلاب.

*وهل تعرّفين طلابك إلى تجربتك كصوت وكعازفة عود إضافة لتاريخ الفن؟

**التزم التدريس لصفين. أحدهما صف غناء شرقي وفي نهاية المقرر يفترض في الطلاب تقديم حفل. وينحصر صف الإنسانية بتاريخ الفن أي الآلات الموسيقية، الإيقاعات، المدارس الموسيقية، الفولكلور وغيره. وفي نهاية هذا المقرر يكتسب الطلاب معلومات كافية من كل تلك العناوين.

*هل تتجدد تلك الدروس؟ وهل تحتاج لتحضير؟

**التجديد مطلوب دائماً والتحضير كذلك وخاصة لصف تاريخ الفن. ماذا أحب؟ الجواب تعليم الغناء والغناء هو شغفي. لكنني أحضر مادة التاريخ وأدرّسها من كل قلبي.

*هل من موقف لافت مع هؤلاء الطلاب؟

**في صف الغناء على سبيل المثال وبعد التعارف أخبرهم بأننا ومبدئياً سنسمع فقط صوت وموسيقى الأموات بنسبة تساوي 60 في المئة من كل حصة تدريس. وما يُسمع فيه لن يُسمع خارجه. أسمعتهم بعضاً من نتاج أهم عمالقة الموسيقى العربية. درس الموشح نسمعه بصوت عبد الحي حلمي من خلال تسجيل قديم يتضمن “خشة” صوت، وأسلوب غناء بعيد عن عصرنا. عندها انظر إلى تعابير الوجوه فأجدهم وكأنهم خاضعون لقصاص. أسألهم انطباعهم فيرد أحدهم “هيدا ما بيقطع”. أو أن يُعلِّق أحدهم واصفاً صوت سيد درويش بـ”مش حلو”. في رأيي هي انطباعات عادية لأنهم لم يعتادوا هذا النوع من الغناء.

*هل غنيت وأنت تعزفين العود منفردة؟

**حدث بمناسبة 20 سنة على تأسيس مسرح المدينة. فقد أحييت حفل غناء منفردة، وعزفت العود. وفي هذا الحفل كذلك غنيت أكابيلاّ. أن أكون منفردة مع العود ليس بالأمر السهل، فهو ليس آلتي الأساسية.

*ما هي الآلة الأساسية بالنسبة لك؟

**تخصصت في المعهد الموسيقي في الغناء الشرقي، وإلى جانبه على الطالب دراسة العود لثلاث سنوات. وهذا ما فعلته ولم أتخصص في دراسة العود منفرداً، صوتي هو آلتي.

*بالنظر إلى مسيرتك في الغناء هل أنت راضية أم تقولين لو أو يا ليت كما هو عنوان السي دي الجديد؟

**ليس عندي أي “لو” على أي خطوة نفذتها. شخصيتي تتصف بالعناد، أنفذ ما أريده خاصة في الموسيقى. لا أساير في عملي الفني. لم يساورني أدنى ندم على أي عمل قدمته. تمنيت وأتمنى طريقاً أقل صعوبة. طريق الفن صعب للغاية خاصة مع فرص الإنتاج المحدودة جداً. الصعوبة المضافة بالنسبة لي تعاوني مع زملاء من هولندا ويقيمون فيها. هذا ليس واقعاً أعانيه وحدي بل كل فنان أو فنانة لا ترغب الدخول في موجة السوق.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية