باريس ـ «القدس العربي»: في عرض هو الأول عالمياً، وبحضور المخرج م. نايت شاملان وممثل الشخصية الرئيسية جايمس ماكافوي، أقامت السينماتيك الفرنسية في باريس عرض ما قبل الأول لفيلم «زجاج» الذي سينزل إلى الصالات الفرنسية والعالمية في وقت لاحق، والفيلم هو الأخير من ثلاثية للمخرج بدأت بفيلم «لا يُكسر» عام 2000، لحقه «انشقاق» عام 2016، وفي ثلاثتها الشخصيات توجد عينها إنما بحكايات منفصلة، إذ ليس هنالك ما يمنع من مشاهدة فيلم بدون الآخر.
ليس الفيلم الذي أدى دور البطولة فيه بروس ويليس وسامويل إل جاكسون، فيلم رجالا خارقين بالمعنى التقليدي، هو ليس فيلم أبطال خارقين، بل فيلما عن الأبطال الخارقين، أو تحديداً عن فكرة الأبطال الخارقين وعلاقة ذلك بواقعنا الحالي.
كأي قصة في هذا الموضوع، لا بد أن يوجد خيرٌ، هنالك مدافع خارق عنه، وشرٌ وهنالك كذلك مدافع خارق عنه، وبذلك يبدأ الفيلم، إذ يخطف أحدهم 4 فتيات، سنعرف أنه الشرير، ليحقق في شأنه ويبحث عنه ويجده آخر سنعرف أنه الخير. يتعاركان في المشاهد الأولى من الفيلم فتلقي الشرطة القبض عليهما ليبدأ الفيلم، عملياً، من هنا، حيث تحاول امرأة تدعي بأنها اختصاصية في حالات كهذه، وأن وظيفتها هي إقناعهم بأنهم أناس عاديون وليسوا أبطالاً خارقين، إذ تجري معظم الأحداث في ذلك المستشفى الذي يُحتجز فيه الاثنان، إضافة إلى ثالث وهو محتجز قديم.
عمليات تعذيب نفسي وجسدي يتعرض له الأبطال الثلاثة، ومحاولات إقناع دائمة من قبل الاخصائية لكل منهم بأنه عادي وليس خارقاً، بأنه يظن، فقط، بأنه مختلف عن الآخرين. هنا نرجع إلى العقدة في حياة كل منهم، فنعود إلى ذكرى في طفولة كل منهم نفهم بها سبب نقطة الضعف التي لديه، فالخير (بروس ويليس) هو رجل عادي يتحول إلى خارق متى أراد، إنما يفقد قواه متى غطس بالماء أو رُش عليه، وذلك لأنه في طفولته، تم إغراقه من قبل أولاد آخرين اعتدوا عليه. أما الشرير (جايمس ماكافوي) فقد كانت أمه تضربه وتوبخه دائما، لذلك هو بشخصية ولد ابن تسع سنين، وهو كذلك مصاب باضطراب عقلي بخلاف الاثنين الآخرين، إذ يتنقل بين شخصيات بانفصام سريع، يتنقل بين اللغات، بين الشخصيات، لكن من هذه الشخصيات/التجسيدات ما يُسمى بالوحش، وهو الخطِر من بينها، هو صاحب القوة الخارقة، القادر – كسوبر مان في عدد الكوميكس الأول حيث رفع سيارة جيب- على رفع سيارة الشرطة بيديه. أما الثالث (سامويل إل جاكسون) فهو الأكثر غموضاً، الصامت معظم وقته، المقعد، هو بطل خارق بعقله، إذ يتسبب بمأساة في نهاية الفيلم كما فعل في زمان سابق نعرف به أثناء المشاهدة.
يقدم الفيلمُ الأبطالَ الخارقين غير الواقعيين كإشارة إلى واقعية ما يصوره، واقعية رسالته، وإشارة إلى انحيازه لهؤلاء، حتى للأشرار منهم، للوحش الذي سيصير ضحية بشكل ما.
يلتقي الثلاثة في المستشفى، كل في غرفته، وفي الغرف أجهزة للتحكم بقواهم، كمرشات مياه في غرفة الرجل الخير، ترشه به متى اقترب فيفقد قواه، وإضاءة شديدة في غرفة الرجل الشرير تضيئ في وجهه متى تحول إلى الوحش فيرجع لإحدى شخصياته الأليفة. أما الثالث وهو مُقعد على كرسي، فلا اعتبارات احترازية في غرفته، لكنه هو في النهاية الذي سيقوم بما يقلب الطاولة على الحرس والممرضين في المستشفى، والسيدة التي تدعي أنها طبيبة نفسية اختصاصية في موضوع الأبطال الخارقين.
ليس الفيلم عن علاقة الأبطال الخارقين ببعضهم بعضا ولا عن معاركهم ولا يُعنى بمن سيكسب في النهاية، «زجاج» ليس فيلمهم بل فيلما عنهم، وعن فكرة الأبطال الخارقين في عالمنا الواقعي. وعن محاولات الدولة – أمريكا في الفيلم- للتعمية على وجود أشخاص كهؤلاء. فالسيدة ليست أخصائية نفسية ولا متخصصة، بل عضــــو في منظمة ســرية تكافح الأبطال الخارقين، وتحاول إثبات عدم وجودهم للحفاظ على النظام العالمي كما هو، وكي لا يظن كل من أراد الحلم، أو كل من آمن بقوة كامنة فيه بأنه قادر على التميز أو الخروج عن النظام الذي حددته الدولة بأنظمتها القمعية والمتحكمة، كالشرطة والمدارس المستشفيات والقضاء ولكن ليس الإعلام والسوشيال ميديا.
من خلال السوشيال ميديا، بطريقة أتركها هنا غائبة كي لا أتلف تشويق المشاهَدة على القارئ، سيعرف الناس أن هنالك أبطالا حقيقيين وهم خارقون، بالفيديوهات المنتشرة في كل مكان، سيعرف الجميع الحقيقة التي فشلت المنظمة السرية المدعومة من الدولة في كتمها.
في الفيلم (Glass) ما يعطي بعداً واقعياً للأبطال، بخلاف عموم الأفلام عن الأبطال الخارقين، وهي إنسانيتهم، فهم في معظم لحظات حضورهم على الشاشة أناس عاديون بدون قواهم الخارقة، ولديهم نقاط ضعف كأي إنسان، وهم كذلك بهيئات آدمية تماماً، وهم لا يختلفون كثيراً عن أناس عاديين إنما بقوى جسدية زائدة عنهم.
بذلك يقدم الفيلمُ الأبطالَ الخارقين غير الواقعيين كإشارة إلى واقعية ما يصوره، واقعية رسالته، وإشارة إلى انحيازه لهؤلاء، حتى للأشرار منهم، للوحش الذي سيصير ضحية بشكل ما، فالشرير أخيراً سيكون المنظمة السرية التي كانت غايتها، كما صرحت الامرأة، هي الحفاظ على النظام العام الذي قد يختل بوجود أبطال خارقين (أناس حالمين) كهؤلاء.
٭ كاتب فلسطيني سوري