القاهرة ـ «القدس العربي»: هذه قمة ليست كسابق القمم، إذ سبقتها «معجزة» السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حينما نجحت المقاومة الفلسطينية بشهادة الأعداء والأصدقاء في إلحاق العار بالجيش الإسرائيلي، وكشفت جبال الأكاذيب والزيف التي أحاطت به منذ عقود بعيدة.. أقل ما يُطالب به الزعماء العرب أن يكونوا على مستوى تضحيات الشعب الفلسطيني البطل الذي يسطر بمقاومته الباسلة مزيدا من المعجزات منذ 35 يوما، دون أن يهب لنجدته في محنته.. هذه قمة ليست كسابق القمم، فالعرب هذه المرة باتت لهم يد عليا متمثلة في ذراع طولى تربك حتى حسابات الإدارة الأمريكية ومشاريعها المستقبلية بشأن تركيع العالم أمام الأوهام الصهيونية الكاذبة. العرب ماعادوا رغم الخراب العمراني الذي حل بغزة وآلاف الشهداء ذليلين ينتظرون الرضا الأمريكي، بعد أن دخلت الحرب أسبوعها السادس، دون أن تحقق واشنطن وتل أبيب أهدافهما. وفي إطار المساعي الرامية لدعم القضية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، اتفق الرئيس السيسي، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، الذي يقوم بزيارة لمصر، على تأكيد رفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني أو دول المنطقة، ورفض محاولات التهجير القسري. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار أحمد فهمي، بأن الرئيس عقد جلسة مباحثات مع أخيه الشيخ تميم بن حمد، أشادا فيها بالتطور المستمر في العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، واتفق الزعيمان على مواصلة تفعيل مختلف أطر التعاون وآليات التشاور والتنسيق على المستويات كافة بين البلدين. كما ناقش اللقاء التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وما يرتبط به من تحديات إقليمية، تدفع بالمنطقة إلى اتجاهات خطيرة وغير محسوبة. وبحث الزعيمان أفضل السبل لحماية المدنيين الأبرياء في غزة، ووقف نزيف الدم، حيث تم استعراض الجهود المكثفة الرامية لتحقيق وقف لإطلاق النار، واستدامة نفاذ المساعدات الإنسانية بالكميات التي تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني في غزة.. وأكدا استمرار التشاور من أجل وقف التصعيد الراهن للحد من معاناة المدنيين وحقنا لدماء الشعب الفلسطيني الشقيق، وصولا إلى إقامة دولته المستقلة وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية وتحقيق السلام العادل في المنطقة.
وفي سياق حملة التعاطف مع المناصرين للقضية الفلسطينية: اضطر الفنان بيومي فؤاد لغلق الحساب الرسمي له في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعد خسارته لعدد ضخم من المتابعين؛ على خلفية تصريحاته بعد عرض مسرحية «زواج اصطناعي» في الرياض. عدد المتابعين لحساب بيومي فؤاد اقترب من الـ10 ملايين متابع، ولكن ظهرت دعوات لإلغاء الإعجاب والمتابعة بعد تصريحاته التي اعتبرها البعض تنتقد الفنان محمد سلام؛ الذي اعتذر عن تقديم المسرحية. وخسر بيومي فؤاد، في يومين تقريبا قرابة مليوني متابع، ما دفعه لغلق الحساب، كطريقة لوضع حد لخسارته، بعد أن أغلق خاصية التعليقات على منشوراته.
حقهم علينا
الكل ينظر الآن إلى الرياض، والمواقف الذي ستتخذها الدول العربية في القمة، منهم أهل غزة الذين يتطلعون إلى موقف عربي يفرض وقفا للعمليات الإسرائيلية وانفراجة لأزمتهم الإنسانية. ومعهم كما قال الدكتور نبيل فهمي في «الشروق» الرأي العام العربي عامة، يتابع الأحداث بقلق واضطراب، ويتساءل: هل سيتخذ القادة مواقف محددة، وهناك استطلاعات رأى عربية حديثة تعكس ـ للأسف ـ أن العالم العربي أصبح أقل ثقة في العمل العربي المشترك، حتى عندما تعقد الاجتماعات على مستوى القمة. والساحة الغربية والدولية حكومات وشعوبا تتابع القمة أيضا بقدر من القلق، ومتطلعة لمعرفة رد الفعل العربي الرسمي لتلك الأحداث الدموية الإسرائيلية، ومدى الحاجة إلى تطوير المواقف الغربية بعد ما شهدناه من انحياز غربي لإسرائيل، تجاوز كل الحدود، برفض تأييد وقف إطلاق النار، رغم ممارسات إسرائيل الفجة والمخالفة لكل قواعد القانون الدولي والإنساني. الأمور لم تعد تسمح بالاكتفاء بالإدانات والشجب، ورد فعل القمة يجب أن يكون في شكل مواقف وقرارات وإجراءات محددة، وكفى بنا كلاما ويجب ألا تنصب أو تركز مداولات القمة على قضية تأييد حماس من عدمه، أو حتى حول ما إذا كانت حماس محقة أو مخطئة في عملياتها يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ليترك هذا إلى نقاش فلسطيني فلسطيني، أو عربي فلسطيني في يوم آخر، القضية الآن هي كيفية وقف الإبادة المتعمدة التي تتم للشعب الفلسطيني، ومحاولة إسرائيل انتهاز الأحداث الأخيرة للقضاء نهائيا على ما تبقى من فرص ضئيلة لإقامة دولة فلسطينية جوار إسرائيل، من خلال شيطنة الشعب الفلسطيني عامة في غزة والضفة، وتهجيره أولا من القطاع ثم من الضفة، يجب أن يكون ذلك في الأذهان قبل وأثناء القمة.
التجاوزات الإسرائيلية
على المشاركين في القمة، جماعة وفرادى، كما نصحهم الدكتور نبيل فهمي تأكيد أنهم لن يقبلوا التجاوزات الإسرائيلية تجاه شعب غزة، دون رد فعل عربي، قد يكون رد الفعل جماعيا أو فرديا، في ما يتعلق بعلاقات الدول مع إسرائيل، لأن البعض لديه علاقات والبعض الآخر لم يتخذ هذه الخطوة. ويجب ألا يقتصر رد الفعل العربي الجماعي، أو الفردي على مسألة استمرار العلاقات على مستواها من عدمه، وعلى القمة اتخاذ قرارات بطرح التجاوزات الإسرائيلية على المحافل الدولية السياسية والقانونية، لمحاسبتها على تجاوزاتها للقانون الدولي الإنساني وطلب تعويضات للشعب الغزاوي، حتى إذا اقتضى الأمر اللجوء إلى المؤسسات الوطنية القانونية لطرح هذه التجاوزات والمحاسبة عليها. وسؤال آخر مهم يتم تداوله دوليا بين الدبلوماسيين والمحللين، خاصة في الدول الغربية، هو هل توافق الدول العربية أو بعضها على تحمل مسؤولية ادارة قطاع غزة، كخطوة نحو تهدئة الأمور، على أساس أن إسرائيل لن تقبل بالعودة إلى الماضي وإعادة سيطرة حماس على القطاع، وقد تابعت أخيرا أطروحات حول هذه المسالة تحت غطاء أممي دولي بمشاركة عربية متنوعة، وسئلت عن جوانب عديدة وتفصيلية لهذا السيناريو، ومن ثم ستكون من القضايا المتداولة خلال اتصالات القمة، حتى إذا لم تكن من ضمن الأمور التي تفرض على القمة اتخاذ موقف علنى واضح ومحدد منها حاليا. ولن يكون مستغربا أن تتردد الدول العربية في تحمل مسؤولية غزة، لصعوبة ساحة القطاع عامة وعدم وضوح الرؤية حول الأطراف الفاعلة فيه، ولحساسية استلام تلك المسؤولية على أعتاب القذف الجوي والبري الإسرائيلي، الذي سيكشف رفع الأنقاض في غزة مدى وحشيته وجسامته، علما بأنه يتوقع أن تمسك إسرائيل بالحق في التوغل والتصرف أمنيا في غزة إذا رأت الحاجة لذلك، على غرار ما تقوم به في الضفة الغربية، ما سيضع الوجود العربي في موقف محرج وغير واضح المعالم.
لعلهم يسمعون
السؤال الذي بحت به أصوات الكثيرين، وشغل بال عمرو هاشم ربيع في «الشروق»: هل ستخرج القمة بقرارات فاعلة للخروج من الأزمة الراهنة التي تسبب فيها الكيان الصهيوني، بوجوده جاثما محتلا ومدعوما من الخارج على الأراضي العربية؟ هل سنسمع كلمات غير التعبيرات المعتادة، نشجب وندين ونستنكر؟ هل ستمتلك البلدان العربية الإرادة وتقوم باستغلال مواردها المادية والمعنوية لإيقاف تلك الحرب، التي فاقت كل تصور من الإجرام الصهيوني؟ واحد من التصورات التي يبرر بها الكثيرون حالة العجز العربي، هو وجود حالة زائفة داخل الأذهان ترتبط بما يلي: أولا: بقاء التصور القديم لدى أدمغة الكثيرين، بشأن صورة إسرائيل القديمة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. فتلك الصورة تغيرت، إذ لم تعد إسرائيل ذلك المارد الذي يخيف الرموز، وهو خوف سعت تلك الرموز إلى أن تنقله للشعوب العربية. فما حدث في مطلع أكتوبر فاق كل تصور في سقوط الصورة، التي سعت إسرائيل لأن ترسمها ونجحت لعقود في ترسيخها في الأذهان. ثانيا: رؤية الدعم الأمريكي غير المسبوق للكيان الصهيوني، ما يجعل الرموز تصاب بحالة إحباط من أي أمل في فعل إيجابي. إذ أن تلك الرؤية سقطت بالفعل أمام الحشد والتعبئة الكثيفة للمظاهرات التي جابت شوارع وميادين الولايات الأمريكية والعواصم الغربية، وأصبحت تنذر بإزالة مواقع، منها الرئيس الأمريكي بايدن ذاته، ما جعل هناك تراجعا ملموسا في الدعم، من المؤكد أنه سيزيد، خاصة لو تلمس البيت الأبيض رد فعل عربي معتبرا. ثالثا: تضخيم صورة المارد الإقليمي ممثلا في إيران والتهديد الذي يشكله، ما يجعل بعض البلدان العربية تسعى لموازنة ذلك بالقوى الصهيو ــ أمريكية. هذه الصورة ـ على أي حال ـ لم ينجح أعداء الأمة في نقلها للشعوب العربية.
لكي تحترمنا شعوبنا
الكلام ما زال لعمرو هاشم ربيع، المرجو من القمة وحتى لا تسخر منا شعوبنا وشعوب العالم أن تأتي بما هو جديد، ولعل الجديد في هذا الأمر هو: أولا: رفض فكرة الترانسفير أو تهجير الفلسطينيين إلى البلدان العربية المجاورة، وعلى رأسها مصر، والتأكيد، وهذا هو الأهم، على مواجهة هذا الأمر بكل قوة مادية ومعنوية، لما في ذلك من تصفية للقضية الفلسطينية، وتحويل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى صراع عربي ـ عربي. ثانيا: تحريم الأرض والسماء والمياه العربية على أعداء الأمة والمحتلين من الصهاينة، الذين يستبيحون كل مقدس وينتهكون كل محرم دون حساب أو عقاب. ثالثا: تجنب التنديد بالمقاومة المسلحة للعدو الصهيوني، ليس فقط لأن ذلك مخالف لمقررات الأمم المتحدة الداعية إلى عدم احتلال أرض الغير، ومواجهة هذا الاحتلال بالقوة، أو لمخالفته لحق تقرير مصر الأمم والشعوب على أرضها، بل أيضا لأن هذا التنديد يعني، كما يعنى الترانسفير، تصفية القضية الفلسطينية. بعبارة أخرى، يجب أن يعي الجميع أن وجود المقاومة المسلحة هو الدافع الوحيد لقيام الغرب بإيجاد حل لعيش إسرائيل في أمان، قبل أن يكون أمرا يخص الرغبة في إيجاد حل للفلسطينيين والعرب. رابعا: اتخاذ إجراءات من شأنها ترويض إيران وتسكين أي خلاف معها، وهو أمر على ما يبدو بدأت بعض الدول الخليجية تعيه، بعد التكلفة الكبيرة للحرب في الجنوب العربي. خامسا: التأكيد على أن حل أزمة الأسرى الموجودين لدى حركة حماس هو أمر مرتهن بحل شامل متعلق بكل الموقوفين في السجون. بمعنى أن حل مشكلة هؤلاء متصل بالإفراج عن المعتقلين في السجون الإسرائيلية. سادسا: رفض كل المشاريع المستقبلية والمتضمنة وضع غزة داخل المخطط الصهيو أمريكي، في ما يتعلق بإدارة هذه المنطقة.
تاريخ جديد
نحن أمام واقع عربي جديد وأمام تاريخ يختلف تماما عن أحداث ومفاجآت سبقت.. فقد أصبح طوفان الأقصى تاريخا جديدا سيتوقف عنده العالم طويلا.. تابع فاروق جويدة في «الأهرام»: بعد أكثر من 30 يوما من الصمود استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تكسر جبروت الجيش الذي لا يقهر، ووقف العالم مذهولا أمام شعب غزة وأبطالها، رغم أن المعارك كانت ضارية، وكان النصر صعبا، بل مستحيلا، ولكن الجيش الذي لا يقهر وجد رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وتساقط الشهداء بالآلاف في موكب من أعظم مواكب الشهادة.. حين انطلقت حشود المقاومة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في مفاجأة أذهلت العالم كله لم يكن أحد يصدق أن هذا الحشد الذي خرج من الأرض وهبط من السماء واجتاح الأرض المغتصبة سوف يصمد أمام إسرائيل أكثر من ساعات، ورغم سقوط الضحايا من النساء والأطفال والشباب صمدت المقاومة الفلسطينية، واستخدمت إسرائيل كل الأساليب الهمجية المتوحشة قتلا وهدما وتدميرا، ولم تترك السكان الآمنين في بيوتهم، بل هدمتها عليهم واستخدمت أسلحة محرمة دوليا وهدمت المستشفيات على رؤوس المرضى والمدارس على التلاميذ، كان الأخطر من ذلك أن تمنع عن أهالي غزة الطعام والدواء والبنزين وكل مطالب الحياة.. لقد تعاملت إسرائيل مع المواطنين الأبرياء بكل الوحشية وأعادت صورة النازي، بل كانت أشد قسوة، كانت المقاومة الباسلة تعرف طريقها للرد على القوة الغاشمة وانطلقت صواريخ حماس تدق تل أبيب وعسقلان وسديروت وإيلات وتجمعات الجيش الإسرائيلي في قلب إسرائيل، وحاولت إسرائيل استخدام قوتها البرية، ولكن المقاومة تصدت لها ودمرت العشرات من الدبابات، وأثبتت المقاومة الفلسطينية أنها جيش كامل العتاد.
غزة أدت الواجب
إن 7 أكتوبر/تشرين الأول دخل التاريخ، وهناك أطراف، وفق ما أكده فاروق جويدة ربحت، وفي مقدمتها حشود المقاومة، ولا أقول حماس فقط لأن شعب غزة هو الذي حارب وتحمل وعانى واستشهد.. إن أطفال غزة ونساءها وبيوتها ومساجدها وكنائسها حاربوا مع شبابها، ولا يمكن بعد شهر من صمود المقاومة أن يقال كذبا إن إسرائيل انتصرت، لأن كل الحقائق تؤكد أن المقاومة زلزلت أركان إسرائيل.. كان الدور الأمريكي هزيمة حقيقية، فقد وقفت أمريكا تتلقى اللعنات من شعبها أمام الملايين الذين خرجوا في كل الولايات يلعنون إسرائيل ووحشية حكامها ولم يتردد عدد كبير في الكونغرس أن يدين تدخل أمريكا في الصراع العربي الإسرائيلي بصورة فجة، وكيف دفعت 14 مليار دولار دعما للحرب على غزة.. لا شك في أن صمود المقاومة الفلسطينية أمام الوحشية الإسرائيلية كان مثار إعجاب وتقدير من شعوب العالم، وقد تجسد ذلك في الملايين من سكان العالم في عشرات المظاهرات التي اجتاحت دول أوروبا وآسيا وبعض الدول العربية..لا شك في أن ما حدث في شعب غزة من القتل والدمار قد كشف الوجه الحقيقى للوحشية الإسرائيلية حتى يدرك العالم أننا أمام مجتمع فقد إنسانيته وأدمن القتل والإرهاب والدمار، وفي ذلك درس لدول الجوار التي يمكن أن تعيش التجارب نفسها مع أطماع إسرائيل التي لن تتوقف عند فلسطين، وأن إسرائيل يمكن أن تمارس وحشيتها دون حساب على أبواق التطبيع التي انتشرت.. لا بد أن يعترف العالم العربي شعوبا وحكومات بأن غزة أعادت للكرامة العربية أمجادها وأعادت للقضية الفلسطينية مكانتها وأثبت الشعب الفلسطيني أنه قادر على أن يسترد أرضه.. أن ما حدث حتى الآن ليس النهاية، ولكنه البداية لأن حماس التي تصورت إسرائيل نهايتها سوف تكمل مسيرتها، رغم أن إسرائيل لن تستسلم وسوف تستعين بأصدقاء الشر في الغرب، أما حماس وشعب غزة فلم يعد لديه شيء يبكي عليه فالبيوت تهدمت والأطفال استشهدوا ولم يبق لديه شيء غير أن يقاوم حتى يسترد أرضه وكرامته، أما الآخرون فليتهم يفيقوا قبل أن يجرفهم الطوفان.
الوقت لصالحهم
سياسة تضييع الوقت وإلهاء العرب عن قضية إبادة شعب فلسطين، وتوفير الدعم للعدو الصهيوني في الأراضي المحتلة، ومنح كل الوقت لقتل البشر وحرق الأرض وتدمير الحجر حتى النهاية. ذلك هو خلاصة الموقف الحالي الذي تمارسه الولايات المتحدة، وكل الدول المتصهينة في أوروبا وقارات العالم المختلفة حتى في محيطنا، وفي المقابل كما قال محمود الحضري في «المشهد» يبتلع الجميع عربا وإسلاما، ومتعاطفين من كل الجنسيات والأجناس، الطعم حتى يصل إلى ما بعد الحلق، ليكتم كل الأنفاس، وتموت قضية شعب ضاع نصفه وأكثر على مرّ السنوات بين شهيد ومشرد ولاجئ، وباحث عن وطن بديل يحتويه، بينما أهله وعشيرته على الكراسي متمسكين ومترفين، ويتناولون نخب الكاسات مع العدو الرابض على حدود أوطاننا، بل يعيشون بيننا ونمنحه طعامنا وجواز سفرنا، وربما جنسيتنا. المؤشرات كافة تؤكد أن خطة منح الوقت للحكومة الصهيونية تتيح كل الفرص لتحقيق أكبر عملية تدمير وتشريد للأراضي والشعب الفلسطيني، وصولا لنقطة الصفر للتفاوض على ترحيل ما تبقى من شعب فلسطين في غزة والضفة، قبل أن تأتي حرب أخرى تقضي على كل حرف فلسطيني، ومحو كل ما هو فلسطيني. ولا يمكن أن نمر مرور الكرام على تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الذي ينتمي إلى حزب «عوتسما يهوديت» (القوة اليهودية) خلال مقابلة مع إذاعة «كول براما» الإسرائيلية «يوم الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني بشأن ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية، قائلا «يجب ألا يبقى قطاع غزة على وجه الأرض، وعلى إسرائيل إعادة إقامة المستوطنات فيه»، مشيرا إلى أن خيار ضرب غزة بقنبلة نووية وارد. هذا الوزير الصهيوني يعبر عن خطط قوات الاحتلال دون مواربة، قائلا، «هناك خيار آخر وهو فحص ما يمكن أن يردع سكان غزة، وما الذي يخيفهم، ويجب أن تفهموا أنهم لا يخافون من الموت، بل يرسلون أطفالهم للموت»، ويضيف أن «القيام بقتلهم – في إشارة لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي- ليس كافيا».
الجرائم موثقة
رغم محاولة حكومة نتنياهو – الأكثر تطرفا – غسل يديها من تصريحات هذا الصهيوني، فإنها كما يرى محمود الحضري كاشفة عن بشاعة أفكار ومخططات المحتل الإسرائيلي، الذي يستخدم في حربه على أهل فلسطين العديد من الأسلحة المحرمة دوليا، وهو ما شك فيه طبيب مصري، في حوار مع وزير الصحة الدكتور خالد عبدالغفار خلال زيارته لمستشفى في العريش، وتفقده علاج مصابي العدوان الإسرائيلي، حيث أبدى الطبيب المعالج شكوكا قوية في استخدام أسلحة خطيرة، وربما محظورة، وفقا لتعدد الإصابات للمصابين الفلسطينيين، مطالبا بوجود فريق من الطب الشرعي لفحص عينات الإصابات. وليس الصهيوني عميحاي إلياهو هو أول من يدعو إلى استخدام القنابل النووية ضد الفلسطينيين، بل هناك من طالب بذلك، ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعت عضو الكنيست نتالي غوتليف، الجيش الإسرائيلي إلى «استخدام السلاح النووي» في غزة. المؤكد ما يجري من مماطلة في وقف الحرب، أو حتى تنفيذ هدنة إنسانية، هو مخطط أمريكي إسرائيلي، بتصريحات وجولات، لمنح قوات الاحتلال وقتا أكثر لمزيد من التهجير والتدمير، في ظل جريمة ترتكبها إسرائيل تحت سمع وبصر العالم. ما دفع مسؤول أممي وهو المفوض الأممي لحقوق الإنسان فولكر تورك للقول، خلال زيارته لمعبر رفح، والمستشفيات التي يُعالج فيها مصابو الحرب على غزة في العريش، بأنه رأى من معبر رفح البوابات المؤدية إلى الكابوس المستمر الذي يختنق في ظله الناس تحت القصف المتواصل، وأن الناس في غزة يبكون على فقدان أسرهم، ويكافحون بحثا عن الماء والغذاء والكهرباء والوقود، مشيرا إلى أن زملاءه في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من بين المحاصرين وأولئك الذين فقدوا أفرادا من عائلاتهم.
أسوأ المحارق في التاريخ
يقول الدكتور ناجح إبراهيم في «الشروق»، إسرائيل ملأت العالم ضجيجا واستنكارا لمحرقة هتلر لليهود، ورغم ذلك تُكرر هذه المحارق للعرب كل عدة سنوات، ومحرقة غزة الآن هي من أسوأ المحارق في التاريخ الإنساني المعاصر. 2 كيلوغرام ديناميت لكل فلسطيني في غزة، وما يوازى قنبلتين ذريتين من قنابل هيروشيما أُسقطت على غزة، هذه إحصائية بعض المحللين العسكريين. 16 مجزرة إسرائيلية في يومين فقط في غزة. عداد الشهداء الغزاويين من الأطفال والنساء والمدنيين يزداد بالعشرات كل عدة ساعات جراء المجازر الإسرائيلية. إسرائيل لا تُحسن إلا القصف الجوي الذي لا يواجهه أحد، ولكنها تفشل تماما في مواجهة المقاتلين الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون الدبابات الإسرائيلية بصدور عارية من مسافة صفر. المقاتل الفلسطيني أشجع من الإسرائيلي بكثير، رغم الفارق الهائل في نوعيات وكفاءة الأسلحة لدى الفريقين، وهذا يُذكّرنا ببطولات الجيش المصري في مواجهة الإسرائيليين، وكسر جبروت وغرور الجيش الإسرائيلي، بإمكانيات عسكرية أقل بكثير من إمكانيات الإسرائيليين. قرابة عشرة آلاف قتيل مدني فلسطيني غزاوي، منهم قرابة أربعة آلاف طفل فلسطيني، مذابح إسرائيلية غير مسبوقة، وتطهير عرقي كامل. 50% من مبانى الأونروا في غزة تم تدميرها تماما، حتى مباني الأمم المتحدة لم تسلم من البطش الإسرائيلي.. استهداف مدارس الأونروا التي نزح إليها السكان المدنيون احتماء من القصف الجوي الإسرائيلي، حتى تم تدمير عدة مدارس للأمم المتحدة وذبح من فيها ومن لجأ إليها، مذابح إسرائيل لا تنتهي..
رائدة الحضارة
لا تهتم أمريكا رائدة الحضارة، كما أوضح الدكتور ناجح إبراهيم، سوى بدعم إسرائيل اللامحدود لإحداث أكبر قدر من المجازر وتحرير الرهائن لدى حماس، ولا تعير أي اهتمام بمقتل قرابة عشرة آلاف مدني في غزة، وجرح أكثر من ضعفهم، مع قرابة أربعة آلاف طفل شهيد منهم، هؤلاء لم يحركوا شعرة في رأس الرئيس الأمريكي بايدن، المنحاز انحيازا أعمى لإسرائيل، بشكل أفقد أمريكا مصداقيتها في العالم كله.. حتى النازحون من غزة استهدفتهم القوات الإسرائيلية، نساء وأطفال كانوا يسيرون بسيارات تحمل علما أبيض في طريق الرشيد الساحلي قتلتهم عمدا ومع سبق الإصرار الطائرات الإسرائيلية برشاشاتها، صوَّرهم شاب يسير على دارجة بسيطة وهو يبكي مرددا: «أمان يا ربي احمِ شعبنا، نسوان، أطفال، أمان يا ربي، احمِ شعبنا، حسبنا الله ونعم الوكيل».. مناظر يشيب لها الولدان، المجازر الإسرائيلية مستمرة، الغدر الإسرائيلي معروف منذ عام 48، كم وعد الجيش الإسرائيلي سكان قرى بالتسليم فلما استسلموا بشرط الأمان قتلوهم جميعا، قتلوا من قبل آلاف الأسرى من الجنود المصريين في حرب يونيو/حزيران عام 1967، هناك حالة من الجنون والوحشية الإسرائيلية. يمكنك اختصار الجيش الإسرائيلي في عبارتين «مذابح للمدنيين، ثم تهجيرهم، ثم الاستيلاء على أرضهم».. هذه حقيقة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر. صدقت يا رب: «كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَسَادا». كما أنهت 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 المستقبل السياسي لغولدا مائير وموشيه ديان، كذلك أنهت عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر المستقبل السياسي لبنيامين نتنياهو، الذي رفض أن يعطي الشعب الفلسطيني أي حق في الحياة، وصرح أكثر من مرة بأن القضية الفلسطينية انتهت إلى غير رجعة، وأقام تطبيعا مجانيا مع معظم الدول العربية، وكسب كل شيء ولم يمنح العرب أي شيء، بل تكبر عليهم وازدراهم، مستعينا بترامب وأمثاله ممن منحوا إسرائيل كل شيء.
سندفع الثمن
ليست دولة الاحتلال وحدها التي ستشعر بالزلزال الاقتصادي الذي أشعلته في المنطقة، فالفلسطينيون اقتصادهم كذلك في أزمة، لأنه مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي، لكن قد لا تشعر دول الخليج العربي (الأكثر غنى) بالأزمة الاقتصادية الحادة، لأنها وفق ما يراه أسامة سرايا في «الأهرام» من دول الفوائض المالية، وتستطيع أن تعوض ميزانياتها في حال حدوث أي نقص متوقع سوف يحدث، وحتى أدلل على ذلك بالأرقام، فإن إسرائيل اقتصادها كان مرشحا للدخول إلى مرحلة جديدة، باعتباره الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، بعد السعودية، في مجاليّ النفط والغاز، والصادرات في تكنولوجيا المعلومات، وهما المجالان الأكثر تأثرا بالحرب، وكل التقديرات الحالية تشير إلى أن الحرب على غزة من الأحداث الكبرى التي هزت المنطقة كلها، وأن إسرائيل تصرف على هذه الحرب يوميا ما يعادل 250 مليون دولار، هذه المصروفات المباشرة، ونزوح 140 ألف شخص خلال الأسابيع الماضية جعلا الاقتصاد الإسرائيلي ينتقل، حسب التقديرات المالية، من مستقر، وبسرعة، إلى سلبي، ولا يتوقع المراقبون، والمتابعون للشأن الاقتصادي أن يتعافى سريعا، أو عودته إلى حالته الطبيعية قبل نهاية العام المقبل، على ضوء خروج حقلي لفيتان، وكاريش الغازيين في البحر المتوسط من الخدمة، وتحمل شركة الكهرباء هناك استيراد احتياجاتها من السوق العالمية بعد أن كان الاقتصاد يتجه إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز. ومن هنا، فإنه يجب على القمة العربية المقبلة أن تضع أمامها أن الحرب على غزة أضافت مخاطر، ومشكلات اقتصادية جديدة جمة، ومتزايدة لإقليم الشرق الأوسط، وسوف تزداد الأمور تعقيدا عند إعادة تعمير قطاع غزة. وختاما، فإن ما بعد حرب الاحتلال على غزة ستتولد مشكلات اقتصادية جمة، وهزات تتعرض لها كل دول الإقليم، خاصة أن التطرف والإرهاب يكشر عن أنيابه للاصطياد في الماء العكر، وهو ما يجب أن تستشعره إسرائيل، وتسارع إلى ترميم كل الأخطاء التي تولدت عن حربها على غزة، وتتحمل أمريكا نصيبا وافرا من التعويضات التي يحتاجها الفلسطينيون عموما، وأهل غزة خصوصا، وكل الدول المحيطة التي تعرضت لكارثة، أو هزة مفزعة ما زالت تداعياتها لم تكتشف بعد.
استثمار الضحية
في وسط هذا الكم من العتمة والصدمة جراء الحرب الوحشية الدائرة في غزة، نقطة ضوء استقطبت اهتمام أمينة خيري في «الوطن»: عدد من الأطفال الفلسطينيين المصابين بالسرطان تم نقلهم إلى مستشفيات مصرية. هؤلاء كانوا قبل الأحداث يعالجون في مستشفيات غزة، التي خرجت 60 في المئة منها من الخدمة بسبب الحرب ونفاد الوقود ونقص وأحيانا نفاد المستحضرات الطبية، ناهيك عن تحول المستشفيات إلى مراكز إيواء لآلاف الأسر النازحة. مصيبة الحرب الواقعة على رؤوس أهل غزة واحدة. لكن بين المدنيين من يحمل بدلا من المصيبة اثنتين أو ثلاث مصائب، وربما أكثر. المريض والضعيف والمعاق وغيرهم يحملون أضعاف المشقة الأصلية. أتخيل أم طفل مصاب بالسرطان ووجدت نفسها وسط حرب شعواء، لا علاج أو غذاء أو حتى سبيل للنجاة من الموت الذي يلوح في كل أفق. آفاق المساعدات الإنسانية في الحروب تبدو لي أحيانا وكأنها فكرة عجيبة. العقول والقلوب القادرة والراغبة في الانخراط في حرب شعواء، وتضع لها القواعد والمقاييس، وتصنع لها المعدات القتالية وتضع لها خططا طويلة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة المدى، هي نفسها العقول والقلوب التي تسن قواعد القوانين الإنسانية وأخلاقيات سفك الدماء وقواعد إلحاق أكبر قدر من الضرر. عموما، هذه مسألة هامشية لا تعني الكثير. البعض يقول إن الحروب طبيعة بشرية. لكن يظل طرح مثل هذه الأمور للنقاش حاليا غير ذي جدوى، وإن كانت هناك أبحاث علمية عديدة تقف على جبهتين متناقضتين. الأولى تؤكد أن الحروب ليست طبيعة إنسانية، والثانية تجزم بأنها فطرة لا يمكن بترها، فقط تهذيبها. وعلى سيرة التهذيب، وليس بعيدا عن حرب غزة، أعاود الحديث عن جنون آخر شاطح ناطح أرعن عجول تدور رحاه 24/7، دون أدنى فرصة لالتقاط الأنفاس أو إعطاء فسحة من الوقت لذلك الشيء الرخو الكامن في الجمجمة للتفكير ووزن الأمور قبل تصديقها وتداولها.
مكتوب بمهنية
اكتشفت أمينة خيري مزيدا من المفارقات: آلاف الأخبار الجاري تداولها على السوشيال ميديا مجهولة النسب. الخبر مكتوب بحنكة ومهنية وذكاء. الصياغة جيدة ومترابطة ولا تشوبها شائبة صحافية. والأهم يبدأ الخبر بالكلمة السحرية التي تدغدغ المشاعر وتلغي الشيء الرخو الكامن في الجمجمة: عاجل. وربما أمعن مؤلف «الخبر» في سبغ منتجه بمزيد من عوامل الجذب، فيكتبه «عاااااجل».»فلان في إسرائيل في غيبوبة ويرقد في المستشفى بين الحياة والموت». وتأتي التعليقات هادرة زاعقة صارخة: «إنه النصر المبين» مع كثير من التكبير والتهليل. وتتوالى الأخبار العاجلة المدغدغة لمشاعر المتلقين، والذين لا يكتفون بتصديقها وإطلاق العنان للمشاعر، دون تكبد عناء الدق على زر آخر، دقة لن تستغرق أكثر من ثوان للتأكد من صحة العاجل، بل ينقلون عبر المشاركة وشفاهة. ومن مصيبة «العاجل» الذي هو تأليف وتلحين وإخراج أحدهم يجلس في مقهى في مكان ما، أو في غرفة نومه في عمارة ما إلى لعنة «المنقول»، الذي ينافس «العاجل» في كم السفه والنزق والحمق من حيث المحتوى. وإذا كانت الثقافة والوعي الرقميان ينصح بهما في الأوقات العادية، حيث قليل من التفكير قبل تصديق وتشارك «عيل مخطوف» و«خطف فتاة واعتناقها دينا آخر» و«اختفاء الكفتة من الأسواق» وغيرها، فإنها حتمية في الأجواء التي نعيشها. حد أدنى من الوعي الرقمي مسؤولية وواجب الآن. قليل من التدقيق لا يضر، لكن ينفع بكل تأكيد. وقليل من التعقل لن يؤثر سلبا في قدر الغضب والحزن لما يجري لأخوتنا من مدنيي غزة، لكنه على الأقل سينير بصيرتنا ويخبرنا بأن الحسبنة والدعاء على الأعداء وتوجيه أقوى ألفاظ السباب وأقسى النعوت عليهم وحده لن يكفي بمحوهم أو إلحاق الهزيمة بهم. أي شخص يحمل قلبا بين ضلوعه وعقلا في جمجمته سيغضب وينتفض لما يجري في غزة. لكن هذا الغضب حين يتحول إلى إيذاء آخرين لا ناقة لهم في الحرب أو جمل لهم في القطاع، فهذا يعني أن الغضب في حاجة إلى ضبط زوايا.