زمن الخزعبلات: الناتو العربي والتكنولوجيا النووية للسعودية

حجم الخط
12

تطفو بين الحين والآخر أخبار في الساحة الدولية وتلقى اهتماما كبيرا، رغم أنها أخبار وفق معايير الواقع تعد ساذجة وصعبة التحقق، وتبرز مدى ضعف المحللين في الإعلام بسبب تصديقها والترويج لها. ولعل أبرز هذه الأخبار هو ما يعرف مؤخرا بالناتو العربي، وكذلك بتسهيل منح الولايات المتحدة التكنولوجيا النووية إلى العربية السعودية.
في إطار مواجهة إيران وتمددها في العالم العربي، يجري الحديث عن ناتو عربي بزعامة العربية السعودية، وبدعم من الولايات المتحدة. وانتشرت الأخبار التي تروج لهذه الرواية، خاصة بعدما احتضنت الرياض قمة عسكرية لوزراء الدفاع ورئاسة الأركان العربية والإسلامية، والأخبار والقمم شيء والواقع شيء آخر.
تاريخيا، لا يمكن تحقيق أي تحالف عسكري في غياب الرؤية السياسية الموحدة القائمة على الاشتراك في المخاطر والمصير الموحد. وقد أقدمت الدول الغربية على تشكيل منظمة شمال الحلف الأطلسي بعد الحرب العالمية الثانية، خوفا من الهيمنة الشيوعية على القارة الأوروبية، واعتمدت على الوحدة السياسية التي أرست قواعد تكتل الغرب. ويحاول جزء من هذا الغرب، وهو الاتحاد الأوروبي، الذي يشترك أعضاؤه في الاقتصاد والسياسة وملفات أخرى، تشكيل وحدة عسكرية، ولكنه فشل حتى وقتنا الراهن. وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد فشل رغم كل الإمكانيات المالية والسياسية وأساسا العسكرية، فكيف سينجح الناتو العربي؟
الناتو العربي فكرة ساذجة للغاية لأسباب متعددة. في المقام الأول، لا توجد وحدة سياسية بين الدول العربية، فالأداة التي كانت توحد نظريا هذه الشعوب هي الجامعة العربية، التي لم ترق نهائيا الى كيان على شاكلة الاتحاد الأوروبي. في المقام الثاني، كل دولة عربية تمتلك تصورا للمخاطر التي تهددها، في الماضي، كان هناك إجماع على اعتبار إسرائيل هي مصدر الخطر، بينما في الوقت الراهن، تعتبر السعودية إسرائيل حليفا، بينما ترى قطر في السعودية والإمارات الخطر المحدق بها وليس إيران. واعتبر الكثير من الدول الخليجية العراق، بعد سنة 2003، ثم سوريا خلال الربيع العربي مصدر الخطر. وفي منطقة شمال إفريقيا، تعتبر الجزائر المغرب هو العدو، والعكس صحيح، ويكفي رؤية سباق التسلح بينهما. في المقام الثالث، الجيوش العربية لا تملك تجربة الوحدة، ولا هي بالجيوش المؤهلة لخوض حروب، فهي تفتقر للوجستيك النقل، كما تفتقد للتدريبات والمناورات، رغم محاولة السعودية إجراء مناورات عربية وإسلامية، كما تفتقد للتسليح الجيد، رغم الصفقات الضخمة التي يجري الحديث عنها في الإعلام، إذ من الصعب على دول لا تصنع أسلحتها التفكير في اتحاد عسكري. وأخيرا، تبقى المهمة الرئيسية للجيوش العربية في الوقت الراهن هي أدوات لقمع أي انتفاضة من أجل الديمقراطية، أكثر منها أدوات للدفاع عن حوزة وشرف شعوبها ووحدة ترابها.

هناك قرار في الغرب لن تحصل دولة عربية وإسلامية جديدة على التكنولوجيا النووية أو السلاح النووي

وفي خبر آخر مثير، جرى تسريب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتسهيل منح التكنولوجيا النووية إلى العربية السعودية، ويبقى الخبر مبهم للغاية. على ضوء التاريخ والواقع الجيوسياسي، يفتقر هذا الخبر للكثير من المصداقية، أولا لا يمتلك الرئيس الأمريكي الحرية المطلقة للمصادقة على صفقات أسلحة كلاسيكية، فكيف له بالحرية في تسهيل منح صفقة تعد منعطفا حقيقيا وهي التكنولوجيا النووية. منذ وصول ترامب الى السلطة جرى الحديث عن صفقات أسلحة ضخمة للسعودية فاقت 400 مليار دولار، والتساؤل: هل تسلمت السعودية أسلحة متطورة خلال السنتين الأخيرتين؟ أم هل يرتقب توصلها بأسلحة متطورة خلال السنة الجارية والمقبلة؟ الجواب لا. في الوقت ذاته، قرار تسهيل منح التكنولوجيا النووية إلى بلد من العالم الثالث، خاصة إذا كان بلدا عربيا وإسلاميا، لا يقتصر على الرئيس أو الإدارة الأمريكية والولايات المتحدة، بل هو قرار يهم الغرب، أو على الأقل العواصم الكبرى برمتها. لا يمكن لواشنطن الإقدام على خطوة مماثلة، من دون استشارة باريس ولندن وبرلين وروما. لقد حاولت فرنسا خلال العقد الماضي تقديم جزء من الطاقة النووية السلمية، أو ذات الاستعمال المدني الى بعض الدول ومنها المغرب، وتراجعت بعد اعتراض كل من لندن وبرلين وواشنطن ومدريد. وعندما صادق الغرب على منح التكنولوجيا النووية الى إسرائيل، كان بهدف منحها سلاحا رادعا ضد جيرانها العرب.
الدول الغربية تحرص على بيع أسلحة غير متقدمة إلى العالم العربي، فمثلا: الطائرات ف 16 أ 16 التي تبيعها واشنطن الى دول عربية، نسخة رخيصة من المقاتلات الحقيقية التي يستعملها الجيش الأمريكي. وعليه، كيف ستقدم لها تكنولوجيا نووية؟ المال يسمح للعرب بالحصول على سيارات الفيراري ولمبورغيني، أو شراء ناد لكرة القدم لكن لا يمنحهم جواز شراء سلاح متطور أو تكنولوجيا متطورة.
يبدو أن الكثيرين يتناسون تورط إسرائيل والغرب في اغتيال عدد من علماء الذرة العرب، حتى لا يفيدوا بلدانهم، فكيف سيتم تفويت هذه التكنولوجيا إذن؟  الغرب مصمم على عدم تكرار سيناريو باكستان التي نجحت بدهاء وسرية في الحصول على السلاح النووي. هناك قرار في الغرب وتدعمه حتى روسيا: لن تحصل دولة عربية وإسلامية جديدة على التكنولوجيا النووية أو السلاح النووي، فالأمر لا يتعلق بترامب، بل الأمر يتعلق بقرار له انعكاسات على العقود الزمنية الطويلة المقبلة، ولهذا يجري الضغط على إيران لمنعها ليس فقط لتطوير التكنولوجيا النووية ذات الاستعمال السلمي، بل حتى تطوير الصواريخ الباليستية التي لا تحمل رؤوسا نووية. الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية هو مدخل نحو السلاح النووي، وهذا الأخير هو مدخل نحو استقلالية القرار السياسي والاقتصادي والتموقع القوي في الخريطة الدولية. لهذا، لا ترامب ولا غيره سيتخذ قرارا ذا بعد استراتيجي تاريخي بكل ما تحمله هذه المصطلحات من حمولة.
*كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول المرابط:

    نعم أستاذي العزيز، الغرب يبيع للخليج الفيراري ولامبورغيني وحتى نوادي كرة القدم لكنه لم يفوت له تكنولوجيا السلاح، فمن يعتقد العكس فهو غبي.

  2. يقول ابعمران:

    أصبت وأخرهم الزاوي التونسي

  3. يقول عماد:

    الولايات المتحدة رفضت تزويد السعودية بصواريخ متطورة وطائرات ف 35، فكيف ستفوت لها سلاحا نوويا. أتفق مع الكاتب في استعمال الخزعبلات

  4. يقول متتبع:

    كان نيكلا ساركوزي ينوي تفويت التكنولوجيا النووية المدنية الى المغرب لإنتاج الكهرباء. وكان هناك مشروع بناء محطة في الجنوب المغربي بطانطان، واعترضت بريطانيا ومدريد وقالت واشنطن لا، وكان قرار الغرب لا. لن تحلم السعودية بالتكنولوجيا النووية.

  5. يقول جزائري حر:

    ياسيدي الجزائر لاتعتبر المغرب عدوا بل العكس هو الصحيح ، ويمكنك أن ترجع إلى مقال نشرته الصحافة الإسبانية خلال السنوات الماضية حول تسلح الدولتين ذكرت أن عدو المغرب هو الجزائر والبوليساريو ، بينما عدو الجزائر هو الغرب

    1. يقول المغربي-المغرب.:

      وهل جند المغرب مليشيات مسلحة لمحاربة الجزائر. ..؟؟؟؟وهل تامر مع اسبانيا لفصل جنوب الجزائر عن شمالها. .؟؟؟ وهل أعلن حالة الاستنفار لنصرة الجيش الاسباني على الجزائري كما فعل جيشكم ونظامكم في موضوع جزيرة ليلى. …؟؟؟ وهل بدد المغرب ثرواته على شراء أصوات الدول الموزية في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. ..لنصرة الطرح الانفصالي. ..؟؟؟؟ وهل ساعدتم المغرب في استراد أراضيه كما ساعدكم في استقلالكم. …؟؟؟؟؟ إذن المنطق والتاريخ يقولان أنكم انتم من تعادون المغرب وليس العكس….!!!!

    2. يقول جزائري حر:

      كل ماقلته ينطبق تماما على بلدك المغرب ..

  6. يقول S.S.Abdullah:

    نشر د حسين مجدوبي في جريدة القدس العربي مثال رائع تحت عنوان (زمن الخزعبلات: الناتو العربي والتكنولوجيا النووية للسعودية) لعقلية تؤمن أنها تعلم المقاصد الشرعية من أي نص لغوي، كمنتج إعلامي أو ثقافي والأهم لو كان سياسي،

    فكانت السبب من وجهة نظري على الأقل في منع تعايش الأحلام مع التطوير المهني، من أجل رفع رفاهية وسعادة الإنسان والأسرة والشركة المنتجة في أي دولة بواسطة مقص الرقيب،

    والمأساة عندما يتم ربط ذلك بالإيمان برب الأرباب (الله)، وليس فقط، رب أي مهنة أو إله أي مجتمع،

    وهذه بالضبط عقلية النخب الثقافية والسياسية والعلمية التي تخرجت من مناهج تعليم دولة الحداثة بغض النظر كانت ملكية أو جمهورية، وقامت بتعرية خزعبلات طرق تفكيرها، أدوات العولمة والإقتصاد الإلكتروني??
    ??????

  7. يقول مغربي:

    لقد اصبت كبد الحقيقة استاذنا الكريم .والمثل العربي يقول “ما حك جلدك مثل ظفرك ” اعتقد ان هذا المثل يفي بالغرض .

  8. يقول بلحرمة محمد:

    تحليل يا استادنا الكريم في قمة الصواب فالحديث عن تمكين السعودية من التقنية النووية امر لا صلة له بالواقع بل سراب يحسبه الظمان ماء فالغرب يعمل جاهدا وبكل الاساليب والوسائل ومند امد طويل على زرع التخلف العميق في الجغرافيا العربية المنكوبة لن يفكر لمجرد التفكير في مساعدة اي نظام عربي على الحصول على التكنولوجيا النووية المعقدة وادا كان هناك من يقول فلمادا قدموا لكيان الاجرام الصهيوني المساعدة في هدا المجال فبكل بساطة لان هدا الكيان قد زرعوه في قلب الوطن العربي ليكون قاعدتهم المتقدمة ولعرقلة اي محاولة عربية للوحدة فجيوشنا يا سيدي ليست مدربة اصلا على مواجهة الغزو الخارجي وليست لها عقيدة قتالية صلية فهي مؤسسة هدفها الدفاع عن الانظمة ليس الا.

  9. يقول الراضي:

    قرأت خبر تفويت الولايات المتحدة للتكنولوجيا النووية الى السعودية، والله العظيم الخبر مضحك وينم عن الجهل بالقضايا الكبرى. أتفق مع الكاتب في تحليله حول منع الغرب تكنولوجيا النووية عن العرب وغير العرب، شكرا على التحاليل القيمة وعل الكتابة الهادف لإيقاظ حاسة الوعي النقدي عند القراء بعيدا عن الانطباعات الرخيصة.

  10. يقول علي الفيصل:

    تم تدمير العراق بسبب أوهام بوجود سلاح نووي

إشترك في قائمتنا البريدية