الزيارة المقررة لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن للمنطقة هي الزيارة التاسعة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى اليوم، وتأتي هذه الزيارة في ظل انعقاد جلسة مفاوضات في الدوحة بعد يوم، من اجل التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب في غزة، وفي الوقت الذي يضع فيه رئيس وزراء إسرائيل العراقيل لمنع التقدم في المفاوضات، وقد رشح عن مصادر إسرائيلية مقربة مفادها أن نتنياهو أضاف شروطا جديدة وبنودا أخرى على الصيغة التي وضعتها الإدارة الأمريكية، ما ينذر بفشل تحقيق تقدم ووقف الحرب الذي يتوق له الطرفان حماس وإسرائيل ضمن شروطهما، لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو هل زيارة بلينكن للمنطقة هي للضغط على نتنياهو باتجاه تحقيق وقف لإطلاق النار؟
على ما يبدو أن الإدارة الأمريكية هذه الأيام جادة في وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الطرفين لاعتبارات منها الانتخابات الأمريكية المزمع عقدها في الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فالناخب العربي والإسلامي هدد بشكل علني بعدم التصويت للديمقراطيين، بسبب موقفهم الداعم للحرب على غزة، لهذا سارعت كامالا هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية 2024، إلى تعيين مستشارة لها، وصفت بأنها ذات حضور قوي في الوسط العربي والإسلامي لكي ترمم الصورة التي كان لبادين دور في زعزعتها نتيجة موقفه اتجاه الإبادة في قطاع غزة.
علينا ألا ننتظر ما يحمله وزير خارجية أمريكا للمنطقة ولا نعول عليه، لأن ما لديه قاله في أول زيارة لإسرائيل بعد طوفان الأقصى، ولا يوجد في حوزته جديد
السؤال الملح هنا إلى أي مدى تتوفق المستشارة في تطبيب الجراح وكسب الناخب العربي والإسلامي؟ ما دام لم يكن هنالك وقف لإطلاق النار، وباستمرار العدوان على قطاع غزة، والدعم السخي لإسرائيل على كل الصعد، ستكون مهمة المستشارة التي عينتها هارس بلا جدوى، ولن تحقق ما تصبو إليه كامالا هاريس. الرد الإيراني على اغتيال الشيخ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي اغتيل في طهران قبل حوالي أسبوعين وأكثر، وارد في أي لحظة، وفي حال ردت إيران وضربت إسرائيل في عمقها فهذا يعني أن الأمور تتجه نحو خلط الأوراق، فزيارة بلينكن للمنطقة تصب في هذا الاتجاه. في نظر الإدارة الأمريكية حققت إسرائيل أغلب أهدافها أثناء العدوان على غزة المستمر حتى يومنا هذا، منها اغتيال هنية، وسيطرتها على محور فيلادلفيا، وهذا في نظرهم إنجاز. وما تقتنع به الإدارة الأمريكية وكبار المحللين والكتاب وغيرهم بأن القضاء على حماس كليا غير ممكن، بل يمكن القول إنه مستحيل، وقد اعترف هؤلاء وغيرهم بأن حماس فكرة والقضاء على الفكرة من سابع المستحيلات، عكس نتنياهو الذي يأخذ ملاحقة يحيى السنوار وحماس شماعة من أجل الاستمرار في الحرب، ولا أحد يعرف ماذا يريد نتنياهو؟ للأسف ليس الوضع الذي يجري في غزة بالأمر السهل، المجازر التي تركب يوميا ضد العزل والبيوت، وتخريب المستشفيات والمدارس والجامعات، وتدمير الحجر وقتل البشر وحرق المزروعات لا يعني للعالم المتحضر شيئا، حتى بلينكن الزائر لمنطقتنا لا يعتبر وقف إطلاق النار وآلة البطش الإسرائيلية لمصلحة الشعب الفلسطيني، وإنما مصلحة أمريكية بحتة وهنا تكمن الخطورة.
لذلك لا أبالغ إذا قلت مهما كان حجم الضغوطات الأمريكية والدولية على إسرائيل، فهذا لا يفت في عضد نتنياهو، وهو مستمر في ترويع الآمنين في غزة والضفة الغربية، ولديه مشروع يريد أن ينفذه ومن معه من اليمين الديني الصهيوني في إسرائيل، المتمثل في الحلول الاستيطاني في غزة، وتقسيم القطاع لمربعات أمنية، وهو المطلب الأمني والسياسي والاقتصادي والديني. نحن أمام سياسة إسرائيلية مكشوفة، ونعلم كل العلم بأن نتنياهو لا يريد وقف الحرب على غزة، للأسباب التي ذكرتها آنفا، كما أنه ماضٍ في تهويد قطاع غزة، كما يجري اليوم في الضفة الغربية والقدس، بمعنى الهدف من الحرب على قطاع غزة في نظر الحكومة الحالية حتى المعارضة هو من أجل الوجود، وتحقيق النبوءة التوراتية المزيفة، إلى جانب إعادة نظرية الردع التي تآكلت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، هذا كل ما يندرج ضمن مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي وغير ذلك في نظره مرفوض. علينا ألا ننتظر ما يحمله وزير خارجية أمريكا للمنطقة ولا نعول عليه، لأن ما لديه قاله في أول زيارة لإسرائيل بعد طوفان الأقصى، ولا يوجد في حوزته جديد، سوى تذكيرنا باللاءات التي تعودنها على سماعها، منذ أن اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل، وهي عدم المساس بأمن إسرائيل، وأن لا تكون دول الطوق متفوقة عسكريا وتكنولوجيا عليها، وعدم إقامة دولة فلسطينية حسب قرارات مجلس الأمن تهدد إسرائيل، فعلينا ان ندرك ذلك، ولن نتفاءل كثيرا بزيارات كبار البيت الأبيض للمنطقة، فكلها تصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، هذا هو المشهد الان وغدا حتى أن تصيح الساعة.
كاتب فلسطيني