الخرطوم-“القدس العربي”: في أول زيارة لمسؤول حكومي كبير، أنهى الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، زيارة وُصفت بالتاريخية إلى منطقة كاودا، وهي معقل الحركة الشعبية التي تقود حربا ضد الحكومة المركزية في الخرطوم منذ أكثر من ثلاثين عاما.
الزيارة التي استمرت يوما واحدا، كانت تهدف لإحداث اختراق كبير في العلاقات بين جماعة الكفاح المسلح وحكومة الفترة الانتقالية التي أطاحت بعهد الرئيس السابق عمر البشير عبر ثورة استمرت لعدة أشهر.
وأكد حمدوك عبر تغريدة له، أن هذه الزيارة تعتبر فرصة عظيمة “للتأكيد لأهل كاودا ولكل السودانيين في كل ركن من أركان بلادنا الحبيبة أن الحكومة الانتقالية تسعى جاهدة لتحقيق السلام الشامل والعادل، وأنها تُولي اهتماماً متعاظماً بجميع مناطق السودان، خاصة المناطق المتأثرة بالحرب والتي ظلّت مهمشة لعقود طويلة”.
ووصف وزير الثقافة والإعلام الاستقبال الذي وجده رئيس الوزراء والوفد المرافق له بالضخم وقد “اتسم بمشاعر إنسانية عظيمة تؤكد رغبة جماهير المنطقة وشوقها للسلام” وأشار في حديث لتلفزيون “السودان” إلى الدور الكبير الذي لعبته الزيارة في كسر الحاجز النفسي وإزالة القطيعة التي سببتها الحرب، مؤكدا أنها سوف تدفع المفاوضات التي تجري حاليا في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان إلى خطوات متقدمة.
وقال وزير الإعلام في تصريحات من مدينة كادوقلي قبل وصولهم إلى معقل الحركة الشعبية في كاودا، إن الحكومة تريد تأسيس دولة على أساس المواطنة المتساوية والعدالة والسلام، وأردف قائلا “المهم إن حالة العداء انتهت بدليل أن رئيس مجلس الوزراء في حماية الحركة الشعبية وليس في حماية طرف آخر” ونبه إلى أن الزيارة تأتي في إطار تقديم اعتذار تاريخي للمواطنين السودانيين في هذه المنطقة العزيزة من الوطن عن مظالم وعمليات قتل وترويع تمت باسمهم على الرغم من أنهم قاتلوا النظام البائد طيلة ثلاثين عاما وذلك لكسر الحواجز ووضع الأيادي فوق بعض لبناء وطن قائم على الحرية والعدالة والمساواة.
وحيّا عبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية شمال، في خطاب جماهيري ثورة الشعب السوداني التي أطاحت بالبشير وجدد دعمه للثورة وأعلن عن وضع يده مع كل الأيادي التي تهدف للسلام، ومن جانبه أشاد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بنضال الحركة الشعبية الطويل وبمؤسسها يوسف كوة الذي مات من أجل النضال ودفن في منطقة كاودا نفسها.
السلام المستدام
وعبّر حمدوك عن هذه الزيارة من خلال عدة تغريدات في تويتر، مؤكدا أنه قدم للاستماع إلى أهل كاودا وتقديم حلول طال انتظارها من أجل إنهاء الصراع، مشيرا إلى أن ذلك أمر أساسي لتحقيق السلام المستدام. وأضاف: “أنا ممتن لأكون جزءاً من هذه اللحظة التاريخية المهمة، لحظة نعترف فيها جميعاً بدورنا الفردي والوطني من أجل تحقيق السلام والاستقرار في السودان”.
وربط حمدوك تحقيق السلام بإيجاد حلول هادفة وعادلة للصراع، وعبّر عن تطلعه الشخصي “لهذه الحقبة الجديدة من الأمل والتعاضد بين كل مكونات الشعب السوداني الذي أحدثته ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة” معلنا أن هذه الزيارة “هي الأولى لنا ولكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة”.
وأكد رئيس الحكومة الانتقالية في السودان أن السلام واجب وأولوية ولن يتم تجاهله، وربط اكتمال الثورة بإدراك مظالم الذين تم استهدافهم بصورة ممنهجة من قبل من كان يفترض بهم حمايتهم بدلاً عن استهدافهم.
ومنذ عام 2011 ظلت المساعدات الإنسانية غائبة عن كاودا، وينتظر أن تسهم هذه الزيارة في عودتها إلى المنطقة. وقد كان ضمن الوفد السكرتير التنفيذي لمنظمة الأغذية العالمية وتعهد حمدوك بتوصيل المساعدات للمحتاجين.
وقال رئيس الوزراء السوداني في هذا الخصوص: “لأننا ندرك تمامًا أهمية مواصلة تقديم المساعدات للمحتاجين، نحن في حكومة الفترة الانتقالية سمحنا لمنظمات العون الإنساني بتقديم العون لأهلنا هناك وفي كل أنحاء البلاد، وسنستمر في ذلك لأننا نرى أن هذا يُعد حقًا إنسانياً للجميع”.
وقال القيادي في تجمع المهنيين، محمد الأسباط، إن هذه الزيارة تمثل اختراقا كبيرا في عملية السلام في السودان، مشيرا إلى رمزيتها باعتبارها زيارة لرئيس حكومة دولة إلى منطقة تقع خارج نطاق النفوذ العسكري للجيش السوداني وتسيطر عليها مجموعة مسلحة، إضافة لبُعدها التاريخي، إذ تمثل أول زيارة في تاريخ السوداني لمسؤول رفيع إلى تلك المنطقة.
رسالة إيجابية
وأضاف الأسباط لـ”القدس العربي” أن هذه الزيارة تبعث برسالة إيجابية لمواطن ولاية جنوب كردفان ومناطق جبال النوبة كلها، مفادها أن الدولة حريصة على تحقيق السلام والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي الحروب المستمرة لأكثر من نصف قرن.
وأشار إلى أن هذه الزيارة مثلت عبورا بين شركاء الثورة وممثلي حركات الكفاح المسلح من حالة التربص والعداوة إلى الثقة وإعادة البناء، وأضاف قائلا: “نأمل أن تحدث هذه الزيارة أثرا سريعا وإيجابيا في المفاوضات التي تدور حاليا وتحدث انفراجا كبيرا وحقيقيا في عملية السلام”.
ووصف المحلل السياسي وائل محجوب هذه الزيارة بأنها تمثُل بداية حقيقية لنهاية الحرب في السودان، وتعلن إطلاق عهد عزائم وطنية حقة لتحقيق السلام الشامل والعادل، وتوقع أن تتقدم مسيرة السلام بقوة دفع كبيرة من كاودا وأهلها، لتعم كل أرجاء الوطن، وبعزيمة لا تلين، منبعها ثورة عبرت بعزم شبابها وبسالاتهم فوق جمر الكراهية والأحقاد والتفرقة واندلعت من مناطق الحروب أول أمرها وانداحت دوائرها لحواضر المدن وأرياف البلاد.
تجدر الإشارة إلى أن منطقة كاودا ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة استعصى دخولها أو الاقتراب منها في عهد البشير الذي تعهد بفتحها بقوة السلاح ووعد قبل عدة سنوات بصلاة الجمعة فيها. غير أن رئيس الحكومة الانتقالية دخلها من دون قتال، وشهدت زيارته احتفالا كبيرا.
وتوالت ردود الأفعال لزيارة رئيس الوزراء السوداني لمنطقة كاودا على المستويين الداخلي والخارجي، وضجت مواقع تواصل السودانيين بالتعليق على هذه الزيارة، وعلى المستوى الدولي أثنى أعضاء الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان قطاع الشمال عبد العزيز الحلو في اجتماعهما التاريخي في كاودا.
وقالت دول الترويكا في بيان إن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2011 التي تمكنت فيها الحكومة السودانية من السفر بسلام من الخرطوم مباشرة إلى الأراضي التي تسيطر عليها أكبر جماعة معارضة مسلحة في البلاد. وأضاف البيان: “إننا نعتبر ذلك خطوة رئيسية لبناء الثقة في عملية السلام، وهي خطوة نأمل أن تمهد الطريق أمام وصول إنساني آمن ومن دون عوائق إلى جميع المناطق وأن تؤدي إلى اختتام مفاوضات السلام بسرعة وبنجاح بحلول الموعد النهائي في 14شباط/فبراير التي اتفقت عليها جميع الأطراف.