وقفت مترددا وأنا أعد هذه السطور، وأمامي ثلاث قضايا ملحة؛ تقتضي التناول، أولها بيان مشترك نادر الحدوث ضد مصر، حسب وصف الموقع الإخباري لـ«دويتشه فيله» الألماني؛ وقعته 31 دولة يوم الجمعة الماضية (12 مارس 2021) أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يطالب السلطات بالكف عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب في تكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وحبس الصحافيين. وذلك عمل وجد إشادة من منظمات حقوقية عديدة، واللافت أن معظم الدول الموقعة على البيان أوروبية، وانضمت إليها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا. ولم توقع عليه الدول الأفريقية والعربية والشرق أوسطية؛ لما لذلك من دلالات عن نظرة أولئك الموقعين إلى حكم حليف للغرب ومرتمي في أحضانه، وعلى علاقة وثيقة بالدولة الصهيونية ومسؤوليها، وكلها أوراق تقتضي الصمت؛ لا الإعلان بهذا الشكل السافر!!.
وثانيها قضية التحول المتوقع وغير المفاجئ؛ على الأقل من جانبي نحو التقارب التركي المصري، وإمكانية المصالحة مع «جماعة الإخوان المسلمين» ودون التصالح مع شعب يعاني بشدة، وكان التقارب متوقعا، ومن تنبؤات مبكرة؛ ناقشتها مع أصدقاء وزملاء، وكنت أجد استغرابا ممن اعتبر ذلك شيئا غير ممكن.
وثالث القضايا هي ما آل إليه. وجاء رد الوزير المصري في مداخلة هاتفية على فضائية سعودية تَبُث إرسالها من القاهرة، وأشار فيه لسعي مصر الدائم للسلام والوفاق «والتوصل إلى حلول وسط». ونضيف إلى أن أمر المياه بالنسبة لمصر وجودي؛ تتضاءل أمامه كبرى القضايا الأخرى، والمقال المشار إليه كان مناقشة سؤال وصلني من أستاذ جامعي مصري؛ قال فيه إنه استشعر الخوف، وقال إن خوفه ليس جبنا، إنما خوف من قضاء الله؛ «كمن له مريض يحتضر ويعلم أن موته قد حان، ويخشى مواجهة نفسه بهذا المصير». ولُب سؤاله: «ماذا لو تعنتت إثيوبيا وملأت خزان سد النهضة هذا العام؟»؛ يقصد عام 2020، وأمام مصر حاليا أسابيع تفصلها عن الملء الثاني في يوليو القادم (2021).
وأشرنا في الرد إلى خطر يتهدد مصر، مع انكشاف مخططات موضوعة لأعالي النيل، ومنها ما يتَعَرَّض له النيل الأزرق من سطو حكومة أديس أبابا، ومن المعروف أن النيل الأزرق ينبع من بحيرة تانا الإثيوبية، ويدخل السودان من الجنوب الشرقي، ويلتقي مع النيل الأبيض عند الخرطوم العاصمة، ويشكلان معا مجرى واحدا، هذا مع العلم إن طول نهر النيل من المنبع حتى المصب يصل إلى 6670 كم، ويعد أطول أنهار العالم. ومساحة حوض النيل: 3,4 مليون كم²، ويمر باحدى عشرة دولة إفريقية، والنيل الأزرق رافد يغذي المجرى الرئيسي للنيل في مساره بين دولتي المصب، ويمده بأكثر من 85٪ من المياه، وهذه تفاصيل كاشفة لطبيعة النيل كـ«نهر دولي»؛ تتولاه اتفاقيات ومعاهدات إقليمية وقارية ودولية؛ مُنظِّمة ومُحدِّدة لأنصبة وحصص الدول المتشاطئة.
وعملت ثورة يناير 2011 من البداية على درء المخاطر المتوقعة، فبادرت بإرسال وفد شعبي إلى إثيوبيا؛ يحمل رسالة أخوية للشعب وللمسؤولين فيها؛ تدعو إلى عودة روح يجب أن تسود بين دول حوض النيل، وهذه المبادرة الجادة تنكبت لها الحكومة الإثيوبية، ويبدو إن شعورها بضعف «المشير» واستخفافه بقضية بهذه الخطورة؛ جعل الحكومة الإثيوبية تنصب له فخا، كصيد ثمين، وهو فخ «اتفاق المبادئ» (مارس 2015) وفور التوقيع عليه حولته إثيوبيا لسلاح من أسلحة الدمار الشامل؛ ووجهته صوب السودان ومصر، وبدلا من تدارك الأمر وتصحيحه اتخذت حكومة أديس أبابا منه غطاءا لمفاوضات عبثية، تفشل كي تُعقد ثم تفشل وهكذا كان الدوران في نفس المكان، وأُطلِقت يد الحكومة الإثيوبية، وتحررت من القيود، وأضحته صاحبة القرار الأوحد في تحديد حصص السودان ومصر، والتحكم فيها!.
زاد مأزق السد الإثيوبي وتعقيداته، استفحالا، وأضحى عنوانا للعجز الرسمي وقلة حيلة الإدارة المصرية الحالية، وتوالُد الفشل الذريع أمام قضية وجودية؛ تتوقف عليها حياة أو موت غالبية المصريين وكثير من السودانيين
وحين طالبنا في المقال المشار إليه بسحب توقيع «المشير» من «الاتفاق» وإعلان تحمله المسؤولية والعمل على مواجهة كارثة «الاتفاق» وبدلا من ذلك جعل من ثورة 25 يناير 2011 مشجبا؛ علق عليه كل ما ساعده على إخفاء هذه الكارثة، وإبعاد الأنظار عنها، وجعل من ثورة يناير حجرا يضرب به أكثر من عصفور في وقت واحد، دون اكتراث بمصير 150 مليون سوداني ومصري، وكان على «المشير« الاعتراف بالمسئولية، والاعتذار عن ما سببه توقيعه من مصائب وكوارث، واقترحنا «خريطة طريق» بالمسمى الأمريكي الشائع؛ على النحو التالي:
1) الاعتراف بالورطة (أو الكارثة).
2) إلغاء اتفاق المبادئ واعتباره هو والعدم سواء.
3) إسقاط «الاتفاق» كوثيقة معتمدة، وذلك بسحب التوقيع الرئاسي، ويا حبذا لو تم سحب توقيع السودان كذلك.
4) الاعتذار عن هذه الورطة (الكارثة) التي أوقع الشعب والدولة فيها.
5) إخطار الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بمذكرة تفصيلية تشرح الملابسات؛ يُعِدها «فريق من علماء السياسة، وفقهاء القانون، وخبراء العلاقات الدولية».
وذلك ممكن، إذا ما تم سحب «الاتفاق» من يد الحكومة الإثيوبية، وإنهاء اعتمادها عليه في إقناع الدول والمنظملت المعنية بسلامة مواقفها السياسية والقانونية والإنساني؛ بإشهار «الاتفاق» الممهور بتوقيع «المشير» في وجه المعترضين!
والمشكلة في ذلك الإنفصام الرسمي وازدواجيته؛ خلطه بين الكلام المرسل، والقبضة الحديدية الشديدة، والخشونة المفرطة، والاعتقالات والملاحقات الواسعة، وأحكام الإعدام التي لا نظير لها، والكلام المرسل يشدنا إلى حكمة قالها الإمام علي بن أبي طالب (رض): «تكلموا تُعْرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه» وتضمنها «نهج البلاغة» وأكدت مقولة لفيلسوف اليوناني العظيم سقراط؛ قالها لأحد تلاميذه؛ «تكلم حتى أراك» ولم يقل تكلم حتى أسمعك!.
وعن البعد الثاني؛ القبضة الحديدية والقسوة الشديدة في التعامل مع جموع الشعب؛ بفلاحيه وعماله ومنتجيه وموظفيه وحرفيه ومهنيه وطلابه ومبدعيه ومفكريه ومثقفيه، وأبعدت غالبتهم العظمى عن المجالس التشريعية والتمثيلية، واقتصر التمثيل البرلماني على كبار رجال القوات المسلحة والشرطة المتقاعدين، وكبار رجال ونساء الأعمال والهوانم، وكبار المقاولين، مع طابور خامس لأتباع التطبيع والصهينة. ضاعت سنوات عشر في مفاوضات عبثية، وخلالها رفضت إثيوبيا كل شيء، بما فيه الوساطة الأمريكية، ويعد ذلك إلى قصور ذاتي، وعجز عن اتخاذ قرار سليم وملح؛، وعدم الإقدام على سحب «التوقيع» من «اتفاق المبادئ» يُفَسّر بالرضا والتواطؤ، ومَثَلُ عبد الناصر واضح وحاضر، فعندما لمح في مسودة خطاب التنحي في 1967 عبارة «أتحمل نصيبي من المسؤولية»؛ شطبها بقلمه، واستبدلها بعبارة «أتحمل المسؤولية كاملة» فلم يهرب أو يتهرب، وتحمل المسؤولية كاملة، ولم يُحَمِّلها لغيره، ومن الصعب اتخاذ مثل ذلك الموقف في زماننا هذا من اعتاد عدم الانشغال بالهموم العامة، وعلى عدم تحمل أعباء ومسئوليات والتزامات دستورية وقانونية وعرفية وإنسانية، واستسهل إلغاء نصوص دستورية وقانونية وسياسية ملزمة بالحفاظ على استقلال سلطات الدولة وهيئاتها ومؤسساتها العليا، ووضعها تحت قبضته وأخضعها لسلطانه، ليس في مقدوره غير ذلك، ولن يحمي حصص وأنصبة السودان ومصر وحقوقهما التاريخية من الضياع، وقد تصبح أثرا بعد عين، ومجرد ذكرى لنهر كان خالدا!.
كاتب من مصر
الحل الجذري لمشاكل السدود الكبيرة على الأنهار الدولية يتم بتدويل منطقة السد ومحيطه بنصف قطر 15كم حول السد بعد إبعاد قوات الدولة المقيمة للسد بقرار من مجلس الامن الدولي وتشكيل إدارة دولية فنية لملء وتشغيل السد بعضوية جميع دول المجرى والمصب بما يحفظ حقوق جميع الأطراف بشكل عادل وتجنب حدوث أضرار أو خسائر لدول المجرى والمصب، وينطبق ذلك على سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل الأزرق وسد اتاتورك التركي على نهر الفرات وسد إليسو التركي على نهر دجلة.
استفزاز إثيوبيا بالماضي تسبب بتحجيمها لحدودها الحالية فطردتها إريتيريا من أراضيها بدعم دولي ولم يعد لإثيوبيا شواطيء على البحر الأحمر، والآن يتراكم استفزاز إثيوبيا وسيقود لتكاتف دولي لتحجيم أكثر لها بإبعادها عن حدود السودان بعمق 100كم وطول 500كم وإعادة تلك المناطق لشعوب أصلية وقصر إنفاق ثروة المناطق لتحسين عيش مواطنيها وحصر إثيوبيا بالوسط منزوعة سلاح وتدويل منطقة سد النهضة ومحيطه بنصف قطر 15كم حول السد وتشكيل إدارة دولية فنية لملء وتشغيل السد بعضوية كل دول المجرى والمصب بما يحفظ حقوق جميع الأطراف
أعتقد أن اللواء عبدالفتاح السيسى ،يعرف تماما ما يريد ، لذلك عمل الاتفاقية مع إثيوبيا ، مع سبق الإصرار والترصد . فهو يريد مصر تصل إلى ما وصلت إليه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أظن حضرة الجنرال لم يكن يفكر في توقيع الاتفاق على إقامة السد. كانت هناك جهات أخرى وراء ذلك،بدليل أنه لم يعرضها على الشعب ولا جهات الاختصاص. وتصور أن المسألة بسيطة،وأن الطرف الآخر لن يضعه في حرج، وهو ما يدل على جهله بالسياسة والمصالح الوطنية جهلا صارخا وفاضحا. إنه سعيد بنجاحه في بناء السجون الضخمة والقصور الفارهة، والقطار السريع الذي يكلف مصر ممتلكاتها وأرصدتها، والقضاء على الإسلام، وتصفية الإخوان المسلمين وغيرهم ممن يقفون في طريقه الزلق. مصر ليست بخير!
لم يعرف العالم في تاريخه الطويل رئيسا يضع مصلحة دول أخرى فوق مصلحة شعبه مثل مشيرنا، لكن أن تتفق معه القوات المسلحة وغالبة عظمى من السياسيين والمثقفين في هكذا إنفصام كارثي وأطوار غريبة، لهو عين مصيبة الشعب المصري.
ولا نامت أعين الجبناء
ان من قام بانقلاب عسكري على نظام تم انتخابه بطريقة ديمقراطية شهد لها العالم حيث ان مصر عدت خلاص واختارت صناديق الاقتراع ليس كسوريا او العراق …ان من قام بالانقلاب لايريد خيرا لمصر او (الوطن العربي).