في 26 مارس من عام 1979، أي منذ أربعين عاما بالضبط، وقّع كل من أنور السادات، رئيس جمهورية مصر العربية في ذلك الوقت، ومناحيم بيغين، رئيس وزراء إسرائيل، على اتفاق عرف رسميا باسم «معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية». ورغم الترويج الإعلامي المكثف لهذه المعاهدة التي وصفت بأنها تشكل نقطة تحول قادرة على نقل المنطقة من حالة الصراع والحرب إلى حالة السلام والاستقرار، إلا أن الشعوب العربية سرعان ما أدركت أنها وقعت ضحية عملية خداع كبرى.
كان السادات قد بنى حساباته، حين اتخذ قراره الصادم والمفاجئ بزيارة القدس يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، على افتراضين رئيسيين:
الافتراض الأول: أن إسرائيل أصبحت بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 73 جاهزة لتسوية متوازنة ليس فقط مع العالم العربي.
الافتراض الثاني: أن الولايات المتحدة باتت مهيأة بدورها للقيام بدور الوسيط ولممارسة الضغوط المطلوبة على إسرائيل، إذا لزم الأمر، لحملها على القبول بتسوية مقبولة عربيا.
غير أن هذين الافتراضين لم يستندا في الواقع إلى أي أساس، فلم تكن إسرائيل جاهزة للقبول بتسوية حقيقية، ولا كانت الولايات المتحدة مستعدة لممارسة أي نوع من الضغوط لحمل إسرائيل على تغيير موقفها المتعنت. دليلنا على ذلك:
1- استمرار إسرائيل في رفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والسورية التي احتلتها عام 1967.
2- اعتراف الولايات المتحدة مؤخرا بالقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل وبالسيادة على الجولان.
الغريب أن البعض في العالم العربي ما زال، رغم كل ما جرى، يكابر ويصر على أن الأخطاء العربية، وليس تعنت إسرائيل، هي التي تسببت في تكريس الاحتلال، ويدعي أنه كان بوسع ياسر عرفات استعادة حقوق شعبه كاملة، لو أنه كان قد قبل بالمشاركة في مؤتمر مينا هاوس، الذي دعا إليه السادات عقب عودته من زيارة القدس، كما يدعي أنه كان بوسع حافظ الأسد استعادة الجولان كاملة لو أنه كان قد تمتع بقدر أكبر من المرونة في المفاوضات التي جرت في جنيف عام 2000، وتلك في تقديري مجرد أوهام لا أساس لها على أرض الواقع، إذ يكفي أن نتأمل ما يجري اليوم في سيناء لندرك أن السادات كان قد استدرج إلى مصيدة، حين قرر زيارة القدس، ثم وقع في هذه المصيدة حين التوقيع على معاهدة سلام منفصل مع إسرائيل. فهذه المعاهدة لم تكن خروجا فقط على الإجماع العربي ولكنها كانت بمثابة انقلاب كامل في الوقت نفسه على ثورة يوليو/تموز 1952 التي كان السادات أحد رموزها الكبار. فكيف نفسر ما جرى في ضوء هذه المفارقة؟ أظن أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب الغوص بعض الشيء ليس فقط في تفاصيل التاريخ السياسي للسادات، أو في مدركاته الفكرية والأيديولوجية، وإنما أيضا في تركيبته المزاجية والنفسية. ففي تقديري أن المرتكزات التي بنى عليها السادات قناعاته، ودفعته للذهاب إلى القدس لم تكن وليدة حسابات سياسية أو توجهات أيديولوجية، بقدر ما كانت مدفوعة بأوهام رسبتها عقد نفسية لا أستبعد أن يكون قد أصيب بها في مرحلة أو أخرى من مراحل حياته السياسية والفكرية، ربما كان أهمها ما يمكن تسميته بـ»عقدة عبد الناصر». صحيح أن البعض حاول إضفاء هالة فلسفية على هذه الخطوة، حين اعتبر زيارة القدس نوعا من «العلاج بالصدمات»، غير أنني لا أرى فيها سوى محاولة تبريرية مفلسة. ولأنها كانت بمثابة قفزة جريئة نحو الفراغ، يفترض ألا يقدم أحد على خطوة كهذه، ما لم يتمتع بمواصفات نفسية ومزاجية خاصة، وهو ما ينطبق تماما على السادات.
فقبل ثورة 52 عاش السادات حياة سياسية مضطربة شهدت: اتهامات بالتجسس لصالح الألمان، وانخراطا في «حرس حديدي» مكلف باغتيالات سياسية لحساب القصر، والمحاكمة بتهمة الضلوع في اغتيال امين عثمان، وفصلا متكررا من الجيش، الأمر الذي أدى إلى دخوله السجن عدة مرات. وباستثناء ما عرف عن عدائه للانكليز واستعداده للتعاون مع الألمان نكاية فيهم، لم يكن للسادات انحيازات سياسية أو رؤى فكرية وأيديولوجية محددة، وقيل في تفسير انخراطه في حركة الضباط الأحرار، إن عبد الناصر أراده عينا للحركة، لمعرفة ما يدور داخل القصر، بسبب علاقة خاصة ربطته بطبيب الملك الخاص يوسف رشاد، وكان من اللافت للنظر حرصه على الذهاب إلى السينما ليلة 23 يوليو وافتعاله مشاجرة لإثبات عدم مشاركته في الثورة إن تعثرت أو فشلت.
وبعد الثورة عاش السادات في الظل تقريبا طوال فترة حكم عبد الناصر، حيث لم يكن ضمن الدائرة القريبة من صنع القرار، رغم كونه من بين القلائل من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين بقوا إلى جوار عبد الناصر حتى النهاية. وقد بدا السادات حريصا على إظهار الولاء المطلق لشخص عبد الناصر، وعلى تجنب كل ما من شأنه إحداث قطيعة معه. أما عبد الناصر فلم يظهر من ناحيته إعجابا خاصا بالسادات، وحين قرر التنحي اختار زكريا محيي الدين لخلافته، ولم يقترب السادات من الدائرة المحيطة بعبد الناصر إلا بعد هزيمة 67، فقد تردد أن ارتياح عبد الناصر لضيافة السيدة جيهان دفعته للتردد عائليا بين الحين والآخر على منزل السادات تخففا من أعباء العمل بعد الهزيمة، خاصة بعد ظهور أعراض المرض عليه. غير أن ذلك كله لا يفسر قرار عبد الناصر بتعيينه نائبا له قبيل توجهه لحضور مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1969. فقد بدا هذا القرار مفاجئا وغامضا وعصيا على التفسير.
صمود المعاهدة مع إسرائيل لمدة أربعين عاما لا يعني أن الشعب المصري يتأقلم معها وإنما يعني أن حكم الفرد ما زال قائما
تدل مؤشرات متعددة إلى أن السادات عانى كثيرا من محاولات الاستخفاف به والتقليل من شأنه، سواء في حياة عبد الناصر أو بعد وفاته، وهي محاولات استمرت حتى بعد توليه رسميا منصب الرئاسة، وبلغت ذروتها حين قرر رموز نظام عبد الناصر تقديم استقالة جماعية عام 1971 بهدف إحراجه وحشره في الزواية، وربما الانقلاب عليه، لذا يلاحظ أنه ما إن خلت له الساحة، خاصة بعد انفراده التام بالسلطة، ثم تمكنه لاحقا من تحقيق إنجاز أكتوبر عام 1973، حتى طفح حقده الدفين ليس فقط على شخص عبد الناصر، الذي تعمد تلطيخ سمعته والتشكيك في ذمته المالية، ولكن أيضا على سياساته العامة وتوجهاته الفكرية، التي قلبها رأسا على عقب. ولا جدال في أن كل ما أقدم عليه السادات من سياسات واتخذه من إجراءات، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي، يدخل في باب «الثورة المضادة»، أو «الثورة على ثورة يوليو»، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأن قراره الذهاب إلى القدس يجب أن يفهم في هذا السياق أيضا.
مازال الجدل بين أنصار وخصوم السادات محتدما حتى الآن، وربما يكون له ما يبرره حين يتعلق الأمر ببعض السياسات، كالانفتاح الاقتصادي والتقارب مع الغرب، وفتح الباب أمام تعددية حزبية مقيدة..الخ. غير أنني أزعم بأن توجهاته المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي كانت ممعنة في فرديتها ولم تعبر بأي حال من الأحوال عن توجهات الشعب المصري، أو حتى عن النخب السياسية، بما فيها النخبة الحاكمة إبان فترة ولايته. فقرار زيارة القدس كان قرارا فرديا بحتا ترتب عليه اعتراض واستقالة كل من إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، ومحمد رياض، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وحتى هؤلاء الذين أبدوا تفهما لزيارة القدس، ورأوا فيها أداة لتحريك عملية البحث عن تسوية سياسية، وأبدوا استعدادهم للتعاون والمساعدة في البناء عليها، رفضوا تماما تنازلات قبلها السادات في مفاوضات «كامب ديفيد»، وهو ما تؤكده مذكرات كل من محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية الذي لم يتردد في تقديم استقالته فور عودته إلى القاهرة، ونبيل العربي، عضو الوفد المسؤول عن الجوانب القانونية، الذي أصبح وزيرا للخارجية، ثم أمينا للجامعة العربية في ما بعد. وحين نوقشت الاتفاقية في البرلمان اعترض عليها خمسة عشر نائبا، كانوا هم الأقرب إلى نبض الشعب المصري، الأمر الذي أغضب السادات كثيرا ودفعه لحل البرلمان. الأهم من ذلك أنه لم يكد يمر عام واحد على إبرام هذه الاتفاقية، حتى بدا السادات وكأنه يقف وحيدا في مواجهة الشعب المصري، وهو ما يفسر قيامه بالأمر بإلقاء القبض على كافة رموز الحركة الوطنية المصرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لينتهي الأمر باغتياله.
صمود المعاهدة مع إسرائيل لمدة أربعين عاما لا يعني بأي حال من الأحوال أن الشعب المصري بدأ يتأقلم معها أو يستسلم لقيودها، وإنما يعني فقط أن حكم الفرد ما زال قائما. لذا يمكن القول إنه يصعب اختبار مدى قابلية هذه المعاهدة للصمود الفعلي إلا بعد أن يتمكن الشعب المصري من اختيار حاكمه بنفسه وبكامل إرادته.
كاتب وأكاديمي مصري
احسنت د. نافعة.
أرجو أن يكون جل اخوتنا في مصر يعتقد في ما أشرت إليه حتى تعود مصر بحضورها و قيادتها للدول العربية.
اهم نتائج معاهدة كامب ديفيد كانت فقدان مصر دورها القيادي في العالم العربي فكانت مثل قطع الرأس عن الجسد فاودت بالاثنين..
وكان اهم مبررات المعاهدة ان الحروب قد استنفذت مقدرات مصر و ان السلام سيؤدي الى البناء و التقدم و كانت النتيجة كما نرى في تراجع مصر في كل المؤشرات و اخطرها التعليم و الصحة و الحريات و العادلة و الشفافية.
يعزو الكاتب اجراءات السادات الى عقده النفسية و يتجاهل الحقائق المتداولة و هي علاقته بالمخابرات الامريكية و تعاونه السياسي و الامني مع الكيان الاسرائيلي
رحم الله أنور السادات ومافعله كان لصالح مصر ويتفق مع رؤيه عبدالناصر بعد نكسه٦٧ وإصلاح الاحوال فى السياسه المصريه ولو امتد الزمن بجمال عبد الناصر رحمه الله لفعل ما فعله أنور السادات رحم الله الجمبع
اكتب لنا عن انتصارات جمال عبد الناصر الوهمية
وكيف ضيع سيناء و وادخل اليهود فيها
اكتب لنا عن حرب اليمن التى ليس لنا فيها ناقة ولا جمل
اكتب لنا عن الصراع بين العرب وافريقيا