إسطنبول – «القدس العربي» : تتسارع الاستعدادات في العاصمة التركية أنقرة لوضع الترتيبات اللازمة لاستقبال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي وعقيلته، تلبية لدعوة نظيره الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، بحسب ما رجحته مصادر لـ”القدس العربي”، رغم غياب الإعلان الرسمي عن موعدها. ومن المنتظر أن يحل وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، ضيفاً على القاهرة، الشهر المقبل، لإعداد جدول أعمال الزيارة.
وكان مجلس رجال الأعمال التركي – المصري قد اختتم جولة محادثات امتدّت ليومين في إسطنبول لتنسيق المواقف، وبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، والإعلان عن مشاريع جديدة خلال زيارة السيسي إلى تركيا.
ويقول باحثون ومتابعون لـ”القدس العربي” إن الحرب الإسرائيلية على غزة ستكون ضمن قضايا أساسية ستبحث في القمة، فضلاً عن الملفين الليبي والسوري، وملف الطاقة، وهي ملفات كان بعضها مثار خلافات بين البلدين لسنوات.
وبذلت الحكومتان التركية والمصرية مساعي مكثفة لرأب الصدع الذي دام 11 عاماً، وهي الفترة الزمنية بين آخر زيارة للسيسي لتركيا في مايو/ أيار 2013 عندما كان وزيراً للدفاع في الحكومة المصرية آنذاك، حيث التقى باردوغان، الذي كان رئيس الوزراء في حينها.
وأبرم خلال تلك الزيارة اتفاق تعاون عسكري بقيمة 200 مليون دولار، غطى ليس فقط ملف شراء المسيرات التركية، ولكنه شمل أيضاً ملف شراء الزوارق الحربية والمدرعات وعربات نقل الجند وتقنيات عسكرية أخرى.
العلاقات الدبلوماسية
ويرجح مراقبون احتمال الربط بين ما صرح حديثاً عنه فيدان، بأن بلده ستمد مصر بمسيرات صناعة تركية، وهذا الاتفاق الذي قال إنه أنجز خلال زيارة السيسي لتركيا في عام 2013، وذلك لإحياء المسار القديم لمواصلة المسير من نقطة التوقف.
وكان اردوغان قد زار مصر برفقة قرينته في شباط/ فبراير الماضي، لأول مرة منذ سنوات كان فيها البلدان على خلاف حاد. وهو ما يندرج ضمن الخطوات التركية المصرية المشتركة الرامية لإنهاء الخلاف والقطيعة بين البلدين.
وبدا أن جهود مصر في إعادة ترميم علاقاتها مع تركيا، تأتي انسجاماً مع محاولات أنقرة الحثيثة لتحسين العلاقات مع الدول العربية بشكل عام، حيث صرح وزير الخارجية التركي، فيدان، خلال لقائه مع إحدى القنوات الاخبارية: “إن علاقاتنا مع الدول العربية وصلت إلى مستوى ممتاز، ندير خلافاتنا بنضج ضمن إطار استراتيجي”.
وواصل تصريحاته بشأن العلاقة بين تركيا وسوريا، حيث ذكر فيدان أن أنقرة مستعدة “لبدء أي نوع من الحوار مع سوريا على أي مستوى”، مضيفاً: “يجب تطهير سوريا من الإرهاب، ويجب أن تُناقش (وضع) المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في إطار قرارات الأمم المتحدة”.
«مرحلة جديدة من التعاون»
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، فراس رضوان أوغلو، أن هذه الزيارة “مهمة جداً، حيث إنها تأجلت أكثر من مرة بسبب الحرب على غزة، وهي مهمة لتوطيد العلاقات بين البلدين”، فـ”الطرفان انتقلا حالياً لمرحلة جديدة جداً، حيث الأوضاع في المنطقة تحتاج للتعاون الكبير والتام بين تركيا ومصر، كما يتطلع العديد من الدول المجاورة لمثل هذا التعاون ومنها قطر والإمارات”.
ليبيا وغاز المتوسط واليونان
وأضاف أوغلو في حديث لـ”القدس العربي” أن “العديد من الملفات ستكون على طاولة الحوار بين الزعيمين وعناوينها معروفة، أبرزها ملف غزة وهو الملف الذي تحتاج فيه مصر دعم تركيا الكامل في وجه إسرائيل والمدعومة من قبل الولايات المتحدة، ومصر بحاجة لدعم إقليمي أكبر لضمان قوتها في مواجهة الضغط الأمريكي ومنع انزلاق المنطقة في حرب إقليمية أخطر. وبكل تأكيد لن يغيب الملف الليبي والسوري عن دائرة الحوار بين الطرفين”.
ومما لا شك فيه بأن ملف الطاقة سيكون حاضراً وبقوة.
كما دعا فيدان وزير الخارجية المصري خلال حديثه حول الزيارة المرتقبة في أغسطس/ آب المقبل، إلى ضرورة معالجة مخاوف القاهرة فيما يتعلق بأمن الحدود المصرية مع ليبيا، بيد أن المؤشرات على الأرض تدل على أن الملف الليبي قد يظل معقداً لبعض الوقت، في ظل أولويات السياسة التركية في ليبيا والاتفاقيات المبرمة مع حكومة طرابلس.
وهو الأمر الذي قد تلجأ تركيا إلى موازنته عبر سيناريوهات الطرح المستقبلي لقبول أنقرة بالقاهرة كوسيط في تقريب وجهات النظر بين اليونان وتركيا نحو حسم الخلافات فيما يتعلق بملف غاز المتوسط، حيث أنجزت مصر ملف حدودها البحرية مع تركيا بالفعل. وهو أحد أهم العناصر الهامة في التقارب المصري التركي هو الترحيب التركي بترسيم الحدود البحرية مع مصر دون أي خلاف بين البلدين.
الروابط الاقتصادية
وإلى جانب العلاقات الدبلوماسية، تمثل الروابط الاقتصادية نقطة مشرقة دائمة بين مصر وتركيا.
فقد أكد أحمد كجوك، وزير المالية المصري، خلال لقاء، الجمعة الماضي، مع محمد شيمشك، وزير المالية التركي، أن الحكومة المصرية حريصة على تعزيز العلاقات الثنائية الاقتصادية مع تركيا لتحقيق المصالح المتبادلة من خلال دفع جهود التكامل الاقتصادي الإقليمي في منطقتي البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.
وجاء هذا التصريح على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في البرازيل. وصرح الوزير المصري، كجوك، بأن القاهرة تستهدف زيادة حجم التجارة مع أنقرة إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة. وأوضح أهمية استغلال الفرص الاقتصادية الواعدة لتوسيع نطاق التجارة والاستثمار بين مصر وتركيا، مشيراً إلى أن تركيا تعد أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر.
وتوضح هذه التصريحات بشأن السعي لسد الفجوة الرغبة المشتركة لدى الطرفين لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، ودعم جهود البلدين في مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية العالمية.
وتبرز أيضاً أهمية إعادة هيكلة العلاقات المصرية التركية وإعادة بناء نظام إقليمي أمني تكون تركيا ودول الجوار طرفاً فيه.
ويضيف الوزير المصري: “أتصور أنه ربما تؤسس الزيارة لمنظومة جديدة للعلاقات الإقليمية تقود فيها مصر وتركيا شكل العلاقات في المنطقة في المقبل من الأيام، لا سيما بعدما تكشفت هشاشة العلاقات في المنطقة”.
وتعاني المنطقة بشكل عام في الوقت الحالي من هشاشة في العلاقات الدبلوماسية، وهو ما قد يتيح الفرصة عبر هذه الزيارة المرتقبة لتسليط الضوء أكثر على أهمية هيكلة العلاقات المصرية التركية، وإعادة بناء نظام إقليمي أمني يجمع بين تركيا ودول الجوار، في ظل حرب وحشية تضرب قلب المنطقة النابض غزة، وهو ما يطرح توقعات باحتمالية تأسيس الزيارة لمنظومة جديدة للعلاقات الإقليمية في المنطقة في الفترة المقبلة.
ورأى الباحث الاقتصادي والأكاديمي الدكتور أحمد ذكر الله لـ “القدس العربي” أن “العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا ومصر كانت وما زالت تعيش حالة من التألق، حتى خلال فترة القطيعة لم تتأثر العلاقات التجارية بشكل كبير بين البلدين، وشهدنا نمو العلاقات البينية خلال تلك الفترة”.
وأوضح أن العلاقات بلغت أشدها خلال السنوات الماضية القليلة، حيث أصبحت تركيا أحد أوائل الشركاء التجاريين لمصر وتخطت الصادرات المصرية التركية ما يقارب الثلاثة مليارات دولار.
وعند سؤاله حول دوافع مساعي مصر من رأب الصدع، قال ذكر الله إن مصر “تبحث من خلال هذه العلاقة الوطيدة مع تركيا على استمرار تدفق صادراتها للأسواق التركية، وتطلع مصر إلى الاستثمارات التركية في الخارج من حيث فتح الأسواق المصرية أبوابها أمام تركيا”.
ولاحظ ذكر الله أنه “يدور الحديث عن منطقة صناعية تركية بالكامل يتم التحضير لها وستكون مركز اهتمام لعدد من الدول ذات الأيدي العاملة الكبيرة مثل مصر وغيرها من الدول التي تمتاز بالأيدي العاملة الوفيرة والتكلفة المنخفضة، في محاولة لنقل هذه التجربة للأراضي المصرية”.
وبينما تسعى تركيا لتصفير خلافاتها الخارجية، وإعادة تموضعها في المنطقة في ضوء متغيرات وتحديات داخلية وخارجية تحتم على القيادة التركية إعادة صياغة مساراتها السياسية، يرى مراقبون أن مصر تريد أن تعكس أهميتها الجيوسياسية من خلال بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية مستفيدة من قدرات تركيا في صناعة المسيرات، الأمر الذي سيضمن لها أميناً إقليمياً على حدودها الشرقية والغربية، ويتيح لها المجال للتفرغ لإصلاح أوضاعها الاقتصادية، واستعادة دورها الإقليمي في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى طرف عربي قوي ووازن بحجم مصر.