عمان ـ «القدس العربي»: هل يحتاج الأردن إلى طاقم سياسي جديد يتولى الإدارة في المرحلة اللاحقة لطوفان الأقصى؟ وهل تعقد أو تجري الانتخابات المقررة العام المقبل في وقتها أم تتطلب أوضاع الإقليم تأجيلها؟
سؤالان يطرحهما اليوم كل من يحاول البحث في عمان عن صيغة للتعايش مع تداعيات الطوفان مع غزة أو يفترض ثم يتوقع مسارا محددا في هذا الاتجاه عند تقليب صفحات وأوراق الانعكاسات لما يجري في فلسطين على الأجندة الداخلية الأردنية.
قالها العاهل الملك عبد الله الثاني في عدة اجتماعات: الأردن بخير والعدوان ينبغي ان يتوقف ونحن الأقرب إلى فلسطين وأهلها.
ما يرصد عموما سواء في الاجتماعات السيادية المغلقة أو في بعض الإجراءات الاحتياطية للحكومة يوحي ضمنا بان البرامج السياسية والاقتصادية التي أعدت تحت بند التحديث لأكثر من عام ونصف قبل السابع من أكتوبر ماضية في طريقها بصرف النظر عن ما يجري غربي النهر.
تؤمن دوائر القرار الأردنية بان التداعيات لها دور في كل الإيقاع، ويرى سياسيون كبار من بينهم الدكتور ممدوح العبادي أن بناء إستدارة إستراتيجية كبيرة وطنيا كما قال لـ”القدس العربي” بات أمرا ملحا ولم يعد ترفيا.
الملموس عموما أن السلطات الرسمية لا تتحدث عن إستدارات إستراتيجية كبيرة بل عن إجراءات وخطوات في الاحتياط وبظل التفاعل مع إيقاعات الحرب الإسرائيلية الهمجية التي يعتقد أردنيا على نطاق واسع بانها غيرت وبدلت في كل المعطيات وبصورة استثنائية.
ورغم أن بوصلة القرار في المعلن وغير المعلن تؤشر على المضي قدما بخطط التحديث إلا ان نقطة الإرباك كما توصف يمكن ان تبرز وتتطلب التعاطي مع ظرف استثنائي إذا لم تهدأ الأمور في الضفة الغربية المحتلة.
بمعنى انتقال الصراع من قطاع غزة وتفاعله أكثر في الضفة الغربية والاقتراب أكثر من المحظور الأردني بعنوان الفوضى وانهيار النظام القانوني.
في تلك اللحظة يعتقد بان الانعكاس سينتقل إلى الأردن بصورة عاصفة ويتطلب إجراءات ذات بعد أمني وليس فقط سياسيا، لأن المخاطر هنا كما شرح وزير الخارجية أيمن الصفدي في جلسة مغلقة حضرتها “القدس العربي” لا يمكن الاستهانة بها ولا حتى إنكارها، الأمر الذي يدفع المؤسسة الأردنية بثقلها دبلوماسيا وعمليا نحو إستراتيجية وقف العدوان على غزة ودعم أهلها لوجستيا وتعزيز صمودها.
حاول باحثون وخبراء متعددون مؤخرا افتراض شكل ونمط التحديات التي يمكن ان تبرز في الداخل الأردني إذا ما غرقت الضفة الغربية أكثر لاحقا بفوضى الصدام مع اليمين الإسرائيلي.
لا توجد حدود يمكن رسمها للتداعيات هنا.
والأردن قال بوضوح إن أي محاولات لتهجير أهل الضفة الغربية سيعتبرها بمثابة إعلان حرب و”القدس العربي” استمعت لنقاش مع خبير مثل الدكتور جواد العناني يعتبر ان ما تقوم به سلطات الاحتلال من تجريف للبنية التحتية والشوارع في مخيمات مدن الضفة الغربية سلوك عدائي بامتياز يؤشر على ان اليمين الإسرائيلي يصر على مشروعه ما دام باقيا في الحكم.
العناني وآخرون من طبقة السياسيين الخبراء من المؤمنين بان الأردن في الاشتباك بكل حال، لكن المناخ النخبوي والسياسي العام في الأردن يؤشر على ان ملفين يمكن مراقبتهما مسبقا بعناية ويشكلان مدخلا لمحاولة فهم خريطة التغييرات المحتملة اذا ما استمر عدوان الجيش الإسرائيلي وانتقلت المواجهة فعلا إلى الضفة الغربية، ويشكلان طبعا مسارا اختباريا للانعكاسات التي تشغل الجميع.
الملف الأول هو نمو الاستنتاج بان الطاقم الحالي الذي يدير الأمور في نخبة القرار استنفد أغراضه وبان الحاجة ملحة سياسيا وبيروقراطيا لطاقم جديد في إطار وظيفة التصدي لانعكاسات الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
والملف الثاني هنا هو المرتبط بالانتخابات التي يرى كثيرون بان انعقادها الصيف المقبل على إيقاع حرب الإبادة في غزة سيؤدي إلى قفزة كبيرة لممثلي التيار الإسلامي حصرا في برلمان 2024.
بالتالي ثمة اعتقاد بأن ملف الانتخابات من حيث عقدها أو عدمه سيبقى معلقا إلى اللحظات المناسبة بانتظار المستجد الفلسطيني والإسرائيلي.
لكن الإجابة على السؤالين بخصوص طاقم جديد وانعقاد الانتخابات من عدمه قد تحتاج إلى المزيد من التأمل بعيدا عن التكهن، لأن الحدث الفلسطيني مفتوح الاحتمالات ويمكنه ان يتطور في أي لحظة باتجاهين متعاكسين ومتناقضين، الأمر الذي يؤثر بعمق وكثافة بكل حال على طبيعة الانحيازات الأردنية الداخلية.
والقناعة راسخة بان التعامل في الأجندة الوطنية عموما ينبغي أن يتواصل بمعزل عن السياق الفلسطيني الناشط أحيانا والمتفجر أحيانا أخرى.
لذلك قد لا تطول فترة الترقب والانتظار لحسم الإجابة على السؤالين ما لم تحصل طبعا تطورات عسكرية دراماتيكية في الإقليم تستدعي ما يقفز تماما أمنيا وسياديا على كل الاعتبارات التحديثية في مرحلة انتقالية.