كنا نمشي متمهلين أمام إحدى البركتين الكبيرتين اللتين انتصبتا شاهدا لضحايا الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في نيويورك، حين التفتت الي ع. وسألتني:’هل نستطيع يوما ما أن نبني في بيروت بركا لضحايا الحرب الأهلية؟ تخيل كيف سيبدو مشهد المدينة وقد تحولت الى برك تكتب بسطور الماء حكايات الضحايا’. التفتت إلي وهي تشير الى الفجوة في أسفل البركة التي تبتلع أسطر الماء المتدفقة من جنباتها الأربعة وقالت: ‘بل تخيل كيف سيبدو المشرق العربي كمتواليات من البرك تكتب حكايات ضحايا الوحشية الإسرائيلية في فلسطين والإستبداد الصدامي وبعده الغزو الأمريكي للعراق، والإستبداد الأسدي في سوريا’، إلتقطت هاتفها الذكي وبدأت تلتقط الصور من دون انتظار جوابي.
ذهبنا الى موقع برجي التجارة العالمي من أجل هاتين البركتين اللتين صممتا من أجل تخليد تلك اللحظة المروعة في حياة نيويورك، فأخذنا الماء الى سره. جاءت سطور الماء التي رسمت بدقة متناهية، لا من أجل أن تمحو الذكريات بل من أجل أن تغسلها، وتعيدها الى ما قبل تلوثها بالدم وانسحاقها بالألم.
لكن سؤالَي ع. أثارا فيّ المواجع، أحسست بأن ذاكرتي صارت ثقيلة وخانقة، فالذاكرة التي ترفض أن تخلي المكان لحاضر يتجاوزها، وتصر على ان تستعيد نفسها في هذا النزيف العربي الذي لا يتوقف، تصير كائنا هيوليا لا نستطيع ان ننساه، لكننا لا نستطيع ان نتذكره أيضا.
لم تنتظر ع. جوابي لأنها كانت تعرف أنني لا املك جوابا. قالت لي هذه المرأة اللبنانية الشابة التي وُلدت في الحرب، إنها تخشى ان لا يتسنى لجيلها التمتع بلحظة سلام واحدة، حيث نسأم كما يسأم الناس في كل مكان، ونتذكر من دون ان نشعر بأن ألم الحاضر يستطيع ان يكون اكثر هولا من آلام الماضي.
السؤال الذي لا جواب له هو لغز بلادنا. ع. لم تكن تتوقع جوابا، عرفت ذلك من عينيها اللتين لم تلتفا اليّ، بل ذهبتا بعيدا في لعبة العلاقة بين سطور الذاكرة والماء الذي يغسلها.
حين تكون أسئلتنا أجوبة معلقة في الفراغ فهذا يعني أننا فقدنا القدرة على الكلام، لأننا نعيش في دوامة الموت.
هذا ما يشير إليه ما يطلقون عليه اسم معركة الإنتخابات الرئاسية في لبنان، فهي تدور في فراغ الذاكرة. مجموعة من أمراء الحرب والقتلة يتراشقون بالكلمات كأن الكلمات تشبه الحجارة، وحفلة اتهامات تعلن أن طيف الحريات النسبية في لبنان عاجز عن إنتاج الديمقراطية، لأنه غارق في لعبة الطوائف وتابع لأطياف القوى الإقليمية.
او تخيلوا انتخابات رئاسية في سوريا يفوز فيها السفاح بشار الأسد، او تخيلوا الإنتخابات الرئاسية المصرية، التي تجري على ايقاع تفرد العسكر بالسلطة، او تخيلوا الإنتخابات في العراق المبطنة بالدم والأحقاد الطائفية.
دوامة الموت هذه لا تنتج ذاكرة بل تنتج حاضرا من الحقد لا تستطيع أنهارنا أن تطفئه. لا العاصي قادر على إطفاء رائحة الدم في حماة التي ملأت الدمار السوري الكبير، ولا النيل ودجلة والفرات يمتلكون ما يكفي من الماء.
لم أكن أنوي أن أكتب في السياسة العربية الراهنة، لأنني أعتقد أننا أضعنا في هذه اللحظة المنقلبة بالثورات العربية معنى السياسة التي أغرقها السفاحون بالدم. كنت أريد ان أطل من خلال بركتَي المكان التذكاري لضحايا الحادي عشر من أيلول على حكايات يوحنا المعمدان، وتلك الطائفة الدينية الصغيرة في العراق التي عرفت تحت اسم الصابئة، والتي تقيم كل طقوسها الدينية في المياه الجارية، وهي طائفة سحرتني طقوسها، ومعتقداتها وانغراسها في تربة الأساطير والحكايات. لكن للأسف فبعد الجنون الدموي الذي رافق الغزو الأمريكي للعراق لم يعد لها من وجود في بلاد ما بين النهرين، وكان عليها أن تتذوق مرارات المنفى في الشمال الأوروبي.
قالت ع. ونحن خارجين من الحديقة التذكارية إنها لم تتوقع مني جوابا على سؤالها. قالت إنها لم تعد تسأل بحثا عن جواب، فالأسئلة بالنسبة لها صارت تمرينا ذهنيا لا هدف له سوى الحفاظ على الحد الأدنى من قدرة العقل على العمل.
قالت إن كل الأجـــــوبة التي سمعتــــها حتى الآن كانت خاطـــئة، ‘كيف استطعتم ان تعيشوا كل حيواتكم في الأجوبة الخطأ’؟
أجبتها أن تعميمها ليس دقيقا، وأن هناك فرقا بين خطأ الإنسان وتعقيدات التاريخ، وحاولت أن أشرح لها أن ما تعيشه العرب اليوم يشبه ما عاشه أجدادنا خلال الغزوتين الإفرنجية والمغولية، حيث ساد التفكك وعمت الفوضى وسالت الدماء. وأن هذا ما يمكن أن نطلق عليه اسم عماء التاريخ، وهو عماء لا علاج له سوى الصبر.
قلت كلمة الصبر ونظرت الى عينيها، لا بد أن جوابي أفحمها، لكن ابتسامة سخرية ارتسمت على شفتيها وهي تقول: ‘أرأيت كيف رسبت في الإمتحان، أنا لم أسألك بحثا عن جواب تتغرغر بكلماته، سألتك سؤالا لا جواب له، فاذا بك تنزلق الى الأجوية’.
‘ماذا تقترحين’؟ سألتها.
‘أقترح أن نفترق الآن، سوف أذهب للقاء بعض الأصدقاء، كان مشهد البركتين ممتعا وهذا يكفي’.
الظاهر انك فاضي يااستاذ الياس
نحن العرب والمسلمين تعودنا على المآسي
سوف اعتبرها منك مسحه رومانسيه
آه يااستاذ الياس فتحت جروح لم تندمل ولن تندمل
لكني سأعتبرها روايه وأجزم ان لك باعا طويلا
ياريت ان تترجم ماكتبت فواالله اسلوبك شيق
ومن يدري لعل جائزة نوبل تناسب ماطرحته
اتمنى لك التوفيق وحاول ان تكون متفائلا ولو بقلبك
طبعا لاشك ان تعقيدات التاريخ مساْلة صحيحة لكن هل مايحصل في سوريا هو كذلك بمعنى اخر لماذا لانستطيع ان نخرج من هذة الديناميكية التي يرسحها لنا التاريخ لقد كان بشار الاسد يملك كل المقومات للخروج من هذة الديناميكية واتخاذ طريق ايجابي يضمن له ولسوريا اروع صفحات التاريخ لكنة اختار العكس تماما قد يقول القائل ان هذا هو الماْزق فهو لم يكن يملك كل هذة الامكانات اللازمة لذلك براءيي هذا هو الاسلوب ذاته الذي نستطيع به ان نبرئ اي مجرم ارتكب اجراما ايا كان باننا جميعا نقع تحت شروط نفسية او ذهنية او خارجة عن نطلق ارادتنا بالمعنى العادي وهذا مايؤدي الى ارتكاب الجريمة في لحظة ما بفعل خارج عن ارادتنا بالمعنى الفلسفي اي ارادتنا اصلا ليس ارادة حرة وانما مقيدة بكل مايحيط بها ومايؤثر بها تربيويا وماعاياشه الانسان في حياتة ( التاريخ) في النهاية انا لااجد اي عذر لنا ولا لبشار الاسد ولا لكل هؤلاء الذين يشاركون او يصمتون على ماْساة الشعب السوري انها ارادة انسانية نستطيع ان نغير بها مجرى التاريخ وكمن قلما يوجد شجاعة عند الانسان لكسر القيود التي كبلته وهنا الفرق بين الرجال او النساء العظام الذين خلدهم التاريخ وبين الذين اختاروا ان يبقوا في الطريق (الخطأْ) الذي انتجته اشكاليات تاريخية او تعقيدات اجتماعية او سياسية وعلى جميع الاحوال هذه مجرد مشاركة مني وليس جوابا علنا نستطيع معا ان نجد جوابا لماْساة من الحجم الذي سيبقى خارج التصور العقلي العادي للانسان
انا احترمك يا استاذ الياس ولكنك دائما ما تهاجم الرئيس الراحل صدام رحمه الله فعلى كل اخطائه و خطاياه يظل اشرف و اشجع و انبل رئيس و انظر ما حصل للعراق من بعده وما حصل بخطيته لكل الرؤساء العرب الذين تركوه وحيدا يلقى ربه بشجاعه
احترام القادة يجب ان يكون بمستوى انسانيتهم وديمقراطيتهم ونبل اخلاقهم. وهذه لا تنطبق على صدام ولا على من شاكله.