ليس معنى هذا المقال أني معترض على أيّ كاتب فاز بجائزة نوبل، حتى لو كان هناك من هم أفضل منه في العالم. آخر الفائزين الفرنسية آني إرنو وقد عرفتها وعرفت كتابتها مبكرا وأحببتها للغاية. السؤال الذي يفرض نفسه على الحياة الثقافية العربية كل عام هو، لماذا تغيب هذه الجائزة عن العالم العربي.. لقد أتت مرة واحدة عام 1988 لنجيب محفوظ.
مضى أربع وثلاثون سنة ولم تعد.. أعرف أن الجائزة في الأصل موجهة للأدب الأوروبي، ومن ثم الأمريكي فهو مكتوب بلغات أوروبية، لكنها مع الزمن شملت كتّابا من آسيا وافريقيا، صحيح أن أعدادهم قليلة جدا قياسا بأعداد كتّاب أوروبا وأمريكا، لكن هذا يحدث. حين فاز بها نجيب محفوظ ملأت الفضاء التفسيرات أن ذلك تم لموافقته على التطبيع بين مصر وإسرائيل، لم أكن من المقتنعين بذلك. فنجيب محفوظ كان يستحقها كمّا بغزارة إنتاجه، وكيفا بتجديده في شكل وبناء الرواية، وموضوعا بحفاوته بالأفكار الكبرى للوجود والحياة. غيابها هذا الزمن الطويل للأسف، يعيد الحديث عن أن السياسة كانت وراء فوز نجيب محفوظ، ولن يسكته قولنا إن آني إرنو مناصرة للقضية الفلسطينية مثلا. طيب.. إذا كان الأمر كذلك فنحن نقرأ كل عام حيثيات الفوز بالجائزة، ونجد على رأسها التجديد في شكل الكتابة، واقتحام موضوعات شائكة مثل النفي والسجن والحروب الظالمة وقهر المرأة. هنا يطل السؤال هل يخلو الأدب العربي من ذلك؟ الأدب العربي منذ الستينيات يكسر التابوهات بشكل أوسع من ذي قبل، وما حدث بعد ذلك من تسلط لنظم قمعية دمر بلادا كثيرة، ومن فشل الربيع العربي وانفتاح السجون للثوار أو الأبرياء، وهجوم الجماعات الإسلاموية على الآداب والفنون، لم يوقف الكتّاب. صاروا أكثر حصارا يتمنون أن يمر العَمل الأدبي أو الفكري بسلام، بلا محاكمة أو سجن أو نفي من البلاد لكنه يحدث. كل ما يقال عن حيثيات الفوز لكاتب ما بنوبل موجود بقوة في مصر وعالمنا العربي، فما هي الحكاية؟ يقولون إن ترجمة الأدب العربي ليست بالكثافة في اللغات الأخرى، التي تجعله حاضرا في العالم وهذا صحيح. ربما باستثناء علاء الأسواني الذي يعيش في الخارج، أو سلوى النعيمي لكتاب واحد وهي أيضا تعيش في الخارج، أو الكثير مما ترجم نشرته دور نشر بأعداد قليلة وبلغات بين الخمس والعشر لغات.
ومعظم الندوات التي تقام للأعمال المترجمة في أوروبا تترك العمل كفن وأدب، وتدخل في أحوال البلاد والإرهاب، وهذا صحيح رأيته وعشته في ندوات هناك، لكن أليس هذا ما يزكّي الأداب في العالم؟ لماذا لا يزكي الأدب العربي والمصري؟ وأعتذر عن قول المصري بعد العربي، وأعرف أنهما غير منفصلين، لكن ذلك لسؤال سيأتي في نهاية المقال. المهم إن كل محفزات منح الجائزة لأديب من العالم موجودة لدينا، حتى الكتابة بلغة أوروبية مثل من فازوا من افريقيا موجود عند البعض من بلاد المغرب العربي، ومن مصر مثل الكاتبة أهداف سويف، التي تكتب بالإنكليزية وتنشر في إنكلترا. أيضا لغتنا العربية هناك العشرات من المستشرقين يدرسونها ويكتبون عنها، وأعتقد أن من بينهم من له علاقة بالترشيح للجائزة. ويأخذني الترشيح إلى جهات الترشيح العربية التي تبدو مثل جهات سرية، فلم نعرف في أيّ عام من تم ترشيحه من أيّ جهة عربية أو مصرية، رغم أن لدينا وزارات ثقافة وجمعيات مختلفة وهيئات ثقافية متعددة. المرة الوحيدة التي عرفنا في مصر بالترشيح، هو أن مجمع اللغة العربية قام بترشيح الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وهو بالمناسبة ليس أقل من أي شاعر فاز بالجائزة من العالم، لكنها النظرة إلى الأدب العربي، التي في ما يبدو أخطأوا مرة فمنحوا الجائزة لواحد منه هو نجيب محفوظ ثم نُسي. طيب.
ومعظم الندوات التي تقام للأعمال المترجمة في أوروبا تترك العمل كفن وأدب، وتدخل في أحوال البلاد والإرهاب، وهذا صحيح رأيته وعشته في ندوات هناك، لكن أليس هذا ما يزكّي الأداب في العالم؟
هل سينتهي كلامي هنا؟ لقد أوضحت كيف أن كل ما يقال من أسباب لمنح الجائزة لا ينقص الأدب العربي. ماذا أريد أن أكتب أيضا، هي ملاحظة لا أقصد بها شيئا خاصا أبدا كما قد يتصور البعض. أعني بها ما يخص الأدب في مصر. أعرف جيدا جدا أنه في العالم العربي من يستحقون جائزة نوبل، ولا يمكن لمثلي أن ينكر ذلك، ولا أن يخفي حبه لهم. الأسماء كثيرة من عُمان إلى المغرب من الأكبر سنا والأغزر إنتاجا فهم الأقرب إلى تاريخ نوبل، تربطني بالكثيرين جدا منهم محبة كبيرة عبر الزمن، الأمر نفسه في مصر.. وقد لاحظت في العامين الأخيرين بعد أن يتم الإعلان عن الجائزة، أن التعليقات على السوشيال ميديا وفي الصحف من الكتاب العرب، تذكر أسماء تستحق ـ وهذا صحيح ـ لكن كلها من الكتّاب العرب، وليس فيهم كاتب مصري. لا لوم على أحد فهذا طبيعي فهم حولهم، والأقرب شخصيا أيضا إليهم، لكن لاحظت ان الكتاب المصريين يتأسفون على كتّاب من العالم الأجنبي لعدم فوزهم بالجائزة. لا يذكرون كاتبا مصريا، لم أهتم بهذا الأمر منذ عامين، لكني هذا العام اتساءل لماذا يغيب اسم مصري عن ذلك كله، والأهم عن المصريين، فالأسماء والاشخاص حولهم. هل يخجل المصريون من النسيان؟ أم يشعرون بأن العواجيز حجر عثرة أمامهم؟ لا أعتقد.. فالعواجيز في حالهم. بعضهم معتزل وبعضهم يعاني المرض. وحكاية العواجيز لا أقصد بها إهانة لأحد، فنوبل كما قلت تأتي متأخرة في معظم الأحوال، أي هي علامة نوبلية.
هذا الغياب للمصريين عن حديث المصريين جعلني أتساءل.. هل قصرت أسماء مثل صنع الله إبراهيم أو بهاء طاهر أو محمد جبريل أو سلوي بكر أو محمد المنسي قنديل أو محمد المخزنجي أو محمد سلماوي أو فتحي أمبابي أو جار النبي الحلو أو عبده جبير، خفف الله مرضه، أو محمود الورداني أو هالة البدري أو أشرف العشماوي أو مصطفي نصر أو سعيد سالم أو نشأت المصري أو طارق الطيب فهو مصري، أو عمار علي حسن، أو غيرهم من القصاصين والروائيين، ومن الشعراء مثل أحمد عبد المعطي حجازي أو محمد إبراهيم أبو سنة أو شعراء السبعينيات الأحياء، فلم يعودوا شبابا ولهم إنجازاتهم الرائعة، وبالمناسبة أكثر هؤلاء يكتبون المقالات والدراسات أيضا، وه و ما لوحظ في نوبل أخيرا، والمقال لن يتسع للإشارة إلى ذلك.
أما المفكرون فلن تنتهي الأسماء من كبار السن، هل قصروا لينساهم الكتاب المصريون فيمن غابت عنهم الجائزة، وكلهم أو جلهم كتبوا عن السجون والنفي والاغتراب والثورات، وما تشاء من حيثيات نوبل، كيف تغيب هذه الأسماء وغيرها التي أنعشت الأدب العربي إلى هذا الحد عن الذاكرة؟
الحديث هنا عن الأحياء فالموتى لامكان لهم في الجائزة. قد تختلفون معي في بعض الأسماء، أو تحذفون وتضيفون، أو تروني مجاملا للبعض، فلا مشكلة وهذا حقكم فلا بد من أني نسيت ايضا أسماء، المهم أن هذا يعني وجود أسماء يمكن أن تختار الجهات المرشحة واحدا منها، أو يتذكر بعضها أحد. يثيرني غياب المصريين عن أحاديث المصريين فقط والله، لا عن الجائزة. وسأختتم مقالي بكاتب مسرح قام بتجديد مذهل في الكتابة المسرحية عبر خمسين سنة هو السيد حافظ، وكتب الرواية الجميلة أيضا، ولا أحد يأتي على ذكره في أي حديث عن الجوائز، رغم عشرات الدراسات عنه في العالم العربي، لماذا ينسى المصريون أن في مصر أدباء كبار في القيمة والسن ما دامت نوبل للعواجيز، لا يقلون عن أدباء العالم، وهم لا يشكلون أي حجر عثرة أمام الأجيال الأجدد، التي هي أيضا كثير جدا منها ليس بعيدا عن حيثيات الجائزة، لكنه العمر. ولن أعيد الحديث عن التجديد والقهر والسجون والنفي والغربة، وغيرها من حيثيات نوبل، فكل ذلك في الطرقات. معذرة لم أنتبه إلى أن معنى في الطرقات عند نوبل بالنسبة لنا، أن الناس تدوس عليه وتمشي!
روائي مصري
مع احترامي لوجهة نظر الكاتب، فإني لا أتفق معه، ولنقلها بصراحة لايوجد أحد في قيمة نجيب محفوظ يعبر عن قضايا المجتمع بصدق وإخلاص مثله، حتى لو أخفق في بعض أعماله
كل الكتاب المصريين الذين ذكرهم كاتب التقرير لم يصلوا حتى إلى عشرة بالمئة مما وصل إليه نجيب محفوظ (رحمه الله) !!
شكرًا أخي إبراهيم عبد المجيد. في الحقيقة السؤال هو دومًا هل الذين لم ينالوا جائزة نوبل لايستحقونها، الجواب واضح بالطبع لا! بل أن البعض يستحقها ليس بسبب الإبداع الذي يملكه أو يظهر في عمله وإنما لمواقف إنسانية تجاه قصايا إنسانية عالمية، ومع ذلك لم بنالها. إذًا المشكلة هي في المعايير التي تعمل بها لجان نوبل، وهذا يترك كثير من الأسئلة ، في تفضيل مبدع دون أخر. هذه المعايير تعرضت وخاصًة في السنوات الأخيرة وصلت إلى مستوى متدني في الحقيقة حيث اعطيت الجائزة لمبدعين هم أبعد مايكون عن مبادئ الإنسانية التي بجب أم يتمتع بها الإبداع الإنساني. واعذرني، أنا أعرف أن كثيًرا من الإنتقادات العربية وغير العربية الموجهة لحاملي الجائزة العرب أو لحامليها عموًما، في أنها بعيدة نوعًا ما عن النقد الموضوعي أو المناسب، لكن أرى أن المعايير التي رأيناها في الماضي تترك الكثير من الأسئلة! عن تسييس وتأثير لوبيات من أطراف مختلفة على لجان نوبل. وحتى أنه ظهر إلى السطح في السنوات الماضية بعض من الفساد الموجود في داخل هذه اللجان، فهل ماخفي أعظم ….
يتبع من فضلكم …. اللهم علىّ أن أضيف أن العام الحالي كان محاولة واضحة من لجان نوبل لإعادة بعض الإعتبار للمستوى الأخلاقي لنوبل، كما لاحظت من خلال منابعتي لجائزة الفيزياء والحوار مع أحد أعضاء اللجنة النوبلية.