سابقة: قناة جزائرية تعتذر للشعب المغربي!

نعم، اعتذرت قناة «الفجر» الجزائرية، والاعتذار خصلة إنسانية رفيعة، قبل أن يكون سلوكًا يندرج ضمن أخلاقيات مهنة الإعلام، لكن هذه الخصلة صارت عملة نادرة في عالمنا الإعلاميّ اليوم، لا سيما على الصعيد العربي، فما أكثر التجاوزات التي تُرتكَب في فضاء هذه المهنة النبيلة التي يُطلَق عليها اسم «صاحبة الجلالة» و«السلطة الرابعة» تقديرًا لمكانتها السامية ولأدوارها الطلائعية.
اعتذرت القناة التلفزيونية الجزائرية للمغاربة قاطبةً، عن الموقف المُحرج الذي وضعها فيه مُخرج وممثل تلفزيوني، توسّمت فيه الخير والإبداع، لكنه خذلها وشوّه صورتها أمام الملأ، وورّطها في «فضيحة بجلاجل» كما يقول التعبير الشائع، إذ أقدم على سرقة كاملة الأوصاف خلال رمضان الكريم، غير مُراعٍ حُرمة هذا الشهر الكريم، ولا «العيش والملح» و»العشرة» التي توجد بين الشعبين الجارين المغربي والجزائري.
هو فنان مغمور، جمع بين التأليف والكتابة والإخراج مثلما يظهر في شارة السلسلة التلفزيونية موضوع هذا العمود، وأضاف إلى هذه المواهب المتعددة السرقة الأدبية التي ستظلّ لصيقة بسيرته الذاتية ما بقي الإنترنت على هذه البسيطة.
لا يهم ما اسمه، المهم أنه من فرط إعجابه الشديد بالمسلسل التلفزيوني المغربي الشهير «حديدان» لمخرجته فاطمة علي بوبكدي وبطله كمال كاظيمي، عمل على استنساخه حرفيا، بفكرته وشخصياته ولباسه وفضاءاته، وأطلق عليه اسم «بوصندوق»، ثم قدّمه لقناة «الفجر» الجزائرية، على زعم أنه من بنات أفكاره، وأنه حقق به فتحًا مبينًا في عالم الدراما التلفزيونية ذات الأساس التراثي الشعبي.
وشرعت القناة المسكينة المخدوعة في بث المسلسل المستنسخ، طامعةً في أن تحطّم به رقما قياسيا في المُشاهدة خلال رمضان الكريم، لا سيما في ظل المنافسة حامية الوطيس بين القنوات التلفزيونية، من أجل استقطاب المُشاهدين والمُعلنين قاطبة.
لكن «بوصندوق» وقع له ما وقع للنعجة «دولي» المستنسخة، إذ لم يُعمِّر طويلاً، والسبب هم الشريحة الواسعة من «القناصة» في مشارق الأرض ومغاربها الذين لا يتركون الشاذة والفاذة تمر في عالم التلفزيون ووسائط التواصل الاجتماعي إلا ويخضعونها للغربال، ما دام كل شيء صار مكشوفا في عالم اليوم المتّصف بطفرة تكنولوجية متطورة. فما إن شرعت القناة الجزائرية في تقديم الحلقات الأولى من المسلسل المذكور، حتى صاح المدوّنون والمغرّدون صيحة «أرخميدس» الشهيرة (وجدتها وجدتها): إنها سرقة موصوفة! وأعطوا الدليل والبرهان على ذلك، من خلال مقارنة العمل الأصلي «حديدان» بالنسخة المسروقة «بوصندوق».
لم يكتف «السارق» بما فعل، بل سطا أيضًا على موسيقى مسلسل «رمّانة وبرطال» للمخرجة المغربية نفسها التي أخرجت مسلسل «حديدان» فاطمة علي بوبكدي، ثم حشر تلك الموسيقى حشرا في كائنه المُستَنسخ الهجين، فاستحقّ بذلك الانضمام إلى موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، من حيث أبلد السرقات الفنية وأسرعها انفضاحًا!

عناصر السرقة

لم يكن من الصعب اكتشاف السرقة الأدبية والفنية التي أقدم عليها «الفنان» الجزائري، أولاً لأن المادة المسروقة معروفة لدى العادي والبلدي، وثانيًّا لأن «السارق» يظهر اسمه يوميا في شارة البرنامج مُخرجًا ومؤلفًا وممثلاً، وثالثًا لأن المسروق منه حيّ يُرزق، ورابعًا لأن الشهود بالمرصاد لكل مَن يعتدي على الملكية الرمزية المشتركة للمغاربة، باعتبار أن مسلسل «حديدان» لم يعد ملكًا لمؤلفه ومخرجته وأبطاله، ولا للقناة المغربية التي بثته وأعادت البث مرارًا وتكرارًا، وحققت به نجاحًا باهرًا، ولكنه ملك مشترك للجميع ممّن أعجبوا به وبوّأوه مكانة متقدمة في نسب المشاهدة التلفزيونية.
أمام هذا الوضع المخجل، لم تجد فضائية «الفجر» بُدًّا من أن تعتذر للمغاربة، وأن توقف بث مسلسل «بوصندوق» المستنسخ عن العمل التلفزيوني المغربي، مُفضّلةً أن يرتبط اسمها وشهرتها بالاعتذار النبيل، عوض أن يرتبط بذميمة السرقة الفنية الموصوفة! وهكذا كتبت حرفيا على صفحتها الافتراضية: «تم توقيف مسلسل بوصندوق عن البث، وهذا بعدما تبين قيام المخرج باقتباس السلسلة المغربية حديدان، مع سرقة موسيقى السلسلة المغربية رمانة وبرطال. قناة الفجر الجزائرية تعتذر من الشعب المغربي الشقيق».

«تدويل» الفضيحة!

انتشرت «الفضيحة» انتشار النار في الهشيم، فصارت حديث الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات الخاصة والعامة والقنوات التلفزيونية العربية والعالمية. وهكذا خصصت لها قناة «بي بي سي ـ عربي» فقرة ضمن برنامجها «ترندينغ»، مشيرة إلى أن مسلسل «بوصندوق» الجزائري أغضب المغاربة بسبب التشابه الكبير بينه وبين المسلسل المغربي «حديدان»، إذ اعتبروا أنه نسخة مسروقة من حيث الفكرة والشخصيات والملابس من المسلسل المغربي، وقدمت القناة مقطعين من المسلسلين من أجل المقارنة. وفعلت الشيء نفسه حين تحدثت عن سرقة الموسيقى التصويرية للمسلسل المغربي «رمانة وبرطال»، وأدرجت نماذج من التعليقات على مواقع التواصل، فقال أحد المدونين «ليس عيبا أن تقتبس عملا فنيا، لكن العيب أن تنسبه إليك وتسوّقه كأنه تراثك، وأنت تعلم أنه ليس كذلك… لكن الجميل في القصة هو شجاعة قناة الفجر التي تقدمت باعتذار في الموضوع». وهناك من كتب: «اتركوا الإخوة الجزائريين يقتبسون وينقلون كيفما يشاؤون، هي وسيلة للتقارب بين الشعبين. أعتقد أن شخصية حديدان موروث ثقافي ينتمي إلى المغرب والجزائر باعتبارهما بلدا وشعبا واحدا. وأحبّذ لو قامت قناة الفجر بشراء المسلسل أفضل من سرقة مضمونه».
وقالت «بي بي سي ـ عربي» إنها تواصلت مع قناة «الفجر»، فجاء رد مالكها ابن الشنفرة على النحو التالي: «لم أشاهد المسلسل قبل بثه، لكن بعدما تم تداوله على وسائل التواصل، لاحظتُ أن الأمر صحيح، وتبين أن المخرج تحايل عليّ وعلى القناة، وهو تصرّف يتعارض مع ثقافتنا، وهذا ما تتبرأ منه قناة الفجر، لذا أوقفنا عرض المسلسل، واعتذرنا لإخواننا المغاربة».
وضمن فقرة «منصات»، تحدثت قناة «سكاي نيوز عربية» عن الاعتذار الرسمي الذي قدمته القناة الجزائرية إلى المغاربة بسبب مسلسل «بوصندوق»، وذلك بعد الانتقادات اللاذعة والساخرة التي وُجّهت له واتهام مخرجه بسرقة الفكرة من مسلسل «حديدان» المغربي ونسخ كل تفاصيله وكذلك موسيقى «رمانة وبرطال»… وأدرجت «سكاي نيوز» نماذج من تدوينات المغاربة حول القضية.

الدرس البليغ

كان مطلوبا من صاحب «بوصندوق» أن يشحذ خياله قليلا، ويبذل جهدا إبداعيا، عوض الاكتفاء باستنساخ «حديدان» قلبا وقالبا. ولو فعل ذلك واستعان بكاتب سيناريو جيد، لأمكنه أن يقدم للمشاهدين الجزائريين مسلسلا مميزا ذا بصمة مغايرة، خاصة وأن الشخصية التي يعرضها مسلسل «حديدان» المغربي موجودة في كل الثقافات ولدى كل الشعوب، إنها شخصية طريفة تشبه «جحا» في التراث العربي، بما يفيد الجمع بين الفطنة والسذاجة في الوقت نفسه.
على أي حال، الخطأ وقع، والقناة اعتذرت عنه، فضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد: أكدت تقديرها للشعب المغربي الذي وصفته بـ»الشقيق»، ولقّنت «الفنان السارق» درسًا بليغًا في الحد بين الإبداع والاتّباع، وأعطت المثال لما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإعلامي، خاصة وأن بعض القنوات الجزائرية ما فتئت تجاهر بالعداء للمغرب والمغاربة، وتفتري عليهم من خلال «فبركة» فيديوهات، تحاول أن تظهر انتصارات وهمية لمليشيات «البوليساريو» على الجيش المغربي، والحال أن صور تلك التقارير التلفزيونية مجرد «مونتاج» رديء لمشاهد من مواقع أحداث سابقة لا علاقة لها بالصحراء المغربية!

كاتب من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حميدو:

    جميل أن يستفيد الجزائريون والمغاربة من بعضهم البعض، فهم شعب واحد وتراث واحد وثقافة واحدة، والحدود جاء بها الاستعمار الفرنسي

  2. يقول Said tabbani:

    كان بالأحرى ان تشتري القناة الجزائرية السلسلة المغربية احديدان وبذلك ستشجع ماديا ومعنويا المخرجة والمبدعين على العطاء اكثر وتحدث تقارب بين البلدين في المجال الفني

  3. يقول علي:

    تحية و تقدير لصاحب قناة الفجر الجزائرية

  4. يقول كمال الطويل:

    العيب في السارق و ليس القناة التي قامت بسلوك نبيل و هو الإعتذار. تحية للقناة و تتمنى للسارق ان يجتهد عوض السرقة الموصوفة

  5. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

    و انا في الجزائر .. لاحظت فعلا ان عديدا من الاعمال الفنية من المغرب (لا غبار عليها) مشهورة جدا .. و قد دخلت المخيال
    الثقافي المحلي .. و ينظر لها على انها اعمالا جزائرية عملاقة .. سيما ان من ادى هذه الاعمال هم من عالقة الفن الجزائري ..
    و الدي بالمناسبة اجد فيه جمالية رائعة .. و لا يحتاج ان ينسب اليه اعمال من دول اخرى .. هذا عموما .. عند العامة اقصد ..
    .
    لكن .. بكل موضوعية العارف و لو الشيئ اليسير بالفن في الجزائر يعرف ان هذه الاعمال مغربية صرف .. و لا يجد اي حرج في ذلك ..
    و انا اجد هذا التصرف نابع من الثقة بالنفس ..
    .
    ساعطي بعض عناوين اعمال خالدة مغربية يظن اغلب الجزائريون انها جزائرية بلا منازع .. و لا الومهم ههنا .. بل الوم من حدثهم
    بهذا. حذار .. قد تسقطون من مقاعدكم من الدهشة ..
    .
    اليكم قصيدة “الكاوي” هذه القصيدة اعشقها بصوة سناء مَرَحَتِي .. الح على الاخوة ان يسمعوها .. روعة في روعة ..
    كذلك قصيدة الحراز .. العملين من فن الملحون .. و هو في الاساس الكلمة قبل الموسيقى .. بمعنى .. المسيقى لها دور مواكب فقط ..
    و جمالية العمل في القصيدة ..
    .
    و هناك اعمال عديدة من الشعبي المغربي .. للاسف لا استحضر عناونينها الآن. و حتى من العلاوي .. و هنا يصعب فعلا تحديد المصدر
    بالتقارب الشديد ..

    1. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

      تتمة رجاءا .. قول جميل في حق الثقافة الجزائرية ..
      .
      لذيكم اعمالا رائعة فعلا .. و متنوعة .. و كما قلت انتم لا تحتاجون الى مثل هذا المخرج و عمل المشين ..
      .
      ابوح لكم انه من بين الاعمال الفنية من فنون العالم و انا شخص احب الجمالية في فنون العالم باسره ..
      اقول انه بين كل هذه الاعمال هناك اغنية .. ما شاء الله .. كلمة رائعة في حقها لا تفي بالغرض .. و هي اغنية جزائرية ..
      انها اغنية “وهران وهران رحتي خسارة” و ما اروعها بصوة اسماء المنور امام جمهور تونسي .. المغرب الكبير مجسدا ..
      لمن يريد سماعها يمكنه البحث عن: وهران – بصوت اسماء المنور.

    2. يقول صالح/ الجزائر:

      من أولى حالات السرقة الفنية، قضية ن. الزغبي، التي غنت في 2001، ضمن ألبوم “الليالي”، أغنية “بين البارح واليوم” ونسبتها إلى المغرب. ونفس القصة، حدثت للمغني ح. الجسمي، الذي صدح بأغنية “هاك دلالي”، من تراث وادي سوف، ونسبته روتانا آنذاك إلى المغرب أيضا. وبعدها، جاءت لطيفة العرفاوي، ونسبت إلى نفسها أغنية دحمان الحراشي “خليوني”، وطرحتها فيديو كليب… ولم يعتذر هؤلاء إلا بعد ضغط الجمهور الجزائري، الغيور على تراثه . ومن الأغاني الجزائرية، التي لا ينساها الجزائريون رائعة “الڤوماري”، بصوت المطربة “عائشة لبقع”، ولصاحبها شريف الوزاني، الذي سجل حقوقها سنة 1992 هي أيضا تعرضت للسرقة من طرف فرقة “فناير” المغربية، وبتغيير الاسم إلى “نقول مالي’’ . آخر عملية سطو على التراث الجزائري، كانت بطلتها خريجة ‘‘أراب آيدول’’ ، شيرين اللجمي، التي أطلقت على شكل فيديو كليب أغنية “علاش نلوم”، غير أنها في مقدمة الكليب كتبت عن الأغنية أنها تراث، دون الإشارة إلى أن الأغنية تراث سطايفي محض .

    3. يقول صالح/ الجزائر:

      جاء على قناة خليجية صديقة للعرش العلوي ، بتاريخ 30 يوليو 2016 ، أن الفنان المغربي سعد المجرد قدم “ما يبدو أنه اعتذار عن نسبه أغنية “الشمعة” الجزائرية إلى المغرب، وذلك بعد أن ثارت ضجة بشأنها في مواقع التواصل الاجتماعي ، وأوضح ، عبر حسابه على موقع “تويتر” أن “أغنية ‘‘الشمعة’’ للفنان الجزائري الراحل كمال المسعودي، من الخالدات وأغنيها
      في كل حفلاتي لأنني أعشقها تحية لمغربنا العربي” ، “وكان المجرد صرح خلال مشاركته في مهرجان جرش في الأردن وسهرات بيروت أن أغنية الشمعة مغربية ممزوجة بموسيقى إسبانية” ، “وأثارت تصريحات الفنان المغربي غضب المغردين الجزائريين الذين وصفوه بـ” السارق”، مشيرين إلى أنه تأخر في التوضيح والتفسير واحترام حقوق غيره..” ، “وفي المقابل، اعتبر عدد من رواد مواقع التواصل المغاربة أن المجرد يروج لأغان جزائرية لا يعرفها أحد، وهو أمر يستحق الشكر عليه” !!؟؟ .

  6. يقول الباهي بوزكري:

    علمونا في الصغر ان الاتحاد قوة!!!
    وان في التشردم ضعف وهوان ومضيعة للفرص التي تعود بالخير على الجميع.
    فكم يا ترى من فرصة ضاعت بعدم تحلينا باخلاق التسامح والاعتذار والعفو عند المقدرة!!!! وقفة تستوجب التامل!!!!

  7. يقول hamid france:

    والله حینما تكون الضغینۃ وأجواے المواجهۃ بین شعبین شقیقین بسبب السیاسۃ هنا یكون ذور الفن لتلطیف الأجواے ونزع فتیل الفتنۃ لأن الفن قوۃ ناعمۃ هاٸلۃ تألف بین القلوب ! حبدا لو رأینا عملا فنیا مغربیا جزاٸریا مشتركا أكید سوف یكون راٸعا

  8. يقول سليم:

    الفن إبداع وابتكار وليس نقل وتقليد. المهم هذه كبوة فرس يتعلم منها الفنان

  9. يقول عماد:

    أفضل طريقة للإعتذار هو أن تشتري القناة المسلسل المغربي حديدان وسوف تلم المغاربة والجزائريين على شاشتها

  10. يقول قلم الرصاص:

    و الله لمحزن ما يحدث بين الاشقاء الجيران المغاربة و الجزائريون اين هو المشكل

    مع العلم ان الاعمال الاصيلة في البلدين معا انعدمت و لم يعد يتسيد الا التفاهة

    رحم الله الكبار محمد الحياني دحمان الحراشي اسماعيل احمد الهاشمي الكروابي

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية