القدس: وقف جنرال إسرائيلي أمام دبابة على أطراف قطاع غزة، وقطع كلمته عن الحرب ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” ليوجّه توبيخاً عبر التلفزيون للزعماء السياسيين في إسرائيل.
وحثّ البريغادير جنرال دان جولدفوس السياسيين “من كل الأطياف” على نبذ التطرف وعلى الاتحاد وتجنّب العودة إلى الوضع الذي سبق الصراع، في أكتوبر تشرين الأول، حين أدى الشقاق السياسي وأشهر من الاحتجاجات إلى استقطاب شديد في إسرائيل.
وقال جولدفوس، في إفادة صحفية يوم 13 مارس آذار، بثّتها القنوات التلفزيونية الرئيسية في إسرائيل “يتعين أن تكونوا جديرين بنا، أن تكونوا جديرين بهؤلاء المقاتلين الذين فقدوا حياتهم”.
يعد اليهود المتدينون التفرغ للدراسات الدينية عملاً مقدساً، ويبقى عددٌ كبير منهم أيضاً خارج القوى العاملة التي تدفع الضرائب، كما يعتمدون في الغالب على إعانات الدولة
وقال الجيش الإسرائيلي إن رئيس الأركان اللفتنانت جنرال هرتسي هاليفي وبّخ جولدفوس بعد ذلك بيومين. لكن كلماته مسّت وتراً حسّاساً عند بعض الإسرائيليين الذين عادوا من الجبهة.
وقال باراك ريشر (42 عاماً) الذي أنهى خدمة الاحتياط لمدة خمسة أشهر: “لقد تحدّثَ نيابةً عن كثيرين يشعرون أنهم يضحون بحياتهم ووقتهم بينما ينشغل السياسيون بتفاهات السياسة”.
وأجرت رويترز مقابلات مع 13 جندياً وفرداً من قوات الاحتياط في قواعد الجيش والبرلمان والمنازل والاحتجاجات. وتحدّثَ الجميع عن الروح المعنوية العالية بين رفاقهم في ساحة المعركة، لكن معظمهم وصفوا أيضاً إحباطهم من القيادة السياسية في إسرائيل.
وعبّر كثيرون، من كلا جانبي الطيف السياسي، عن غضبهم من فشل الحكومة في معالجة القضايا الرئيسية؛ مثل إصلاح التجنيد العسكري والصعوبات الاقتصادية التي تواجه جنود الاحتياط العائدين.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي، الذي لا يعلق على الأمور المتعلقة بسياسة الحكومة على أسئلة رويترز. ولم يرد كذلك مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على طلب للتعليق.
وبعد الهجوم الذي شنّته “حماس” في السابع من أكتوبر تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، واحتجاز أكثر من 250 رهينة، التفّ الإسرائيليون حول بعضهم البعض في حزن. وشكّل نتنياهو حكومة طوارئ وطنية ضم فيها حزباً من الوسط بقيادة وزير الدفاع السابق بيني غانتس، وهو من منافسي نتنياهو على الزعامة.
وتمثل هذه الخطوة نهاية فترة من الاضطرابات السياسية التي شهدت احتجاجات حاشدة، العام الماضي، على خطط الحكومة اليمينية المتشددة لتعديلات قضائية لا تحظى بشعبية.
لكن الانقسامات عادت للظهور، وتبادل الوزراء انتقادات حادة عن الفشل الأمني في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وتنازعوا على الموارد المالية، والصراع على مقاعد بحكومة الحرب.
ويتركز التوتر حول الموعد النهائي الذي حددته المحكمة العليا لحكومة نتنياهو الائتلافية في 31 مارس آذار لصياغة قانون جديد للتجنيد، وهو ما قد يشكل تهديداً لبقائها.
وتعتمد إدارة نتنياهو في دعمها على الأحزاب الدينية المتطرفة التي تعهدت بحماية إعفاءات واسعة النطاق للمتدينين من الخدمة العسكرية.
لكن غانتس هَدّدَ بالانسحاب من الحكومة إذا لم يُلبَّ مطلبه بقانون أكثر إنصافاً، وانحاز وزير الدفاع يوآف غالانت إلى غانتس قائلاً إنه لن يدعم مشروع قانون لم يقبله جميع أعضاء مجلس الوزراء.
وتثير الإعفاءات التي يحصل عليها المتدينون استياء الكثير من الإسرائيليين الذين يُلزمون بالتجنيد لعامين أو ثلاثة أعوام بعد سنة الثامنة عشرة.
ويعد اليهود المتدينون التفرغ للدراسات الدينية عملاً مقدساً، ويبقى عددٌ كبير منهم أيضاً خارج القوى العاملة التي تدفع الضرائب، كما يعتمدون في الغالب على إعانات الدولة. وفي المقابل، يبقى الإسرائيليون الذين خدموا في الجيش على قوة الاحتياط حتى سن الأربعين تقريباً أو يزيد.
ولعب جنود الاحتياط دوراً بارزاً في احتجاجات العام الماضي ضد التعديلات القضائية، التي قالوا إنها تعصف بسلطات المحكمة العليا. وهدد بعضهم بعدم الاستجابة للاستدعاء في الخدمة العسكرية.
كانت أبرز جماعة لجنود الاحتياط في احتجاجات 2023، واسمها “أخوة السلاح”، قد قالت، في وقت سابق هذا الشهر، إنها ستعود إلى الشارع للاحتجاج ضد الحكومة مع التركيز مجدداً على قانون التجنيد.
وقال عمري رونين، أحد أعضاء الجماعة، يوم السبت: “الطريقة الوحيدة لإنجاز الأمور هنا هي من خلال الاحتجاج… قد تكون هذه فرصتنا الأخيرة، ويتعيّن علينا ألا نضيعها”.
لطالما كان التجنيد في الجيش بوتقة صهر للإسرائيليين. واستهدف ميثاق الشرف الخاص به إبقاء الجيش فوق السياسة.
لكن جنود الاحتياط لعبوا دوراً في التأثير على التغيير السياسي عقب الصراعات، فقد عجّلت الاحتجاجات بسقوط القادة الإسرائيليين في أعقاب حرب أكتوبر تشرين الأول عام 1973، وحربي لبنان في الثمانينيات وفي عام 2006.
وأظهر مسحٌ شَملَ 1200 شخص للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، نشرت نتائجه في 14 مارس آذار، أن ثقة الأغلبية اليهودية بالجيش الإسرائيلي أعلى بنحو أربعة أمثال مثيلتها في القيادة السياسية، التي انخفضت بنحو خمسة بالمئة بين يونيو حزيران وديسمبر كانون الأول 2023. وارتفعت الثقة في الجيش بنحو واحد بالمئة في تلك الفترة.
وقال يونان بليسنر، رئيس المعهد: “أقل من ربع الجمهور يثق في مسؤوليهم المنتخبين”. وأشار إلى أن التضامن داخل المجتمع الإسرائيلي الأوسع قد انتعش بعد الحرب من المستويات المنخفضة التي شوهدت خلال الاحتجاجات الحاشدة في منتصف عام 2023.
واستدعت إسرائيل، منذ شنت هجومها البري على غزة، نحو 300 ألف جندي احتياط، وذلك في أكبر تعبئة منذ عقود. وبدأت إسرائيل في تسريحهم بعد نحو أربعة أشهر.
ويخرج بعضهم الآن إلى الشوارع للاحتجاج. والحشود أقل بكثير من احتجاجات العام الماضي الحاشدة، لكن تشهد إسرائيل احتجاجات كل يوم تقريباً.
وكان من المقرر أن يبدأ ريف أربيل (25 عاماً) دراسته في أكتوبر تشرين الأول، لكنه وجد نفسه يقاتل في غزة لمدة 120 يوماً. وقال إنه خلال هذه الفترة أصيب طاقمه بصاروخ مضاد للدبابات.
وشأنه شأن كثيرين من جنود الاحتياط الذين تحدثوا إلى رويترز، قال أربيل إنه شعر بأن الحكومة تخلت عنه بعد عودته إلى الحياة المدنية.
عبّر كثيرون عن غضبهم من فشل الحكومة في معالجة القضايا الرئيسية؛ مثل إصلاح التجنيد العسكري والصعوبات الاقتصادية التي تواجه جنود الاحتياط العائدين
ومضى يقول: “عدت من خدمتي في قوات الاحتياط وأحتاج إلى شراء البقالة والأسعار مرتفعة، والإيجار على وشك الارتفاع، والسياسيون لا يظهرون أي اهتمام بحياتي. لا يشغلهم إلا بقاؤهم السياسي”.
وشارك أربيل مع المئات في احتجاج يوم 26 فبراير شباط أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، حين انعقدت المحكمة لسماع الطعون في الإعفاءات الممنوحة لليهود المتدينين من التجنيد العسكري.
وأصبحت القضية أشد حساسية بعد أن أدت حرب غزة إلى سقوط أكبر عدد من القتلى العسكريين منذ عقود. وجاء في بيانات الجيش أن نحو 600 جندي إسرائيلي لاقوا حتفهم منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول، أي نحو خمسة أمثال قتلى حرب لبنان عام 2006.
وقال أربيل إنه إذا استُدعي مرة أخرى، فسيلبي النداء. ومضى يقول: “ما يجعلنا نستمر هو معرفة أننا نحمي إسرائيل، ونقترب من الرهائن”.
وتقول السلطات الصحية في غزة إن أكثر من 32 ألف شخص قتلوا هناك بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية.
تزيد الأضرار الاقتصادية التي لحقت بجنود الاحتياط، الذين ظلوا لأشهر بعيدين عن وظائفهم وأعمالهم، من حالة الاستياء الناجمة عن قضية التجنيد.
ومنذ بدء الحرب، خصصت الدولة حزمة دعم بقيمة تسعة مليارات شيقل (2.48 مليار دولار) لجنود الاحتياط، تضمنت زيادة المنح للآباء والتعويضات والقروض لأصحاب الأعمال.
وكشفت اللجنة الاقتصادية بالكنيست عن أن نحو 10 آلاف من أصحاب الأعمال الصغيرة الذين استدعاهم الجيش تقدموا بالتماسات للحصول على تعويضات منذ يناير كانون الثاني. ووافقت السلطات على نحو النصف حتى الآن، وتم دفع أكثر من 62 مليون شيقل بالفعل.
وقال اتحاد العمال الرئيسي في إسرائيل (الهستدروت) للجنة العمل والرعاية الاجتماعية في الكنيست إنه تلقى آلاف الطعون من جنود احتياط انتهكت حقوقهم. وليس لدى السلطات أرقام دقيقة عن عدد جنود الاحتياط الذين فقدوا وظائفهم أو مصادر أرزاقهم.
وقال روي محفوظ، الذي يدافع “منتدى القتال” الذي ينتمي إليه، عن جنود الاحتياط إن جماعته تلقت أيضاً آلافاً من طلبات المساعدة. وقال: “الناس متضررون”.
وأمضت شاني كوهين (35 عاماً)، التي استدعيت في السابع من أكتوبر تشرين الأول، أول شهرين من الخدمة الاحتياطية على حدود غزة. وقالت إنها فصلت من وظيفتها في يناير كانون الثاني.
وأضافت: “لست سياسية لكني أشعر أن الناس بدأوا ينسون أننا في حالة حرب… يجب أن نركز على ما يوحدنا، وليس على ما يفرقنا”.
(رويترز)