لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
تساءل تيلور لاك في تقرير لصحيفة “كريستينان ساينس مونتيور” الأمريكية عن الدواعي وراء ما سماه “صيف الغضب” في السعودية حيث قال إن مراقبي الشأن السعودي شعروا بالحيرة من الأخبار التي تواردت من المملكة هذا الصيف عن اعتقال الناشطات وإسكات رجال الدين والأزمة الدبلوماسية مع كندا. ووجه الدهشة هي أن موقع ولي العهد محمد بن سلمان آمن ولم تؤثر عليه الحرب الفاشلة في اليمن وبدون منافسين من العائلة يمثلون تهديداً عليه. وهو يسيطر على كل مفاصل الدولة من الإقتصاد والأمن والجيش والدفاع وملف الخارجية بشكل يجعل من الحكم عرضا يديره شخص واحد. ومن اللحظة التي عينه فيها والده الملك سلمان وليا للعهد العام الماضي منهيا بذلك التقليد داخل العائلة المالكة في تداول السلطة والصراع عليها أعلن الأمير الشاب أنه سيقود المملكة إلى مرحلة جديدة. وبالإضافة لإبعاد السلطة السعودية عن التيار الوهابي المتشدد المرتبط بالتطرف والإرهاب أعلن عن أجندة قدمها على أنها “مستقبل الجيل الشاب” حيث سمح لدور السينما وفتح الباب أمام المرأة للخدمة في الجيش وأنهى منعاً قديماً عن قيادة المرأة للسيارة. وفي الربيع قام بن سلمان بجولة في طول وعرض امريكا حيث سوّق لنفسه كإصلاحي وحداثي وليبرالي. ولم تغب عن النقاد التناقضات بين سيطرته على السلطة وميوله الإصلاحية المفترضة. وأدت سلسلة من السياسات المتقلبة التي اتسمت برد الفعل المفرط بالمحللين والدبلوماسيين التساؤل إن كانت تعبيراً عن أمير بسلطة هشة أم انها مجرد مناورات منه للتغلب على منافسيه وهو يواجه تحديات محلية وإقليمية والسياسة الدولية أو أنها تعبير عن رجل حساس ورجل قوي ليس مقيداً.
اعتقالات وقمع
ففي أيلول (سبتمبر) 2017 قامت السلطات السعودية باعتقال عدد من الدعاة بمن فيهم المفكر الإسلامي سلمان العودة الذي له ملايين الأتباع على وسائل التواصل الإجتماعي. وواصلت السلطات هذا الشهرعملية القمع حيث سجنت ناصر العمر الذي يعد من رموز التيار السلفي. والسبب الذي تقدمه السلطات للدبلوماسيين الغربيين لاعتقال العلماء وهو أنهم يعارضون الإصلاح الإجتماعي الذي يدفع به ولي العهد، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة وفتح دور السينما والترفيه المختلط. إلا أن المراقبين يرون أن هناك دوافع اخرى وراء الإعتقالات خاصة أن العودة وسفر الحوالي من شيوخ الصحوة المتأثرين بأفكار الإخوان المسلمين. وعارضت هذه الحركة التدخل الأمريكي بالمنطقة لكنها تنبذ في الوقت نفسه الإرهاب الموجه ضد المدنيين.
وتعد حركة الصحوة من الناحية الاجتماعية متضادة مع المدرسة الوهابية وولائها للعائلة المالكة وتدعو للديمقراطية ونظمت في التسعينات من القرن الماضي احتجاجات. وفي عام 2011 مع اندلاع الربيع العربي استخدم العودة وسائل التواصل الاجتماعي ودعا الملايين من أتباعه للمطالبة بدستور وبرلمان منتخب وتشكيل الإتحادات والجمعيات. وبسجنه العلماء فقد أزاح ولي العهد الأصوات القليلة المتبقية التي يمكن أن تتحدى سيطرته الديكتاتورية على المجتمع السعودي.
ويقول ستيفان لاكرو، استاذ العلوم السياسية بجامعة بو في باريس إن “علماء الدين هم الوحيدون القادرون على تحدي النظام”. مضيفا “فلو كان هناك تحدي للنظام فإنه يأتي من هنا وهذه الإمكانية هي التي تخيف محمد بن سلمان”. ويشير إلى أمر آخر محير هذا الصيف هو اعتقال الناشطات في نفس الوقت الذي أعلن فيه النظام عن زيادة دور المرأة في سوق العمل والجيش والحياة العامة. ففي أيار (مايو) اعتقلت السلطات 11 ناشطة ومنع بعضهن من السفر وتحفظ على البقية دون محاكمة. ورافقت الاعتقالات حملة تشويه وتخوين في الإعلام للناشطات. والمفارقة أن الاعتقالات جاءت قبل شهر من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة وبعد أيام من انتهاء جولة بن سلمان في الولايات المتحدة. واستأنف النظام السعودي حملة القمع واعتقال سمر بدوي التي حصلت على جائزة المرأة الشجاعة عام 2012 من الولايات المتحدة. ويعلق غريغوري غوس استاذ العلاقات الدولية في جامعة تكساس إي أند أم أن الاعتقالات “ألغت، بشكل أساسي الكثير من التغطية الإيجابية التي حصل عليها بن سلمان أثناء رحلته الأمريكية والتي كانت موجهة للجمهور المحلي والإقليمي”.
من قطر إلى كندا!
وبحسب دبلوماسيين عرب وغربيين فالخلاف مع قطر يوجه الكثير من سياسة السعودية الداخلية والخارجية. وتقود السعودية والإمارات الحملة على قطر بل وفكرتا بتغيير النظام. وترى الرياض في ملاحقة ناشطي حقوق الإنسان رسالة أنها لن تتسامح مع المعارضة وعمليات وقائية لتحييد المعارضة في الداخل ومنع أي محاولة دعم من قطر بهدف الضغط على السعودية كي ترفع الحصار عنها. ولكن لماذا كندا؟ مشيراً للأزمة التي اندلعت بسبب تغريدة تطالب بالإفراج عن ناشطين في مجال حقوق الإنسان. ويرى الكاتب أن الإجراءات العقابية لا يمكن شرحها من خلال المؤامرات المحلية والقوة السياسية الإقليمية. ويقول غوس “ليس هناك أي مجال لتأثير تغريدة من وزارة الخارجية الكندية على السعودية محليًا او إقليميًا”. ولا يمكن تفسير الازمة إلا من خلال الشخصيات او أنها تعبير عن حالة الأمير الذي بات يحكم من خلال نزعاته. فمع أن السعودية ليست ديمقراطية إلا أن النظام فيها قائم على التوازن داخل العائلة المالكة وبين الحكام والمجتمع السعودي بشكل عام. حيث تحكم العائلة من خلال لجنة فيما يلعب الأمراء وبقية فروع العائلة والمشايخ والتكنوقراط دوراً في اتخاذ القرارات. إلا أن التوازن هذا اختفى خلال العامين الماضين حيث يتخذ بن سلمان القرارات وحده تاركاً البقية في الظلام. وفي غياب القيود غير الرسمية للحد من نزعات الحاكم السيئة فقد أصبح الحكم رهناً لنزواته. وفي عصر الحاكم القوي المفرط الحساسية فقد أصبح إعلان حروب تجارية وشن حملات تشويه للانتقام من خطأ طفيف امراً عادياً. ولا توجد في السعودية مؤسسات للحد منها. ويرى غوس “ربما كان بن سلمان شخصية حساسة ويتعامل مع كل شيء كإهانة شخصية” “هذه هي السعودية الجديدة”.