بغداد-“القدس العربي”: عاد ملف منطقة سنجار الاستراتيجية غرب الموصل، إلى واجهة المشهد العراقي عقب قيام القوات التركية باستهداف مواقع حزب العمال التركي فيها، وبعد إعلان الحكومة العراقية عن نيتها فرض سيطرتها على المنطقة التي وقعت فيها مؤخرا اشتباكات بين القوات العراقية وحزب العمال التركي، وسط صراع داخلي وإقليمي على المنطقة.
ففي انعكاس لتداخل الأدوار المحلية والإقليمية في قضية سنجار القريبة من الحدود السورية، أعلنت الاستخبارات التركية مؤخرا، عن قيامها باعتقال 4 عناصر ينتمون لحزب العمال الكردستاني في قضاء سنجار شمال العراق، ونقلتهم إلى تركيا، في عملية أمنية نوعية تحصل لأول مرة داخل الأراضي العراقية.
وأفادت المصادر الأمنية التركية، أن العناصر المقبوض عليهم تلقوا تدريبات عسكرية في صفوف تنظيم وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، المصنفين في تركيا بأنهما “من أذرع حزب العمال الكردستاني التركي في العراق وسوريا” مشيرة إلى أنهم قاموا بأنشطة إرهابية في سوريا والعراق، وضد القوات التركية.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أعلن أن قوات بلاده تواصل ملاحقة فلول إرهابيي منظمة حزب العمال “بي كا كا” شمالي العراق، كما سبق للرئيس التركي رجب اردوغان ان حذر بان بلاده لن تسمح بقيام كيان لحزب العمال المعارض في سنجار.
قضية إقليمية وخلافات داخلية
وفي تعليقه على العملية التركية في سنجار، أفاد صباح علي بابيري عضو مجلس محافظة دهوك لـ”القدس العربي” أن تركيا مصرة على إخراج قوات حزب العمال منها، وأن “قضية سنجار أصبحت قضية إقليمية إضافة إلى كونها قضية خلافات داخلية، حيث أن العديد من الدول أصبحت موجودة فيها” منوها إلى أن حزب العمال كان يريد إدخال أسلحة إلى رفاقهم في سوريا عبر العراق، والرد التركي كان متوقعا.
وكشف بابيري أن عناصر حزب العمال يدعون أنهم خرجوا من المنطقة ولكنهم في الواقع موجودون هناك بأسماء ورايات أخرى، مبينا أن الأوضاع التي ساعدت حزب العمال التركي على الاستقرار في المنطقة هي الخلافات المعقدة بين الحزبين الكرديين العراقيين (الديمقراطي والاتحاد الوطني) حيث أن الاتحاد الوطني قريب من الشيعة وإيران والديمقراطي لديه توجه آخر، إضافة إلى أن قضاء سنجار ضائع بين جهتين، فهو تابع إداريا إلى نينوى ولكن عمليا الإقليم هو الذي يقدم له الخدمات.
وذكر عضو مجلس دهوك، أن هناك إشكاليات أخرى في المنطقة هي الخلافات والنزاعات بين سكان المنطقة من العرب والكرد وانقسام ولائهم بين حكومتي بغداد وأربيل وحزب العمال، وهناك الخلاف حول عودة سكان القرى العربية في سنجار حيث يعترض بعض الإيزيديين على ذلك لأنهم يعتبرونهم مشاركين في ارتكاب الجرائم ضدهم أثناء فترة ظهور “داعش”.
وحول إعمار المدينة المدمرة، أكد أن هناك توجها دوليا لدعم المنطقة وإعادة إعمارها ولكنه متوقف بسبب عدم الاستقرار الأمني فيها وعدم توفر الأرضية المناسبة للبدء بالعمل، ولذا فان النازحين من سنجار الذين عادوا هم فقط في بعض القرى المحيطة بالمدينة، أما المدينة نفسها فهي مدمرة تماما ولا تصلح للسكن.
وعن رؤيته لحل أزمة سنجار، أكد بابيري انه ليس حلا سهلا “فعندما تكون قضية داخلية ستكون لها حلول عبر التوافق بين حكومتي العراق وأربيل، رغم أن الإقليم يريد ضمها إليه وبغداد ترفض ذلك، والتنسيق ضروري من أجل إدارة مشتركة للمناطق المتنازع عليها لحين استقرار الأوضاع وتطبيق المادة 140 من الدستور” مشددا على ضرورة عدم تدخل سوريا وإيران في المنطقة.
وأكد زهير الجبوري عضو مجلس محافظة الموصل لـ”القدس العربي” أن “قضاء سنجار التابع إداريا لمحافظة نينوى، هو تحت سلطة خارج سلطة الدولة وهو حزب العمال التركي، ولا وجود للدولة فيه”. مشيرا إلى انه يوجد فيه حاليا قائممقام من الدولة وقائممقام من حزب العمال، والأخير هو الذي يحكم، ولا أحد يستطيع الدخول إلى سنجار إلا بعلم الحزب المذكور.
وكشف أن عناصر حزب العمال موجودون ليس في سنجار فقط بل وفي مخمور ويتنقلون بحرية دون اعتراض من القوات الحكومية أو قوات البيشمركه، كاشفا ان “الحزب لا يريد إثارة مشاكل مع حكومة بغداد، لأنها هي التي تنفق عليه، وان حزبي العمال التركي والسوري يتلقيان رواتبهما من المخابرات العراقية” حسب قوله.
وأوضح الجبوري، أن الذي ساعد حزب العمال على السيطرة على المنطقة هي “الخلافات بين حكومتي بغداد والإقليم، إضافة إلى الخلافات بين الأحزاب الكردية التركية والسورية من جهة والعراقية من جهة أخرى”.
محاولات بغداد
ومؤخرا بدأت بغداد، تحركات لمحاولة إعادة الأوضاع في منطقة سنجار إلى طبيعتها، عبر إعادة فرض السلطة الاتحادية عليها ومحاولة إخراج عناصر حزب العمال التركي منها، تمهيدا لإعادة آلاف من سكان المنطقة الذين ما زالوا في مخيمات النازحين، وإعادة إعمار المدينة التي تعرضت إلى دمار كامل جراء معارك تحريرها من تنظيم “داعش” عام 2015.
فقد أعلن الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية العراقية نزار الخير الله: أن “الحكومة العراقية لديها استراتيجية واضحة في السيطرة على مدينة سنجار ومناطق أخرى، فنحن نريد أن تكون الدولة الاتحادية هي من تسيطر على المدن العراقية بالكامل، وبالتالي لا تعطي أي مبرر لتواجد أي مجموعات مسلحة تهدد أمن تركيا” مشيرا إلى “إجراء مفاوضات مع الأتراك بشأن ذلك” في إشارة إلى تواجد حزب العمال التركي المعارض في شمال العراق.
وسبق لمجلس الوزراء العراقي ان افتتح مكتب ممثلية له في قضاء سنجار مؤخرا، لتقديم الخدمات وإعادة النازحين وإعمار المدينة، إلا ان هذه الخطوة لم تفلح في إرضاء بعض السكان الذين يرتبطون بعلاقات مع حكومة الإقليم التي تطالب بضم سنجار إليها. إضافة إلى انقسام السكان بين الإدارة السابقة والحالية للقضاء، مما حدا بمستشار الأمن الوطني فالح الفياض للقيام بزيارة إلى سنجار وعقده لقاءات مع القيادات الأمنية والإدارية وشيوخ المنطقة، للاتفاق على ترشيح أسماء من الإيزيديين لتسلم منصب قائممقام القضاء على ان يكون مستقلا ومقبولا من الأكراد والعرب في المنطقة.
ومعروف ان منطقة سنجار هي إحدى المناطق المتنازع عليها، التي يغلب على سكانها الانتماء لطائفة الإيزيديين إضافة إلى العرب والكرد، وتمكن تنظيم “داعش” من انتزاعها من قوات البيشمركه في حزيران/يونيو 2014. ثم تمكنت حملة للبيشمركه وبدعم من طيران التحالف الدولي، من تحرير المنطقة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بعد هجوم شارك فيه 7500 مقاتل من البيشمركه. وقد ساهمت بعض العناصر من حزب العمال الكردي التركي في العملية واحتلت بعض المناطق في المدينة والجبل، إلا أنها لاحقا رفضت الانسحاب منها بعد التحرير.
قواعد حزب العمال الكردي التركي
وتتمركز عناصر حزب العمال الكردي التركي المعارض للنظام التركي منذ سنوات في المناطق الجبلية الممتدة على طول شمال العراق وخاصة في جبال قنديل في أربيل والسليمانية ثم انتشرت بعد 2015 في منطقة سنجار غرب الموصل وفي مناطق من كركوك بحجة المشاركة في محاربة تنظيم “داعش”. ورغم مطالبات حكومتي بغداد وأربيل والولايات المتحدة وتركيا للحزب المذكور الانسحاب من المنطقة إلا انه مصر على التمسك بها.
وتشير مصادر المعلومات إلى أن حزب العمال الكردي التركي، جعل من المناطق التي يتمركز فيها في سنجار، قواعد لعناصره ومنطقة عبور نحو الحدود السورية وممرا لعمليات تهريب واسعة لأنواع مختلفة من البضائع والسلع والسلاح والوقود، إلى المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة السورية الكردية.
ونتيجة لنشاطات حزب العمال في المنطقة، فقد وقعت عدة احتكاكات واشتباكات بين عناصر الحزب التركي وقوات البيشمركه والقوات الاتحادية، كان آخرها الاشتباكات المسلحة التي تكررت في ناحية سنونو التابعة لسنجار، بين عناصر الحزب التركي وسيطرات الجيش العراقي المكلفة حماية الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، وأسفرت عن وقوع قتلى وجرحى وخسائر مادية من الطرفين.
وقد يستغرب البعض قدرة حزب العمال التركي على تجاهل المطالبات والتهديدات المتكررة من حكومات بغداد وأربيل وتركيا والولايات المتحدة، وسر إصراره على التمسك بالمناطق التي يسيطر عليها، إلا ان زيارة “القدس العربي” إلى معاقل الحزب في جبال قنديل وسنجار ولقاءاته مع بعض قادته، أظهرت أنهم يعتبرون هذه المناطق كردية وأن لهم الحق في الدفاع عنها، كما تبين أن للحزب المذكور علاقات مع بعض الأحزاب الكردية العراقية وخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني إضافة إلى علاقات مع بغداد وطهران. ويبدو أن هذه الجهات، جعلت هذا الحزب، ورقة ضغط سياسي على الأطراف الأخرى، مما شجعه على التمسك بالأراضي التي تحت سيطرته.
وما زاد في تعقيدات الوضع في قضية سنجار، سعي بعض الدول الإقليمية للتدخل فيها للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمنطقة، حيث يحاول الحشد الشعبي السيطرة على المنطقة كما استقبلت طهران وفدا من سكانها، في موقف اعتبره المراقبون يندرج ضمن محاولة إيران لترتيب مشروع الخط البري بينها وبين سوريا عبر العراق. ومن جانب آخر دفع تواجد حزب العمال المعارض في سنجار، القوات التركية إلى شن غارات متواصلة على مواقع الحزب في المنطقة لمنع استمرار تواجده هناك.
وقد أثارت قضية منطقة سنجار وعائديتها والقوات المسيطرة عليها جدلا وخلافا واسعين، ففي الوقت الذي تعتبر سلطات إقليم كردستان هذه المنطقة جزءا من الإقليم بحجة أن غالبية سكانها من الإيزيديين الذين تعدهم من الأكراد، رغم انهم خليط من العرب والكرد، بينما يطالب حزب العمال التركي المتواجد في سنجار والذي شارك في تحريرها بجعل المنطقة إقليما خاصا بالإيزيديين بإشراف الحزب في وقت أعلنت العشائر العربية في المنطقة رفضها الانضمام إلى الإقليم وتمسكها بعروبة قضاء سنجار الذي يرتبط إداريا بمحافظة نينوى، كما دعا المجلس الموحد لعشائر المحافظات الست “السنية” الحكومة العراقية وحكومة الإقليم إلى التحرك لمنع جرائم تطهير عرقي ضد العرب يقوم بها حزب العمال التركي في منطقة سنجار، معتبرا الحزب قوة احتلال أجنبية. إضافة إلى مطالبة وزارة الخارجية الأمريكية، حزب العمال التركي، بمغادرة سنجار، معتبرةً إياه منظمة “إرهابية”.
والمؤكد ان منطقة سنجار لن تعرف الاستقرار على المدى القريب، وان آمال سكانها النازحين في المخيمات، بالعودة اليها وإعادة إعمارها، مؤجلة إلى أجل غير مسمى، وذلك بالرغم من إعلان حكومة بغداد عن سعيها لإعادة سيطرتها على المنطقة وإنهاء تواجد حزب العمال التركي فيها، حيث سيصطدم ذلك بالدور المرسوم إقليميا للحزب التركي، كما سيواجه محاولات حكومة الإقليم للسيطرة عليها، إضافة إلى الصراع الإقليمي، مما يعرقل عودة الأوضاع الطبيعية في هذا القضاء المنكوب.