يبقى الزمن عالقا في شراكه في تلك اللحظة، تبرق أسنانه خلف شفاه خبيثة، مفتوحة، يسيل منها اللعاب مشكّلا مستنقعا من الكره في ذاكرتها، القبح في كل مكان هنا، أمة تصرخ في ليلة برّيّة لا صدى فيها للصدى، سوى صرخة سبية لعار يغلق عليها رتاجات أبواب الخلاص، لا بسمة، لا لفتة بعد اليوم، ستنكّس الرؤوس إلى الأبد.
الطّرقُ على الباب يستمر، ترافقه ضحكة مجلجلة في تجويف عقلها، وتهديد بخلع الباب إن لم تخرج بسرعة، وتلقي على جسدها العاري زيوتا وبخورا ستشهد على افتضاض بكارتها بعد قليل. شاربٌ ذليل، ولحية ممدودة كظلّ لا نهاية له، لسواد سيحيا في قلبها بعد هذه الليلة، جسدٌ ما عاد يناسبه مقاسه، ستنصرف إلى تبديل جراحها بجراح أقل وجعا، وقلبها بقلب يحاول لملمة ما تبقى من آثار تاهت مع غبار السيارات السوداء، يوم وطئت دواليبها أرض القرية؛ لتصبح سبيّة، وتحجز لها الآن ركنا قصيا في هذا الحمام الذي وضعت فيه كعروس تتهيّأ لخندق مترامي الأطراف بين العراق وسوريا- في رحلة رافقها العطش والخوف في تلك الصحراء الواسعة- وتذبح حنجرتها التي أضربت عن العويل لكثرة الصراخ الذي لم يعد يسعفها الآن. دموع تبلل وجهها كحبال الماء المتساقط على جسدها من صنبور الماء المفتوح كجرح روحها النازف فوق رأسها، رجلٌ بكل مقاييس الشبق يستمتع بنحيبها الذي يحلو مع لحظة الانقضاض عليها.
يدٌ تمتد لتناولها ثوبا رقيقا، ترفضه بكلّيتها، تبعده، تعود اليد مرة أخرى بلهجة وعيد، روافد من نساء تساق كقطعان إلى حفلة الوداع الأخير للأنوثة، ما عادت الرقّة تطاق، شفاه تهوي على القبل رأسا على عقب، قتل يؤرخ الحادثة، أئمة الجهات الأربع مهاجرون إلى غير عودة، تتوسّل الأنوثة الفراغ، تتوسّل الرحيل، تثأر قلوبهم لنفسها من أزمنة مضت؛ لتقتل في روحها الشبق الذي لم يرحمها يوما، ليفرغوا عظامهم من الحدائق النقية، ومحاجرهم من كنوز الأبد، ورئاتهم من زوابع الأنثى، ويبقى الدم وحده فوق السرير شاهدا على مباركة الأمراء ليلة عرس سبية تحت شارب ذليل، ولحية طويلة، وعلى أمة تضيف اسمها إلى سجل غير المرغوبات بهنّ مدى الحياة.
٭كاتب سوري