الخرطوم ـ «القدس العربي»: كشف مصدر سوداني أن مبادرة رئيس الكونغو، والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، فيليبس تشيسيكيدي، بخصوص سد النهضة، تحوي دورا دوليا في التفاوض بين البلدان الثلاث وضمانات للاتفاق الدائم، فيما جددت الخرطوم، أمس الأحد، تأكيدها للولايات المتحدة والصين، على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم لكل الأطراف قبل الملء الثاني للسد.
وتصر أديس أبابا على ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/ تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، فيما تتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من المياه.
وقال المصدر دون كشف هويته، لـ«القدس العربي»: « لا توجد مبادرة متكاملة الأركان من الولايات المتحدة التي تقتصر مقترحاتها حول أنسب السبل لفك جمود التفاوض، لكن في الوقت نفسه لدينا مبادرة محددة المعالم من رئيس الكونغو، وهي قريبة إلى حد ما من مقترح إثيوبيا باتفاق حول الملء الثاني، وتزيد عليه بإعطاء دور دولي في المفاوضات لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتعدى دور المراقبين، كما كان في السابق، مع الاتفاق على توفير ضمانات دولية قوية تؤهل للوصول إلى اتفاق دائم وشامل في إطار قانوني، وهذا تطور ملحوظ نحن ندرسه بعناية لاتخاذ قرار بشأنه».
دراسة المبادرة
وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، التقى، أمس الأول، تشيسيكيدي، واستمع لـ«مبادرته الخاصة بمعالجة التباينات بين إثيوبيا والسودان ومصر حول ملف سد النهضة والتي قدمها بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي» وفق بيان لمكتبه.
ووعد بـ«دراسة المبادرة وتقييمها من قبل الجهات ذات الاختصاص والرد عليها في الوقت المناسب».
وتبعا للبيان، حمدوك «وضع الكونغو في الصورة الكاملة لحيثيات موقف السودان حول قضايا ملء السد ومراحل تشغيله، معربا في الوقت نفسه، عن رغبة السودان الصادقة في التوصل إلى صيغة توافقية حول الملف، من شأنها تحقيق المصالح المشتركة للبلدان الثلاثة».
تشيسيكيدي التقى كذلك رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، وعقد الطرفان «جلسة مباحثات مشتركة ركزت بصورة أساسية على موضوع الخلافات حول سد النهضة بين دولة المنبع ودولتي المصب».
رفض الخطوات الأحادية
وأوضحت مريم الصادق، وزيرة الخارجية، في تصريح صحافي، أن تشيسيكيدي «تقدم بمبادرة حول موضوع سد النهضة بصفته رئيسا للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي» مشيرة إلى أن «المبادرة قيد البحث من الجهات المختصة».
وأكدت أن «موقف السودان الثابت والواضح في موضوع سد النهضة قائم على مرجعية القانون الدولي وعلى اتفاقيات سابقة بين السودان وإثيوبيا، إضافة إلى إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين قيادات الدول الثلاث في الخرطوم».
وأضافت أن «السودان يقف مع الحق الإثيوبي في تطوير إمكانياته والاستفادة من مياه النيل الأزرق وتطوير موارده، دون إجحاف في حق الآخرين خاصة حقوق السودان ومصر».
وشددت على أن «الأطراف إذا أرادت أن تجني فوائد مشتركة من مشروع السد، فإنها لا يمكن أن تتحقق دون وجود اتفاق قانوني ملزم للجميع، خاصة فيما يلي قضية الملء ومراحله ومراحل التشغيل بصورة تفصيلية».
وقالت إن «السودان يرفض بشدة الخطوات الأحادية خاصة، التي تمت في العام الماضي وأثرت سلبا على السودان كما يرفض محاولة إثيوبيا لبدء الملء الثاني للسد والمتوقع أن يبدأ في يونيو المقبل».
مساع لكسر الجمود
في السياق، قال مصدر أوروبي لـ «القدس العربي» «نسعى لكسر الجمود بالدعوة لقمة لمجلس مفوضية الاتحاد الأفريقي تشارك فيها دول السودان ومصر وإثيوبيا، بجانب رؤساء أربع دول من الاتحاد الأفريقي تحت رئاسة الكونغو وبمشاركة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وعلى ضوء نتيجة الاجتماع، يمكن لوفود الدول الثلاث التفاوضية الفنية العودة لطاولة المحادثات التي غادروها الشهر الماضي في كينشاسا».
مصدر أوروبي لـ«القدس العربي»: نسعى لكسر جمود التفاوض بقمة افريقية
وتابع، دون كشف هويته» المشكلة أننا في سباق مع الزمن ونتفهم مخاوف إثيوبيا في هذا الجانب، وإصرار السودان ومصر على أن يكون الوقت كافيا لنصل لاتفاق نهائي وملزم، ونعرف أن السودان يخشى عدم عودة إثيوبيا للتفاوض بجدية بعد الملء الثاني، لذا سنحاول معالجة كل هذه المخاوف بجانب فصل قضية الحدود من سد النهضة بالنسبة للسودان، وفصل إعادة تقاسم المياه من الملء والتشغيل».
في الموازاة، نقلت صحيفة «الشروق» المصرية عن مصادر مطلعة تأكيدها أن «مباحثات مبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان ناقشت مقترحا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، يتضمن إبرام اتفاق أولي قصير المدى بين الدول الثلاث بشأن الملء الثاني فقط، لا سيما أن موعد الملء قد اقترب ولم يبق عليه سوى أقل من 60 يوما، وليست هناك فرصة زمنية كافية تسمح بانعقاد مفاوضات ثلاثية مجدداً تناقش كافة القضايا العالقة».
وأضافت أن «المقترح قصير المدى بشأن الملء الثاني يتضمن توافر المعلومات حول الجداول الزمنية للملء، والتدفقات المائية، وتوافر المعلومات اليومية من إثيوبيا لدولتي المصب لضمان سلامة المنشآت المائية خاصة السودان».
وأكدت أن ذلك «المقترح يستلزم توافر ضمانات من الجانب الإثيوبي لتنفيذه» مشيرة إلى أن «هذه ستكون مهمة الوسطاء الدوليين».
وتابعت: «فضلاً عن ضرورة توافر ضمانات لمواصلة التفاوض لاحقاً عقب إتمام الملء الثاني للتوصل إلى اتفاق شامل ومُلزم بشأن التشغيل طويل المدى للسد، وكيفية الملء في حالة سنوات الجفاف، والجفاف الممتد، أو الفيضان، فضلاً عن مشاكل التشغيل في حالة الطوارئ».
اتفاق ملزم
وجددت السلطات السودانية، الأحد، تأكيدها للولايات المتحدة والصين، على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم لكل الأطراف قبل الملء الثاني لسد النهضة.
جاء ذلك خلال لقاء نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو «حميدتي» مع المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، في الخرطوم، وفق بيان للمجلس، إضافة إلى اتصال هاتفي بين وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي ونظيرها الصيني وانغ يي.
وقال «حميدتي» إن موقف بلاده ثابت حيال ملف السد بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم لكل الأطراف.
أما المبعوث الأمريكي فقد أشار إلى أهمية التنسيق والتعاون مع السودان لإنجاح مهمته، حسب بيان مجلس السيادة.
وكانت وزير الخارجية، مريم الصادق المهدي، نقلت لفيلتمان خلال لقائها به أمس الأول « التوجهات الاستراتيجية للسودان في المنطقة وملف سد النهضة والتوترات الحدودية مع إثيوبيا وسبل الحد من التوتر في منطقة القرن الأفريقي» حسب بيان لمكتبها أكد أيضاً أنها «قدمت شرحاً مفصلاً عن موقف السودان من المفاوضات الثلاثية سيما الجولة الأخيرة التي عقدت شهر أبريل/ نيسان الماضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية».
وأوضحت المهدي خلال اللقاء أن «السودان يتطلع إلى الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم يربح فيه كل الأطراف قبل الشروع في الملء الثاني. كما استعرضت رؤية السودان في إشراك المجتمع الدولي تحت قيادة الاتحاد الأفريقي للمفاوضات وهذا لانعدام الإرادة السياسية لدى الجانب الإثيوبي».
تحسين آلية التفاوض
أما فيلتمان فقد أبدى «دعم الولايات المتحدة للسودان لريادة دور فعال في إرساء السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وأبدى أيضاً تفهماً عميقاً لموقف السودان، وأكد أهمية قيادة المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي بإشراك المجتمع الدولي وتحسين الآلية التفاوضية على أن ترتكز على الفعالية والنتائج».
وأمس الأحد، جددت المهدي، في اتصال هاتفي مع نظيرها الصيني وانغ يي، رفض بلادها للملء الثاني لسد النهضة دون اتفاق.
ووفق بيان للخارجية السودانية، استعرضت المهدي آخر تطورات الأوضاع في بلادها، لا سيما ملف سد «النهضة» وأهمية التوصل إلى اتفاق ملزم بشأنه.
وأكدت رفض بلادها لأي إجراء أحادي للملء الثاني للسد بدون اتفاق، مطالبة الصين بالضغط على إثيوبيا ومؤازرة مطالب السودان.
وأبدى وزير الخارجية الصيني تفهمه لموقف السودان من سد النهضة، مشيرا إلى أهمية التوصل إلى اتفاق بأسرع ما يتيسر، حسب البيان ذاته.
إثيوبيا تجدد موقفها
وكانت إثيوبيا جددت تمسكها، أمس الأول، بإنجاز عملية ملء سد النهضة في مرحلته الثانية في الموعد المقرر، وقالت إنها مستعدة للتوصل إلى اتفاق شامل مع دولتي المصب، السودان ومصر.
وبيّن المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، أن «بلاده قدمت كل المعلومات للسودان بشأن سد النهضة، إلا أن الخرطوم تحاول إثارة الإرباك عبر استمرار شكواها».
وأكد أن بلاده «ستعمل على أن يكون هناك اتفاق بين الدول الثلاث حول ملء وتشغيل سد النهضة» مشيرا إلى أن «عملية الملء الثاني جزء لا يتجزأ من بناء السد، وبالتالي فإنها ستتم كما حدث في عملية الملء الأولى العام الماضي».
وأشار إلى أن إثيوبيا «اقترحت توقيع اتفاق حول عملية الملء الثاني لبحيرة سد النهضة لدول المصب».
وتابع «ليس لدينا مانع لتوقيع اتفاق شامل، لكننا نريد في الوقت الراهن التوصل لاتفاق حول الملء الثاني لبحيرة سد النهضة».
وأردف «لا يمكننا التفاوض حول اتفاق شامل وتقاسم المياه، يجب أن يكون ذلك في موقع آخر لأننا نتشارك مياه النيل مع 12 من دول حوض النيل».
وتحدث عن «إمكانية ملء بحيرة سد النهضة خلال عامين باستغلال موسمي الأمطار في البلاد».
وأكد على «أهمية سد النهضة بالنسبة إلى دولتي المصب» معتبًا أن «مكاسب السد للجميع». وذكر بأن «ما ستقوم به إثيوبيا في الملء الثاني يقلل من مخاوف دول المصب في فترة الجفاف والجفاف المستمر بضمان الانسياب المنتظم».
وأضاف أن «بلاده ملتزمة بالقواعد واللوائح التي تحكم الأنهار العابرة للحدود، ومنها عدم إلحاق الضرر بدولتي المصب، وحثّ كل من مصر والسودان على استكمال المفاوضات عبر آلية الاتحاد الأفريقي؛ لأن في ذلك مكسبا للجميع».
وشدد على «تمسك بلاده بموقفها لإنهاء عملية التفاوض تحت مِظلة الاتحاد الأفريقي».
واعتبر أن «الوساطة الرباعية التي تطالب بها دولتا المصب موجودة أصلاكمراقب طيلة الفترة الماضية» متسائلا: «لماذا نسعى لوساطات دولية في الوقت الذي لم يفشل الاتحاد الأفريقي في تسهيل عملية التفاوض؟».