الخرطوم ـ «القدس العربي»: انتقدت الخارجية الإثيوبية أمس الثلاثاء ما وصفتها بـ»الحملة الدعائية غير المبررة والاستفزازية والعدوانية التي تشنها وزارة خارجية جمهورية السودان ضد إثيوبيا»، في وقت زار فيه الخرطوم الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، وأجرى مباحثات، مع رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، تزامناً مع مباحثات متوازية لوفد أمريكي مع قيادات سودانية.
ووصل أفورقي أمس إلى الخرطوم، على رأس وفد رفيع ضم مستشاره يماني قبراب، ووزير الخارجية عثمان صالح، في زيارة رسمية تستغرق يومين.
وحسب بيان مجلس السيادة، فإن مباحثات أفورقي والبرهان تمحورت «حول دعم وتعزيز التعاون الثنائي وتطوير العلاقات بين البلدين، بجانب القضايا ذات الاهتمام المشترك»
تحركات للوساطة
صحيفة «الراكوبة» السودانية (خاصة) قالت إن أفورقي سيبحث مع كبار المسؤولين السودانيين «وساطة» جديدة بشأن سد النهضة.
وعلى النحو ذاته، قالت صحيفة «الصيحة» السودانية (خاصة) إن الغرض من زيارة أفورقي للخرطوم هو «إجراء تحرُّكات للتوسط بين السودان وإثيوبيا حول سد النهضة».
في الأثناء، واصل وفد أمريكي مكون من عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، السيناتور كريس كونز، وأيضاً السيناتور كريس فان هولين، مباحثاته مع شخصيات حكومية، في زيارة يجري خلالها مباحثات تتعلق بالتطورات على الحدود السودانية ـ الإثيوبية وأزمة سد النهضة.
وأعلن كونز، أمس الثلاثاء، دعمهم المستمر لعملية الانتقال الديمقراطي في السودان.
جاء ذلك خلال لقاء كونز ووفد مرافق له مع وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في مكتب الأخير في الخرطوم، وفق بيان للوزارة السودانية.
وقال السيناتور كريستوفر، وفق البيان «نريد أن نكون شركاء مع السودان لدعم الانتقال والوصول إلى الديمقراطية والسلام والعدالة»، مؤكدا «دعمهم المستمر لعملية الانتقال الديمقراطي في السودان».
وبدأت في السودان في 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وائتلاف قوى «إعلان الحرية والتغيير».
كذلك أوضح وزير المالية السوداني، حسب البيان، أن «هذه اللقاءات تعزز صدق ونوايا الإدارة الأمريكية تجاه السودان، في مرحلة التحول الديمقراطي الذي تمضي نحوه الحكومة الانتقالية، ومساعيها لتحقيق السلام في كل ربوع السودان».
وتأتي زيارة وفد الكونغرس الأمريكي للبلاد، وفق البيان، تعزيزا للعلاقات والتعاون الاستراتيجي والاقتصادي بين البلدين، ومناقشة آخر التطورات في سد النهضة وأثرها في المنطقة، ومناقشة مسألة رسم حدود السودان مع إثيوبيا.
وفي السياق، أفادت وزارة الخارجية الأمريكية، الإثنين، أن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، سيزور مصر وإريتريا وإثيوبيا والسودان في الفترة من 4 إلى 13 مايو/ أيار، لبحث تسوية سلمية في المنطقة.
تقدم ملحوظ
وذكر البيان أن «زيارة المبعوث الخاص تؤكد أن الإدارة الأمريكية تعتزم مواصلة الجهود الدبلوماسية المستمرة للتغلب على الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية في القرن الأفريقي».
وعلّق مصدر حكومي لـ»القدس العربي» على جدوى الزيارة الأمريكية، قائلاً: «هناك تقدم ملحوظ في مسألة الحدود، باعتماد تكثيف وضع العلامات الحدودية من قبل الساعين للحل من الأطراف الدوليين والاقليميين».
وزاد، دون كشف هويته «هذا المنحى يجد منا الترحيب لأننا دائما كنا نطالب بوضع العلامات، وهذا التطور يفتح الباب واسعا لاعتماد أي حلول على كل الجبهات تنزع فتيل التوتر في كل الملفات مع إثيوبيا».
أفورقي والبرهان بحثا «دعم وتعزيز التعاون الثنائي وتطوير العلاقات»
وعلق مصدر في إحدى السفارات الأوروبية لـ»القدس العربي» على مجمل بوادر التصعيد والزيارة الأمريكية، قائلا لـ»القدس العربي» إن «بوادر التصعيد هذه مفهومة، ويمكن تفسيرها بأنها محاولات لخلط الأوراق من جهة الذين لا يروق لهم سير الأحداث ومتطلبات الحل، إن كان في إثيوبيا أو السودان أو مصر، لكن هناك عزم لوضع إطار للحل يبدد شبح الحرب خاصة بعد دخول إريتريا طرفا في الحل حيث سيوجد أفورقي حول طاولة أي حل قادم».
وتابع: «هناك من كانوا يتشددون في إثيوبيا من أصحاب الامتيازات لجهة الأراضي في الفشقة أو لجهة السياسة الداخلية في إثيوبيا، ولأن الحلول قادمة، ويمكن أن نرى مثل ذلك من السودان أو مصر من المستفيدين من التوتر أو من تصدروا الخطاب العدائي».
وزاد: «عندما تأتي الحلول لا يمكنك أن تكسب كل شيء، ولا يمكنك أيضا أن تخسر كل شيء، على الجميع أن يقبلوا بالحلول المقدمة حاليا بتبادل المنافع بدلا من الحروب والنزوح».
في المقابل، انتقدت الخارجية الإثيوبية أمس الثلاثاء ما وصفتها بـ»الحملة الدعائية غير المبررة والاستفزازية والعدوانية التي تشنها وزارة خارجية جمهورية السودان ضد إثيوبيا».
وذكرت الوزارة الإثيوبية في بيان نشرته على صفحتها على موقع فيسبوك أن إثيوبيا «لطالما امتنعت عن الرد على الروايات العديدة الملفقة التي ترد في البيانات الصحافية الصادرة عن المؤسسات السودانية مراعاة للعلاقات التاريخية والأخوية بين شعبي إثيوبيا والسودان الشقيقين» .
واتهمت الوزارة الجانب السوداني بانتهاك المبادئ الدولية والاتفاقيات الثنائية وآليات الحدود المشتركة. وقالت إن «الأعمال العسكرية العدائية غير المسبوقة التي يقوم بها السودان أدت إلى نهب وحرق للممتلكات وقتل للمدنيين، فضلا عن تشريد الآلاف من الإثيوبيين».
واعتبر المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، أن التصريحات السودانية حول سد النهضة مؤخراً «مضطربة».
وقال خلال مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء إن «التصريحات السودانية العدائية ما زالت مستمرة»، لافتاً إلى أن «السودان لم يكتف بالاعتداء على أراضٍ إثيوبية بل انتقل إلى الادعاء بتبعية الإقليم الذي يقع عليه سد النهضة».
رفض قاطع
وزاد: «إن الإشارة في البيان السوداني إلى منطقة بني شنقول قوموز في إثيوبيا سخيفة للغاية. من المعروف أن الأراضي التاريخية لإثيوبيا في الغرب كانت ستمتد إلى ما وراء ما هو الآن حدود إثيوبيا لولا اتفاقيات الحدود القائمة».
وتابع أن «محاولة حكومة السودان خلط المعاهدات الحدودية مع الاتفاقات الثنائية غير العادلة والحصرية والمستعمرة بشأن استغلال مياه النيل أمر مؤسف. وبقدر ما يتعلق الأمر بإثيوبيا، فقد أعربت مرارا وتكرارا عن موقفها بشأن تلك الاتفاقيات القائمة على الاستعمار، والتي كان هدفها الوحيد ولا يزال هو إنكار حقوق دول أعلى النهر، بما في ذلك إثيوبيا، في استخدام مياه النيل».
وأضاف: «لذلك، فإن إثيوبيا ترفض رفضا قاطعا أي وكل محاولات للحفاظ على حصة مائية ذاتية بين دول المصب. إن إصرار دول المصب على احتكار مياه النيل وتسييس القضايا الفنية هي التحديات الرئيسية التي واجهتها المفاوضات الثلاثية».
لكنه مع ذلك قال «ما زلنا وسنظل نتمسك بقيادة الاتحاد الأفريقي لمفاوضات سد النهضة ولن نقبل بتحركات السودان لربط المسألة بملف السد» .
وشدد على أن «إثيوبيا كانت متسامحة مع تحركات السودان وتصريحاته لفترة طويلة، وذلك بهدف الحفاظ على العلاقات التاريخية» .
وسبق أن أكدت وزيرة خارجية السودان، مريم الصادق المهدي، السبت، أن إثيوبيا تعمل على «شراء الوقت» بتعنتها في مفاوضات سد النهضة، وأوضحت أن السودان قدم «كافة التنازلات» في سبيل إيجاد حل يخاطب مصالح الدول الثلاث في ملف سد النهضة، قائلة: «قدمنا كافة التنازلات للتوصل لحل مرض للجميع في ملف سد النهضة».
ومساء الإثنين، أكدت المهدي عند عودتها للخرطوم من جولة أفريقية، أن رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس شيسيكيدي أبلغها أنه «سيقوم بجولة قريبا ستشمل السودان ومصر وإثيوبيا بخصوص مسألة سد النهضة، وأن هناك تنسيقا يتم بينه بوصفه رئيس للاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة وبين المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي بغية إيجاد حل لموضوع سد النهضة». وعبرت عن «ارتياحها لهذا المسعى الذي يصب في الاتجاه ذاته الذي ظل السودان يدعو له، وهو ضرورة إشراك العالم على الرغم من إيمانه بضرورة حل المشكلات الأفريقية افريقياً، إلا أن إشراك بلدان العالم يعطي فسحة أوسع لحل القضايا، وذلك لأن قضايا البحار لا تعني أفريقيا وحدها، بل تعني الآخرين من بلدان العالم أيضا».
ميدانياً، كشفت صحيفة «سودان تربيون» نقلا عن مصادر قولها إن «ميليشيا إثيوبية مسلحة توغلت بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي السودانية في مناطق غابة الكردية وكمبو يماني في الفشقة الكبرى المحاذية لإقليم تيغراي، وحاولت الميليشيات قطع الطريق أمام حركة الرعاة وعمال وتجار الفحم».
ولفت مزارعون في الشريط الحدودي إلى أن «انتشار الميليشيات الإثيوبية وظهورها مجددا خاصة في المناطق التي يجري فيها تحضير ونظافة الأرض بواسطة المزارعين السودانيين في مساحة 20 ألف فدان بعد أن شهدت تلك المناطق هطول أمطار غزيرة خلال الأيام الماضية».
ونقلت عن معاوية عثمان الزين، وهو أحد كبار المزارعين في الفشقة الكبرى، مطالبته القوات السودانية «بضرورة الانتشار وإقامة معسكرات لحماية المزارعين السودانيين في الأراضي المحررة والتي تقدر بنحو 750 ألف فدان يستفيد منها نحو 1500 مزارع، وأن هنالك مساحة تقدر بنحو 15 ألف فدان من الأراضي السودانية المحررة تشهد تحركات لكبار المزارعين والميليشيات الإثيوبية في الجهة الشرقية من كمبو الكردية».
وتشهد حدود السودان وإثيوبيا توترا عسكريا منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما أعاد الجيش السوداني نشر قواته في أراضي الفشقة واسترد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي ظلت مجموعات إثيوبية تفلحها تحت حماية الميليشيات لأكثر من 25 عاما. وتتهم إثيوبيا القوات المسلحة السودانية بتأجيج الأوضاع على الحدود بالتوغل داخل مناطقها واحتلال أراضيها الزراعية.
وتؤكد إثيوبيا أنها ماضية في الملء الثاني لسد النهضة خلال موسم المطر في شهري تموز/ يوليو وآب/أغسطس.
وتخشى القاهرة والخرطوم على حصتهما من مياه النيل، وتتهمان أديس أبابا بالتعنت وإفشال المفاوضات التي جرت خلال السنوات الماضية بشأن سد النهضة.
وتطالب مصر والسودان بإشراك آلية وساطة رباعية دولية تضم الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة في المفاوضات المتعثرة الخاصة بسد النهضة، وهو ما ترفضه إثيوبيا.