إضافة إلى إقرار إثيوبيا بناء ثلاثة سدود على روافد النيل الكبرى، هي (بنشام- الليبرد- ستيد) بحجة توليد الكهرباء، بدأت إنشاء سد النهضة عام 2011، وانتهت من عملية البناء العام المنصرم 2020؛ وأعلنت إثيوبيا أخيراً أنها حققت هدفها للعام الثاني المرتبط بعملية ملء سد النهضة الذي يثير خلافا مع مصر والسودان، وذهبت إلى ابعد من ذلك ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين المتعلقة بتوزيع حصص مياه النيل ،معلنة أنها تخطط للبدء في إنتاج الكهرباء من السد خلال عدة أشهر. وسيكون المتضرر الأكبر الدولتين العربيتين مصر والسودان، في وقت يصل عدد سكانهما إلى نحو (150) مليون عربي خلال العام الحالي 2021 ، ويزداد الطلب على المياه لاستخدامات اقتصادية متعددة .
الموارد في الوطن العربي
تتسم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي بظاهرةٍ لها دلالاتٌ إستراتيجية، غاية في الأهمية للأمن المائي العربي ، هي أَن نحو نصف هذه الموارد ينبع من خارج الوطن العربي. لذلك، وبجانب الأسباب الطبيعية، يجعل هذا الأمر الموارد المائية عرضة للنقص والتدهور في النوعية والكمية، نتيجة عوامل إستراتيجية، أو استخدامات جائرة كما فعلت إثيوبيا باستثمار مياه النيل بعيداً عن مصالح دول المصب، ما يؤكد أهمية العمل على وضع التشريعات الدولية التي تتضمن حقوق الدول العربية، وبشكل خاص، مصر والسودان العربيتين .
ويُذكر أن متوسط نصيب الفرد العربي من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي يصل إلى 890 متراً مكعباً سنوياً، في حين يصل نصيب الفرد في قارة إفريقياب المتوسط، إلى 5500 متر مكعب سنوياً؛ وفي قارة آسيا 3500 متر مكعب؛ و7700 متر مكعب بالمتوسط للفرد على المستوى العالمي سنوياً .
وتتطلب الأزمات المائية العربية الآخذة بالتصاعد من الدول العربية والمؤسسات ذات الصلة، إتباع خيارات وسياسات جمعية محددة لمواجهة شح المياه والفجوة الغذائية العربية، فضلا عن استغلال بعض دول المنبع للأنهار بعيدا عن القانون الدولي وحصة الدول العربية منها ونقصد هنا إثيوبيا؛ ومن تلك الخيارات والسياسات، إعطاء الخلاف المائي بين أي دولة عربية ودول أخرى حول تقاسم المياه بعداً عربيا؛ فضلاً عن العمل والتخطيط لرفع كفاءة استخدام المياه في الدول العربية،عبر تطوير نظم الري الحالية وأساليبها وضرورة إتباع سياسات من شأنها التوسع في المحاصيل الزراعية ذات القيمة العالية، والمستخدمة لأقل كميات من المياه، الأمر الذي تفرضه ندرة المياه في الدول العربية، واحتمالات حصول عجز مائي كبير بعد عقد من الزمن.
الآثار الكارثية
يقع سد النهضة على النيل الأزرق في ولاية بني شنقول قماز شمال غربي إثيوبيا، ويبعد ما بين عشرين وأربعين كيلومترا عن الحدود الإثيوبية السودانية؛ ويعتبر أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء.
ويبلغ ارتفاعه نحو (145) مترا، في حين يبلغ طوله نحو (1800) متر، وتبلغ سعته التخزينية (74)مليار متر مكعب من المياه.
وسيحتوي على (15) وحدة لإنتاج الكهرباء، وتصل تكلفة السد إلى أربعة مليارات دولار ، وستحقق إثيوبيا نهضة تنموية شاملة وإنتاج ستة آلاف ميغاوات طاقة كهربائية، أي ما يوازي ما تنتجه ست منشآت تعمل بالطاقة النووية، ومع بدء تشغيل السد ،ستصبح إثيوبيا أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا.
في مقابل ذلك ستتسبب عملية الانتهاء من بناء السد واستثماره في إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية السودانية وتهجير نحو ثلاثين ألف مواطن، في حين ستكون مصر الخاسر الأكبر، وثمة تخوف شديد من تأثير السد على منسوب نهر النيل الذي تعتمد عليه مصر بنسبة تتجاوز (90) في المائة لتأمين حاجاتها المائية، رغم أن أنها تستند إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي العامين 1929 و1959 اللتين تمنحها (55) مليار متر مكعب من كميات مياه النيل سنويا. وثمة مخاطر باتت تواجه مصر بعد تعبئة إثيوبيا لسد النهضة أخيراً ، حيث سيتناقص حجم الموارد المائية في مصر بنسبة (25) في المائة، في حين سيتراجع إنتاج الطاقة الكهربائية في مصر بنسبة (30) في المائة.
وحسب”تقرير الحالة المصرية 2019″، الصادر عن منتدى أخبار اليوم للسياسات العامة، فإن العجز الذي تعانيه يصل إلى 22 مليار متر مكعب سنوياً، إضافة إلى المنتجات الغذائية المستوردة التي تتضمن مياهاً افتراضية بنحو (23) مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي فإن إجمالي العجز يصل إلى (55) مليار متر مكعب سنوياً، كما ستتأثر السودان بشكل كبير بعد عملية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي؛ حيث ستتراجع بكل تأكيد حصتها المائية المخصصة من مياه النيل حسب الاتفاقات الدولية، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع أداء نشاط قطاع الزراعة السوداني من جهة وتراجع المتطلبات المائية للصناعة والاقتصاد بشكل عام .
ويبقى القول إن هناك ضرورة إستراتيجية لجهة اعتبار الغطرسة الإثيوبية باستغلال مياه النيل بشكل منفرد، وبدعم غربي وإسرائيلي خطراً داهما على الأمن المائي العربي برمته وليس على مصر والسودان العربيتين فحسب .
كاتب فلسطيني