سد النهضة والقنبلة المائية الموقوتة

في ظل المشهد الضبابي الذي تمر به المنطقة العربية بدأت اثيوبيا بناء سد النهضة عام 2011، ومن المتوقع الانتهاء منه عام 2020. وسيكون المتضرر الأكبر مصر العربية وشعبها الذي يصل تعداده إلى نحو (90) مليون نسمة خلال العام الحالي 2019. ويمكن الجزم بأن مصر تتعرض لحصار مائي من دولة المنبع اثيوبيا، بدعم غير محدود من قبل دولة الاحتلال الصهيوني بالمعدات والخبرات الفنية والهندسية وصولاً إلى الأسلحة الدفاعية للدفاع عن سد النهضة على وجه الخصوص .

حقائق حول السد

يقع سد النهضة على النيل الأزرق في ولاية بني شنقول قماز شمال غربي اثيوبيا، ويبعد ما بين عشرين وأربعين كيلومترا عن الحدود الإثيوبية السودانية. ويعتبر أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء. ويبلغ ارتفاعه نحو 145 مترا، في حين يبلغ طوله نحو 1800 متر، وتبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب من المياه، وسيحتوي على 15 وحدة لإنتاج الكهرباء، وتصل تكلفة السد إلى خمسة مليارات دولار، وستحقق اثيوبيا نهضة تنموية شاملة وإنتاج ستة آلاف ميغاوات طاقة كهربائية، أي ما يوازي ما تنتجه ست منشآت تعمل بالطاقة النووية، وعند بدء تشغيل السد العام المقبل 2020 ستصبح اثيوبيا أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا. في مقابل ذلك سيتسبب بناء السد في إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية السودانية وتهجير نحو ثلاثين ألف مواطن بالقرب من منطقة إنشاء السد، في حين ستكون مصر الخاسر الأكبر. وثمة تخوف شديد من تأثير السد على منسوب نهر النيل الذي تعتمد عليه مصر بنسبة تتجاوز (90) في المئة لتأمين حاجاتها المائية.
ورغم أن مصر تستند إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي العامين 1929 و1959 اللتين تمنحانها (87) من كميات مياه النيل التي تمثل (55) مليار متر مكعب سنويا، إلا أن نظام السيسي لم يكن جدياً في المطالبة بحقوق الشعب المصري الثابتة في مياه النيل الأمر دفع اثيوبيا وبدعم من دولة الاحتلال الصهيوني بالتسريع في خطوات بناء سد النهضة، وتالياً إدارة الظهر لحقوق مصر المائية في مياه نهر النيل.

أطماع الكيان

تبنت دولة الاحتلال الصهيوني إستراتيجية سياسة محددة إزاء حوض النيل، تهدف بشكل عام إلى تطويق مصر والسودان، عن طريق صلاتها مع دول حوض النيل، حيث أكدت تقارير إعلامية صهيونية إرسال دولة الاحتلال خبراء في مجال المياه إلى اثيوبيا، ساعدوها على إنشاء ثلاثة سدود على روافد النيل الكبرى، تدخل على المجرى الرئيسي في أجزاء متقدمة من جنوب اثيوبيا، ثم السودان ثم مصر. وقد أقرَّت اثيوبيا بإنشائها السدود الثلاثة (بنشام- الليبرد- ستيد) بحجة توليد الكهرباء، وأقرَّت بوجود أولئك الخبراء لديها، ناهيك عن قيام دولة الاحتلال بنشاط خطير في دولة جنوب السودان، حيث أوقفت مشروع قناة جونجلي التي كانت ستوفر لمصر كميةً إضافيةً، قدرها خمسة مليارات متر مكعب من المياه؛ ووضعت إستراتيجية سياسية، تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة البحيرات العظمى، بما يخدم مصالحها في السيطرة على الموارد المائية، وإبقاء المنطقة كلها في صراعات طائفية مستمرة، فشهدت منطقة البحيرات، منذ بداية عقد التسعينيات، صراعات مسلحة أثمرت مذابح بشعة راح ضحيتها آلاف الأرواح، في رواندا وبورندي.
ويلحظ المتابع لأطماع دولة الاحتلال المائية، بوضوح جلي، حيث طرحت قضية مياه النيل مرات، في ندوات ومؤتمرات ودراسات متخصصة، ربطاً مع حاجاتها المائية المتزايدة، وطالبت بحصولها على (10) في المئة من مياه نهر النيل، أي نحو ثمانية مليارات متر مكعب سنوياً لحل مشكلة الطلب المتزايد على المياه بسبب زيادة السكان اليهود في فلسطين المحتلة، نتيجة الهجرة اليهودية وحاجات القطاع الزراعي. ولهذا، سعت المؤسسات الصهيونية المختلفة، منذ عقد الستينيات من القرن المنصرم، إلى التغلغل بشكل كبير في دول حوض النيل، وخصوصاً أوغندا وتنزانيا وكينيا واثيوبيا، من خلال إرسال عشرات الخبراء الصهاينة في مجالات عديدة، مثل الزراعة والري والخبراء العسكريين وغيرهم لتلك الدول تحت شعارات التنمية والتطوير.
طرحت الزيارات المتكررة خلال السنوات الأخيرة لرئيس وزراء دولة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إلى دول إفريقية عدة من حوض النيل (أوغندا، كينيا، اثيوبيا، رواندا) أسئلة متشعبة، في وقتٍ انكشفت فيه صورة دولة الاحتلال العنصرية، وازدادت وتيرة المقاطعة الغربية لبضائع المستوطنات والمؤسسات الأكاديمية الصهيونية، ناهيك عن الأطماع الصهيونية الإستراتيجية في مياه نهر النيل.

أهداف متشعبة

ويمكن الجزم بأن أهداف تلك الزيارات الصهيونية للقارة السمراء، متشعبة الأهداف والأبعاد. فثمّة ما هو أمني واقتصادي، لكن الهدف المباشر هو التدخل الصهيوني في شؤون حوض النيل. وقد كان الهدف الصهيوني من حماية سد النهضة والتوجهات الإثيوبية، تطويق مصر والسودان مائياً واتساع ظاهرة التصحر لإفقار شعبي البلدين، والتسبب في نزاعات قد تتطوّر إلى خوض حروب واسعة النطاق على المياه بين دول المنبع والمصب في حوض النيل، فمصلحة دولة الاحتلال الصهيوني العليا تتلخص بالتمدّد مائياً باتجاه حوض النيل، والسيطرة على كمية مياه كبيرة على حساب الحصة المصرية المحدّدة في المقام الأول، الأمر الذي يجعل من تلك الأطماع الصهيونية قنبلة مائية موقوتة ستنفجر بوجه دولة الاحتلال بعد رحيل نظام السيسي.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية