سردية القصص النبوي

حجم الخط
0

يتفق العلماء المسلمون على تسمية القرآن الكريم بـ»كلام الله» وأن الرسول (ص) تلقاه عن طريق الوحي. لكنهم لا يسمون ما رود عن الرسول بأنه «كلام الرسول» لكنهم أجمعوا على أنه «الحديث النبوي» الذي يستوعب إلى جانب أقوال الرسول أفعاله أيضا. في هذا التمييز بين القرآن الكريم والحديث النبوي ما يدل على الفرق بينهما. فالنبي لا دخل له في كلام الله، فقد قام بتبليغه للمسلمين. وأن ما يمكن أن ينسب إليه فهو الحديث النبوي فقط، وهو ما كان «يُحدِّث» به المسلمين. لا نعثر على هذا التمييز في الكتاب المقدس، ولا في غيره من الكتب المقدسة التي يتداخل فيها النص الإلهي مع البشري، وينسب النص في كليته إلى أشخاص معينين.
لقد تكفل الله بحفظ القرآن الكريم، كما أن الرسول نبّه إلى ضرورة عدم نسبة ما لم يقله إليه، وأن «من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» وكذلك من كذب عليه متعمدا. ولهذا الاعتبار نجد المسلمين قد أجمعوا على صحة القرآن الكريم، بعد جمعه في المصحف، وأنهم تحروا الدقة والصرامة في رواية الحديث النبوي، فميزوا بين صحيح الحديث وضعيفه. وهنا أيضا نجد الفرق الشاسع بين القرآن الكريم والحديث النبوي، حيث تباينت طرائق التعامل مع كل منهما، سواء في الجمع أو التصنيف، فوجدنا الاختلاف في القرآن الكريم لا يتعدى القراءات، في حين صنف الكثير من الكتب التي تقدم لنا روايات الحديث النبوي. وكما تكونت علوم إسلامية تعنى بالقرآن الكريم، برزت علوم الحديث.
قام العلماء والفقهاء والوعاظ والقصاص والبلاغيون وغيرهم بدراسة الحديث النبوي، فاهتم كل منهم به حسب تخصصه. فعلماء الحديث انصب اهتمامهم على صحة الحديث ووضعه ورواته. والفقهاء بأحكامه، والبلاغيون بخصوصية خطابه، واستثمر الوعاظ والقصاص ما ورد في الحديث من أخبار وحكايات وقصص. كما تخصص الإخباريون والمؤرخون بسيرة الرسول، وفتوحاته وغزواته، فرصد بعضهم فضائله وشمائله، وتفرد الشعراء في مختلف العصور بمدحه والثناء عليه. لكن الاهتمام الأكبر توجه إلى تأكيد العلاقة الوثيقة بين الحديث والقرآن الكريم، فكان المعول عليه في التفسير، وفي استنباط ما ورد فيه من تفاصيل أجمل فيها، ما اتصل بالشرائع والعبادات من خلال الوقوف على أقوال الرسول وأفعاله: «وصلوا كما رأيتموني أصلي». ورغم تعدد المذاهب الإسلامية حسب اجتهادات الأئمة في أجرأة الحديث النبوي، فإنها ظلت عموما لا تكاد تصل إلى ما يجعلنا أمام ديانات مختلفة، إنها فروقات لا تؤثر على ما قامت عليه الرسالة الإسلامية.
إن الحديث النبوي ثمرة شجرة القرآن الكريم، ولذلك نجد فيه من أنواع الخطاب مثل ما نجد، تقريبا، في القرآن، مع اختلاف بين الأساليب بينهما، وعلى مستويات كثيرة. ويبدو لنا ذلك جليا في القصص القرآنية التي ظلت ملهمة لما نجده من قصص في الحديث النبوي، وهو ما سيكون له أكبر الأثر على السرد العربي عموما، ولاسيما ما اتصل منه بالقصص الديني. لقد تصرف الوعاظ والقصاص على ما ورد من القصص الديني، فكان ذلك حافزا على الإبداع، وفسح المجال للخيال الشعبي، خصوصا ما ارتبط بالغيبيات والملاحم وأشراط الساعة، فكان أن برزت كتب كثيرة تتحدث عن القصاص والمذكرين، وهي بوجه عام تشكك في ما يروونه من قصص وينسبونها للرسول، لذلك لم يثر القصص النبوي الباحثين والدارسين المحدثين بمقارنته بالقصص القرآني، وكأني بهم يرون أن ما في القرآن يغني عما في الحديث النبوي من قصص للعلاقة الوطيدة بينهما، ولذلك لا نكاد نجد دراسات تقدم لنا صورة دقيقة عن القصص النبوي، بل حتى تصنيف القصص النبوي في كتاب لم يتم الإقدام عليه إلا من القليل من الدارسين في العصر الحديث. ويمكننا هنا الإشارة إلى «صحيح القصص النبوي» لأبي إسحاق الحويني الأثري، و»صحيح القصص النبوي» لعمر سليمان الأشقر، وله أيضا «قصص الغيب في صحيح الحديث النبوي». ونلاحظ في الكتابين معا التركيز على ما ورد من قصص نبوي في الكتب الصحاح، مما يبرز الإحجام عن إيراد كل ما روي في الحديث من قصص نبوي.
لقد اهتم المسلمون بالحديث النبوي في كل التاريخ، كما انشغل به غير المسلمين من الباحثين حتى وقتنا الحالي. ولعل البحث في سردية القصص النبوي بأسئلة جديدة، تتعلق بطبيعة هذه القصص ووظيفتها، ودورها في السرد العربي عموما كفيلة بجعلنا نلتفت إلى الدور الذي لعبه السرد النبوي في الحياة الإسلامية. ولعل الوقوف على خصائص ومميزات القصص النبوي بمقارنتها بأنواع الخطاب الحديثي الأخرى، وبالقصص القرآني خصوصا سيمكننا، أيضا، من معاينة صورة أخرى للحديث تثمن كل ما نعرفه عنه في جوانبه غير السردية. كما أن طرح أسئلة تتعلق بالمتكلم في القصص النبوي وعلاقته بالخطاب الذي يقدمه من خلاله، والأبعاد التي يحققها في تفاعل المسلمين معه سيتيح لنا إمكانية إنتاج معرفة جديدة تتعلق بتاريخ السرد العربي الذي اتخذ مع الإسلام صورة جديدة، ستصبح الصورة التي سيتخذها في صيرورته..

كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية